بقلم: سيزار شلالا *
مع استمرار الحرب العنيفة التي لا تتوقف على اليمن، تبرز بشدة الحاجة العاجلة إلى هدنة إنسانية نظرا لانحدار البلد نحو الفوضى مما قد يترك الغالبية العظمى من السكان في حاجة ماسة إلى الرعاية الطبية. حيث يعيق الحصار المفروض على وصول الإمدادات الطبية والرعاية بشكل رئيسي من فرص تحسين أوضاع الناس المحتاجين. إن هدنة إنسانية ستسمح بوصول الإمدادات والرعاية إلى هؤلاء الناس وتخفيف الوضع الصحي المتردي لهم.
وفي نفس الوقت، لا يزال قصف المرافق الصحية مستمرا. حيث أدانت منظمة الصحة العالمية (WHO) في أكتوبر الماضي قصف وتدمير المستشفى المدعوم من قبل منظمة أطباء بلا حدود (MSF) في محافظة صعدة. وتعتقد منظمة أطباء بلا حدود أنه نتيجة لذلك الاعتداء تُرِك 200 ألف شخص بدون رعاية طبية. وقد كان هذا الهجوم، الذي ينتهك القانون الإنساني الدولي، الثاني على منشأة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود خلال شهر.
فمنذ بداية الهجمات السعودية على اليمن، والتي تجري بدعم الولايات المتحدة، قتل أكثر من 5700 شخص (غالبيتهم من المدنيين) – بما في ذلك مئات من النساء والأطفال – و تم الإبلاغ عن وقوع إصابات لعدد 28753 شخصاً. كما قتل أيضا العديد من العاملين في المجال الصحي وتم إغلاق أو تدمير 47 مرفقا صحيا في 11 محافظة نتيجة القصف الذي تقودة السعودية.
تم تقليص خدمات الرعاية الصحية في جميع المستشفيات العامة، لاسيما غرف العمليات الجراحية ووحدات العناية المركزة. وفي نفس الوقت، أدى توقف أنشطة التطعيم إلى زيادة مخاطر الإصابة بالحصبة وشلل الأطفال، على الرغم من أن اليمن لا تزال خالية من مرض شلل الأطفال.
وتسببت الأعطال التي طالت أنظمة إمدادات المياه والصرف الصحي في تسهيل انتشار الأمراض مثل الملاريا وحمى الضنك، وكذلك أمراض الإسهال الحادة، وخاصة تلك التي تؤثر على الأطفال. كما تأثر أيضا نظام الإنذار المبكر عن الأمراض بشكل خطير نتيجة الإمكانات المحدودة للتواصل.
تملك اليمن واحداً من أعلى معدلات سوء التغذية المزمن في العالم. ووفقا لليونيسف، يعاني حاليا 1.3 مليون طفل يمني تقل أعمارهم عن خمس سنوات من سوء التغذية الحاد، مقارنة بـ 850 ألف طفل قبل بدء الحرب. وهو ما معناه أن 320 ألف طفل يعيش الآن ضعف المعاناة من سوء التغذية الشديد عما كان عليه الحال قبل الأزمة. كما أن المال الشحيح الذي يملكه الناس وبالكاد يدفعونه ثمنا للمواد الغذائية والغاز – التي زادت أسعارها بشكل كبير – يتركهم عاجزين عن دفع تكاليف الرعاية الصحية.
وذكرت مجلة لانسيت الطبية الصادرة في لندن أن ما يقرب من ربع مرافق الرعاية الصحية في اليمن لم تعد فعالة. ومما زاد الطين بلة، بحسب رونالد كريمر من منظمة أطباء بلا حدود، قوله أن “الناس لا يجرؤون على الذهاب إلى المستشفيات لأنهم يخشون أن يتم استهدافهم، وحتى لو كانوا يريدون الذهاب فإنهم لا يملكون الوسيلة لذلك، حيث لا توجد وسائل النقل العام، أو أنها مكلفة للغاية بسبب مشاكل الوقود”.
وقد فاقمت مشاكل الوقود من زيادة مشاكل الحصول على المياه النظيفة. كما أدى نقص إمدادات المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والوضع المزري للنظافة إلى تفشي حمى الضنك والملاريا. ونظرا لأن العديد من اليمنيين يخزنون المياه في أوعية مفتوحة، فإن هذه الأوعية تصبح بيئة خصبة لتكاثر البعوض الناقل للمرض.
هذا وقد نزح أكثر من 2.5 مليون شخص عن منازلهم حتى الآن وأصبحوا مشردين في الداخل. ونظرا لتفاقم الوضع الصعب أصلا، فقد تسبب توقف حملات التحصين في زيادة عدد الأطفال المصابين بالحصبة والحصبة الألمانية لاسيما بين أوساط النازحين المتواجدين في ظروف معيشية مزدحمة.
ونتيجة للحرب التي تقودها السعودية، فقد تم إغلاق العديد من المستشفيات والمختبرات والمستودعات الصحية والمكاتب الإدارية. وتملك مرافق الرعاية الصحية الأولية الحد الأدنى من الأدوية والتموينات والمعدات، كما أثر نقص الوقود في عمليات الإسعاف.
هناك حاجة ماسة في هذه الحالة إلى هدنة إنسانية. من شأن هدنة مدتها خمسة أيام – على النحو الذي اقترحته منظمة الصحة العالمية – أن تسمح للمنظمات الإنسانية بالاستجابة لبعض أكثر الاحتياجات الأساسية التي تهدد حياة المدنيين، خاصة النساء والأطفال الواقعون في وسط القصف الجوي اليومي. حين كان أحد أطباء منظمة أطباء بلا حدود يعالج طفلاً مصاباً بجروح بالغة في سوريا، أدرك أن الطفل كان يحاول أن يقول له شيئا وسأل المترجم عن ما كان الطفل يقوله، فرد المترجم بأن الطفل يتساءل “ألا يدركون أننا أطفال؟”. يمكن أن يكون هناك سؤال مماثل كهذا يطرح اليوم في اليمن.
* طبيب ومستشار دولي في الصحة العامة
* صحيفة يابان تايمز اليابانية الناظقة بالانجليزية