مشروع تقسيم سوريا ..مؤامرة لتمكين الكيان الصهيوني في المنطقة
تقرير / قاسم الشاوش
أظهرت تقديرات اللحظة الراهنة والتي تشهدها المنطقة العربية بأن الحرب الدائرة في سوريا منذ ما يقارب خمسة أعوام راح ضحيتها مئات الآلاف من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء, كما شردت ملايين السوريين وهي حرب بالتأكيد استهداف واضح وممنهج ضد ذلك البلد العربي ضمن مخطط صهيوني غربي وبعض دول المنطقة التي تغذي كل الصراعات في المنطقة بمالها المدنس لخلق فوضى عارمة بهدف السعي إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد والتي نادت به أمريكا عقب غزوها للعراق في العام 2003م وما يؤكد حقيقة ذلك تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي بثته قناة روسيا اليوم تحت عنوان ” لماذا تحدث كيري عن تقسيم سوريا “وهذا بالتأكيد دلالة واضحة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن المشروع أو المخطط الأمريكي الغربي لن يتوقف عند حدود إسقاط النظام السوري فحسب وإنما تمزيق سوريا أرضا وإنسانا وهو ما تريده إسرائيل وحلفاؤها في المنطقة والغرب.
في حين يرى المسؤولون الروس بأن فكرة تقسيم سوريا إذا كانت ستقود إلى حل الأزمة المستمرة منذ خمس سنوات، على أن يكون ذلك من بوابة المفاوضات التي تجري تحت رعاية الأمم المتحدة، وليس باللجوء إلى بدائل عسكرية خارجية. إلا أن دمشق نددت بالتصريحات الأمريكية التي تجافي الواقع ووصفتها بالمظللة لما يحدث في سوريا.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، قبل أيام أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في فبراير الماضي ، لتشكل مادة للحديث الإعلامي، ولا سيما عند أولئك المقتنعين بوجود مخططات محلية وإقليمية ودولية لتقسيم سوريا.
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري “ربما يفوت الأوان لإبقاء سوريا موحدة إذا انتظرنا فترة أطول” في إنهاء القتال هناك, محذرا من أن بلاده تدرس خطة بديلة للتعامل مع الوضع في حال لم تكن دمشق وموسكو جادتين في التفاوض على الانتقال السياسي.
وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها عن خيار تقسيم سوريا، حيث دأبت أمريكا على تأكيد ضرورة المحافظة على سوريا ديمقراطية علمانية موحدة.
أما الموقف الروسي فقد أكد سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي أن موسكو تؤيد ما يتوصل إليه المشاركون في المفاوضات السورية بما في ذلك فكرة إنشاء جمهورية فدرالية.
وأضاف ريابكوف في مؤتمر صحافي :إننا نستبعد تطور الأحداث في سوريا وفق “سيناريو كوسوفو”، وشدد على ضرورة وضع معايير محددة للهيكلة السياسية في سوريا في المستقبل، تعتمد على الحفاظ على وحدة أراضي البلاد، بما في ذلك إمكانية إنشاء جمهورية فدرالية، خلال المفاوضات السورية. وقال“إذا خلصوا، نتيجة للمحادثات والمشاورات والمناقشات بشأن نظام الدولة في سوريا في المستقبل، إلى أن النموذج (الاتحادي) سيخدم مهمة الحفاظ على سوريا موحدة وعلمانية ومستقلة وذات سيادة فمن سيعترض على ذلك حينها؟”.
وفي حقيقة الأمر، فإن التقسيم بهذا المعنى في سوريا يبدو مستحيلا، لأسباب داخلية وأخرى خارجية. وتصريح كيري لا يعني أن سوريا أصبحت قاب قوسين أو أدنى منه؛ بل القصد منه أن استمرار المعارك أكثر من ذلك سيؤدي إلى تقسيم مواقع القوى في عدة مناطق جغرافية مثل: الأكراد في الشمال الغربي والشمال الشرقي، والحكومة في الساحل ودمشق ومحيطها، وقوى مسلحة معارضة مختلفة في إدلب ومناطق أخرى، وتنظيم “داعش” في دير الزور والرقة.
ويرى خبراء في الشأن السوري أن طرح فكرة التقسيم هدفه التهديد أكثر مما هو التنفيذ في حد ذاته، مشيرين إلى أن هذا التهديد بالتقسيم يهدف إلى حث الأطراف المتصارعة في سوريا للقبول بالهدنة والانتقال إلى الحل السياسي وفق القرارات الأممية التي تقوم جميعها على أساس وحدة الأراضي السورية. وفي هذا الصدد يرى المحلل السياسي والكاتب والعربي المعروف عبدالباري عطوان بأن تقسيم سوريا ما بعد العراق , على أسس عرقية وطائفية يعني التفتيت وتغيير خريطة المنطقة بما يخدم إسرائيل , من حيث جعلها القوة الوحيدة المتفوقة , في وسط عربي وإسلامي ضعيف ,ومفكك , وغارق في حروب أهلية طائفية , ولنا في العراق انصع الأمثلة .
ويصيف عطوان في عموده رأي اليوم :إن هذه الطبخة الأمريكية الروسية التفتيتية تحت اسم الفيدرالية التي رائحتها تتسلل إلى خياشيمنا تدريجيا يجب أن تقاوم بكل الطرق والوسائل لمنع تطبيقها لأنها قد تنهي الحرب الحالية في سورية بصورتها الحالية , ولكنها ستؤسس لحروب طائفية مستقبلية ربما تكون أكثر شراسة .
نخشى أن تكون سورية باتت ضحية لعبة أمم خطرة تنفذ بايد وأموال وأسلحة عربية وتحت نظله روسية أمريكية .
بدورها نددت دمشق بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التي تحدث فيها عن احتمال تقسيم سوريا، واصفة إياها بـ”المظللة وبأنها” وتأتي لإخفاء مسؤولية بلاده عن الأزمة في سوريا.
ونقلت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية قوله إنه تعقيبا على تصريحات كيري في مجلس الشيوخ الثلاثاء “عن إطالة الأزمة في سوريا واحتمال التقسيم فإن الجمهورية العربية السورية تدين هذه التصريحات التي تجافي الواقع وتأتي في سياق التضليل لإخفاء مسؤولية بلاده فيما تتعرض له سوريا من جرائم المجموعات الإرهابية”.
وتابع إن “الولايات المتحدة وحلفاءها وأدواتها الإقليمية تتحمل مسؤولية اندلاع الأزمة في سوريا واستمرارها وذلك من خلال مواصلتها دعم الإرهاب وعدم أداء دورها كعضو دائم في مجلس الأمن لفرض تطبيق قرارات المجلس ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وخاصة من جانب السعودية وتركيا اللتين تشكلان خزان التطرف في المنطقة والقاعدة الأساسية للإرهاب”.
وأكد المصدر “أن سوريا وشعبها الذي يتطلع إلى إنهاء الأزمة الراهنة بأسرع وقت ممكن وعودة الأمن والاستقرار إلى كل أرجاء سوريا مصمم اليوم أكثر من أي وقت مضى على دحر الإرهاب والحفاظ على وحدة سوريا”.
وبالرغم من هشاشة الهدنة يسعى الطرفان الدوليان اللذان يشرفان عليها (الروس والأميركان) إلى الحفاظ عليها. فهي فرصتهما الوحيدة لإنجاز اتفاق يقود إلى المفاوضات التي ستقرر الصيغة الأخيرة للوضع الانتقالي. وهي صيغة ليست مقبولة، لا من قبل النظام ولا من قبل المعارضة، غير أن الجهتين ستضطران إلى الموافقة عليها.
وعلى الرغم من الأزمة، التي نشبت بين الطوائف السورية، وغياب الثقة بعد خمس سنوات من الحرب، فإن المجتمع السوري مجتمع علماني من جهة، ومحافظ من جهة أخرى. ولا يوجد فيه غلو طائفي، كما الحال في دول أخرى كالعراق ولبنان؛ وهو مجتمع ظل متماسكا رغم كل هذه الأهوال. والدليل على ذلك هو أن الحرب الأهلية لم تتحول إلى حرب طائفية كما حدث لدى جيرانه.
إلا انه يبدو أن فكرة التقسيم مرفوضة على المستوى الإقليمي؛ لأن تقسيم سوريا بهذا المعنى سيفجر المنطقة: فتركيا لا تحتمل وجود إقليمين كرديين مستقلين أحدهما في العراق، والآخر في سوريا. ولبنان لا يحتمل وجود دولة طائفية أو كيان طائفي على حدوده الشمالية والشرقية. والعراق لا يحتمل كيانا كرديا يكون امتدادا لإقليم كردستان العراق، في وقت لا يقبل فيه أيضا نشوء كيان إسلامي متطرف على حدوده الغربية. كما أن الأردن لا يحتمل قيام دويلات متعددة على حدوده؛ وقد حذر الملك الأردني عبد الله الثاني أكثر من مرة من كارثية فكرة التقسيم في سوريا.وبناء على ذلك، وخوفا من أن تؤدي هذه الخطوة إن تمت إلى تشجيع الأقليات الأخرى على المطالبة بحكم ذاتي، فإن المعلومات الواردة من واشنطن تشير إلى رفض البيت الأبيض منذ بداية الأزمة إسقاط حكومة دمشق عسكريا، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى انهيار الدولة ونشوء حرب أهلية ربما انتهت بتقسيم جغرافي للبلاد.