الثقافة بين أساطير الأوَّلين وأساطير الآخِرين
إبراهيم طلحة
طائفة من المثقَّفين درجت على أن تنسب إلى نفسها (إنجازات) تنويريَّة تقدُّميَّة نهضويًّة، وتشتغل على أساس من العقلانية (اللا معقولة) المحضة وأساطير الآخرين!!..
يصوِّر أحدهم نفسه وكأنَّه المفكِّر الوحيد في الجمهوريَّة اليمنيَّة، واللّيبرالي الخالص في منطقة الشَّرق الأوسط؛ فإن قدَّر الله على البلد والمنطقة بكارثة فإنما هي كارثة وفاته لا سمح الله!!.. إن حيَّ تحيا الثقافة وإن هلك تهلك الثقافة!!
يوهمون النَّاس بأنَّهم يقودون زماماً حضاريّاً، فيحملون رايات التجديد الفكري التي تشبه شعارات بعض القوى والأحزاب الوطنية والقومية المتآكلة،، لا بل شعارات من قبيل: لسنا الوحيدين لكننا الأفضل!!.. يحاولون القفز من فوق الأحداث والوقائع التاريخية، وتجاوز كل ما من شأنه تعرية القدرات القاصرة للعقل، ويحتكرون المثل العليا بطريقة مقززة، فتوشك أن تجد لديهم الرؤية السلفية نفسها تجاه مسائل جمَّة من بينها المسألة السياسيَّة – مثلاً – فيقولون: “الديمقراطية لا تصلح لنا”وهم بذلك يقرِّون المبادئ والأدبيات « الأصوليَّة» التي ما فتئوا يغمزونها ويلمزونها!!..
يظنون أنَّ عليهم أن يقولوا، وما على النَّاس إلاَّ أن يسمعوا ويطيعوا، ويتأوَّلوا ما يقولون!! ..
نحن نعيش ما يشبه الرَّجعيَّة الثقافية التي لا تقلُّ خطورةً عن الرَّجعيَّة الدِّينيَّة التي توهم بها جماعاتٌ إسلاميّة متطرِّفة،، فارق أنَّ الجماعات المتطرفة دينيّاً دأبت على تزييف العواطف والمشاعر، والجماعات المتطرفة فكْريّاً دأبت على تزييف العقول والألباب!!..
أساليب بعض الجماعات الفكريَّة والثقافيَّة المحسوبة خطأً على ما بعد الحداثة هي هي أساليب الجماعات السِّيَاسِيَّة والحزبيَّة المحسوبة خطأً على الإسلام، هي هي حذو القُدَّة بالقُدَّة، وسواءً بسواء!!..
البناء الوهميُّ والتنوير الخرافيّ لدى بعض المتأخرين لا يقلُّ عن تهويمات بعض السَّلف، من حيث الخزعبلات والفشل الذَّريع!!..
كان بإمكان هؤلاء أكثر ممَّا كان .. أمّا أن يزوِّروا الوعي كيفما يشاؤون، ويتكلَّموا بالنِّيابة عن الأُمَّة؛ فتلك إذن قسمةٌ ضيزى!! .. الأُمَّة ليْسَت مُضطرَّة إلى المستبدّ الحداثي إن لم يوجد المستبد الوراثي!!..
ما معنى أن ننكث عن زلات الماضي إلى زلاَّت الحاضر ؟!!.. هل لا بدَّ من إحدى اثنتين: الموت بشهادة الماضي، أو الموت بشهادة الحاضر؟!!..
قد يكون من اللازم إعادة ترتيب الحسابات، ولكن ليس من اللاَّزم إعادة خلط الأوراق، ولا من الطريف تجديد طرائق التفكير العقلي بأدوات الفقهاء وأساطير الأوَّلين.. فما الفارق- إذن- بين ظُلْم من طرف المحافظين أو ظُلْم من طرف العُمَّال؟!!..
لا لشيء من أساطير الأوَّلين، ولا لشيءٍ من أساطير الآخِرِين، بل للحقيقة مجرَّدةً أينما وُجِدَتْ، فنحن في الحقيقة شركاء؛؛ فلا جنوح لوصايا الأوصياء ولا لدعايا الأدعياء..