النقل بين الاحتكار ونظام الدور
عبدالرحمن الرياني
* النقل العام بات يعاني هذه الأيام وفي الأشهر التي تعيش فيها البلاد حربا عدوانية حاقدة تستهدف كل مقدرات الوطن أقول بات يعاني العديد من المشاكل التي لا ينبغي لنا المرور أمامها مرور الكرام إذ أنه ومن أجل انصاف الآلاف من اليمنيين المشتغلين بمهنة النقل ملاك القاطرات والسائقين على حد سواء لابد لنا من وقفة هذه الوقفة ربما يكون لها صداها الإيجابي في منع حدوث ما لا يحمد عقباه ففي ظل استهداف المصانع الكبرى في البلاد من الاسمنت إلى الدقيق وصولا للصناعات الغذائية والحليب والسكر والاسمنت وغيرها وفي وضع كارثي أوجده الحصار الظالم على خمسة وعشرين مليون يمني بات هناك تهديد حقيقي يستهدف النقل، فعلاوة إلى ارتفاع أسعار قطع الغيار وعدم ثبات أسعار المشتقات النفطية الديزل وخلافه يتعرض سائقو سيارات النقل الثقيل إلى ما يمكننا اعتباره مخططاً يستهدف التضيق عليهم في ارزاقهم، ففي الوقت الذي تغيرت فيه معدلات الإنتاج لدى المصانع عما كانت عليه قبل الحرب يأبى التجار وأصحاب تلك المنشاَت آت إلا أن يحتكروا النقل وبمجرد أن تصل الباخرة يعمد التجار إلى ارسال السيارات الخاصة بهم إلى الميناء لنقل بضائعهم بدون الالتزام بنظام الدور الذي يكفل لشريحة واسعة من المجتمع مورد رزق يمكن أن يخفف عليه أعباء الحياة واستحقاقات المركبة ويهون عليه الرحلة الشاقة تحت القصف المميت ، نعم إنه غول الاحتكار الذي يطل برأسه من جديد مهددا آلاف الأسر اليمنية، وبالطبع هناك دائما الحالة الذرائعية التي تسكن الاحتكار وتكمن هذه المرة في بطء نظام الدور وهو سبب يمكن الرد عليه بأن المخازن الخاصة بالتجار تكون ولاتزال مليئة بالسلعة وتأخير ثلاثة أو أربعة أيام لن يكون لها ذلك التأثير الذي يتم الاتكاء عليه، ففي جميع دول العالم هناك لوائح وضوابط تتحكم في عملية النقل مدفوعة بنقابات فاعلة تبدأ بعمال الشحن والتفريغ وتنتهي بنقابة سائقي النقل الكبير وهكذا، والمحاولات التي يقوم بها بعض وليس كل التجار هذه الأيام تهدف إلى اخراج مكتب النقل وتحديدا مكتب النقل في الحديدة الذي اضيفت عليه في شهور الحرب العديد من الأعباء بعد أن اضحت العديد من المناطق اليمنية، حملا عليه وفي ظل عدم وجود الحد الأدنى من التجاوب من البعض نعم إن الاحتكار وتحديدا احتكار قطاع النقل فيصبح التاجر هو الشركة الملاحية وهو جهات التفريغ وهو الناقل ويخرج الناقل من العملية خالي الوفاض، فهذا لن يقود سوى الى تفاقم الأزمة، الشيء الأخر الذي سيفرض نفسه لا قدر الله هو اتساع جغرافية الجوع والبطالة، ففي السنوات التي جرت فيها عملية غلق مكتب النقل بالحديدة حدثت العديد من القصص المأساوية وهي قطعا ليست من نسج الخيال والبرباغوندا الإعلامية، كثيرون اتجهوا للعمل في صندوق النظافة والبعض الآخر اتجه إلى فرز الباصات والبعض اتجه للتسول أمام بعض المطاعم وهناك من فقد عقله ودخل إلى دائرة الجنون، الكارثة الكبرى بمجملها جريمة اقتصادية تنعكس سلبا على الحياة الاجتماعية للفرد والمجتمع، لقد فوجئت بردة الفعل القوية من قبل سائقي النقل الكبير لمجرد مناقشة الفكرة “احتكار النقل من قبل التاجر” كان معظم الآراء تصب في اتجاه واحد الحرب العنيفة من قبلهم على أولئك التجار وبرأيي الشخصي فيما لو حدثت عملية اتفافية من قبل بعض التجار وتمكنوا من إخراج المكتب وتعطيل عمل قرابة السبعة اَلاف شاحنة فإن ما سيحدث حينها أمران لا ثالث لهما تعطيل وتوقيف للناقل الجديد بصورة قسرية من قبل السائقين الملتزمين بنظام الدور أو أعمال عنف لا يمكن التنبؤ بمنتجاتها ومخرجاتها وستقود الجميع إلى مصير مجهول التاجر والناقل وهذا الأخير أعني به منتسبي مكتب النقل في الحديدة ، وبالعودة إلى يوميات حرب العدوان الظالم الذي يتعرض له اليمن منذ قرابة العام سوف نلمس وبكل وضوح حجم المعاناة التي يواجهها السائقون تحت القصف الهمجي لطائرات التحالف، وبالطبع فذاكرتنا الجمعية لم تثقب بعد ابتداء من شاحنات الدقيق المتجهة إلى تعز ومرورا بعدن وإب وصنعاء وحجة وصعدة وغيرها من الحوادث التي استشهد بها العشرات من السائقين.
هذا يقودنا إلى تساؤل يطرح نفسه بقوة وهو: لماذا يصر بعض التجار إلى فتح هذا الملف وفي هذا السياق بالذات ؟ وهل هناك علاقة بينهم وبين ما يجري على الأرض من قصف ودمار وخراب وإذا افترضنا حسن النية في ذلك وعدم القراءة الصحيحة منهم لما يجري ألا يعد ذلك شكلا من أشكال التآمر والحصار كما يفعل العدوان ، في المقابل من هي القوى التي تريد الاحتكار اعتقد وأنا من المطلعين على حركة السوق في اليمن أن قوى الاحتكار هي ذاتها التي بدأت في الثمانينيات والسبعينيات باحتكار الصناعات الغذائية وصناعة الدقيق هي ذاتها التي تقوم بذلك اليوم فقد تسبب الاحتكار منذ ذلك الحين في تشريد مئات الآلاف من الأيدي العاملة واليوم وبأساليب اعتباطية نريد إعادة نفس المشهد المأساوي، وحتى لا نكون ممن يمارس النقد لمجرد النقد اقول لابد من ايجاد حل وحل واقعي يرضي الجميع وهو الأمر الذي لن يحدث إلا من خلال الحوار الجاد بين مكتب النقل الكبير وبين رجال المال والأعمال يتم من خلاله القبول بنظام الدور وبالصورة التي يقبلها ويتفق عليها الجميع ويتم إقرارها بحيث تراعي المصلحة العامة لجميع الأطراف.