عواصم /وكالات
أعرب مسؤولون ألمان عن قلقهم من تصاعد حدة التوتر بين تركيا وروسيا إلى مواجهة مسلحة تضع حلف الأطلسي أمام امتحان عسير في وقت تبدو موسكو عازمة على زرع الانقسام داخل الحلف.
ويرى مراقبون دوليون أن أزمة سوريا 2016م هي نسخة مكررة من أزمة كوبا 1962، وأن خطر اندلاع مواجهة دولية يزداد يومًا بعد آخر، بتحول النزاع المستمر منذ خمسة أعوام إلى صدام أوسع بين روسيا والغرب. ويتابع مسؤولون في حكومة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل اقتراب حلف الأطلسي من الدخول في نزاع مع روسيا، فسوريا أصبحت اختبارًا للتحالف العسكري الغربي بأكمله.
وينظر المسؤولون في مقر حلف الأطلسي في بروكسل إلى الوضع بين أنقرة وموسكو على انه وضع متفجر. ونقلت مجلة شبيغل عن أحد هؤلاء المسؤولين قوله: “إن القوات المسلحة للدولتين تنخرط بنشاط في قتال عنيف على الحدود التركية – السورية، وفي بعض الحالات على بعد كيلومترات قليلة من بعضها البعض”.
وكان النزاع تصاعد في اواخر نوفمبر، حين أسقطت تركيا طائرة حربية روسية، والآن اقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حلفًا مع اكراد سوريا الذين يناصبهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عداءً مريرًا.
وفي حين أن حلف الأطلسي ليس موحدًا في مواقفه على الدوام، فإن دوله الأعضاء كلها هذه المرة لا تريد مزيدًا من التصعيد. واشد ما يخشاه الغرب هو أن القتال بين الأكراد وتركيا يمكن أن يليه وضع قوات روسية على الأرض.
يأمل المسؤولون الألمان ألا يُطلب من حلف الأطلسي التدخل المباشر طالما أن القتال يدور داخل الأراضي السورية، وليس في أراضي دولة أطلسية هي تركيا.
لكن ميركل تبدو قلقة من أن يعمل بوتين على استفزاز تركيا كطريقة لاختبار حلف الأطلسي. ولهذا السبب، تعمل المستشارة الألمانية كل ما بوسعها لإقناع أنقرة بعدم تنفيذ تهديدها بإرسال قوات داخل سوريا. ونقلت شبيغل عن مسؤول في مكتب المستشارة قوله: “هذا سيكون بمنزلة خدمة تُقدم إلى روسيا”.
ويرى المسؤولون الألمان أن هدف بوتين هو دق إسفين بين أعضاء حلف الأطلسي وزعزعة استقرار الحلف، وإن الحلف الذي يناقش علنًا إذا كان سيهب لدعم احد أعضائه سيفقد مصداقيته بسرعة وسيكون هذا نصرًا كبيرًا يسجله بوتين.
وفي محاولة لمنع مزيد من التصعيد جعل حلف الأطلسي من الواضح للحكومة التركية انها لا يمكن أن تعول على دعمه إذا تصاعد نزاعها مع روسيا نتيجة هجوم تركي. وقال وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسيلبورن: “إن حلف الأطلسي لا يمكن أن يسمح لنفسه بالانجرار إلى تصعيد عسكري مع روسيا نتيجة التوترات الأخيرة بين روسيا وتركيا”.
لكن الاختبار الحقيقي أمام حلف الأطلسي سيأتي إذا احتدمت المواجهة بين تركيا وروسيا إلى حد إقدام روسيا على مهاجمة مواقع داخل الأراضي التركية. وقال مسؤول أطلسي: “إذا رد الروس بضربة ضد تركيا فاننا سنواجه مشكلة”.
وفي مثل هذه الحالة، يمكن أن تستحضر تركيا المادة 5 من ميثاق الحلف، والتي تنص على الدفاع عن أي عضو يتعرض للاعتداء. وإذا فشل الحلف في التوصل إلى إجماع سيتمكن بوتين من شق الغرب مرة أخرى، بحسب المسؤولين.
وفي كل الأحوال، فإن الدول الثماني والعشرين الأعضاء في حلف الأطلسي ليست متفقة على موقف واحد حين يتعلق الأمر بروسيا. ومسألة التعامل مع اعتداء يرتكبه بوتين موضع نقاش واسع، ولم يفعل تدخل موسكو في سوريا إلا تشديد حدة هذا النقاش.
وعدا انقسام الأطلسي إلى معسكرين بشأن روسيا، فإن باريس تغازل موسكو علنًا، كما يتضح من إشادة رئيس الوزراء مانويل فالس بالتعاون مع روسيا في مؤتمر ميونيخ للأمن.
ألمانيا من جهتها تقود المعسكر الذي ينتقد روسيا باعتدال، ويضم هذا المعسكر أغلبية دول أوروبا الغربية الأخرى إلى جانب عدد من دول أوروبا الشرقية مثل بلغاريا والمجر.
ويعتقد مسؤولون في حكومة ميركل أن بوتين يحاول متعمدًا إطلاق موجة جديدة من اللاجئين لتعميق الانقسام بين الدول الأوروبية. وكانت المستشارة وعدت الألمان بحل أزمة اللاجئين بالتعاون مع تركيا التي يُراد منها أن تمنع تدفق اللاجئين على اليونان من خلال بحر إيجه.
لكن ميركل تجد نفسها في موقف صعب، يتمثل في عدم تمكنها من مساعدة أنقرة في نزاعها مع موسكو، في وقت تحتاج إلى مساعدة تركيا لحل أزمة اللاجئين. وهذا يزيد الوضع تعقيدًا.
وتعرف موسكو مطبات اللعبة التي تلعبها ميركل. فإن سياسة المستشارة بشأن أزمة اللاجئين جعلتها رهينة الإرادة الطيبة للرئيس التركي اردوغان الذي لم يكن تقليديًا شديد الاهتمام بحقوق الإنسان، على حد تعبير شبيغل.
هذا لا يعني أن بوتين حريص على هذه الحقوق ولكن الكرملين سعيد باستغلال الوضع لتحقيق نصر دعائي صغير. ووصفت صحيفة كومسومولسكايا برافدا الروسية الموالية للحكومة علاقة ميركل بأردوغان بأنها “كالحَمل يداعب ابن آوى”، سائلةً ميركل: “هل تشاركين أردوغان قيمه؟ هل أنت راضية عن رزوح جميع الصحافيين في السجن؟”.