> الخطاب السردي وقضايا المرأة
علي أحمد عبده
المجموعة القصصية شوارب للقاصة نجمة الأضرعي مجموعة جاءت بتميز من حيث الخطاب فتناولت عالم المرأة وقضاياها المختلفة وعلاقتها بالمجتمع وبالذات وبالخيبات والآمال والمطامح محاولة خلق عالم خاص بالمرأة وبمطامحها وبصراعاتها والمجموعة تميزت بالقدرات القصصية الفنية العميقة وباللغة مما ينم عن قاصة متمكنة لها قدرات القص في مضمون الرسالة والخطاب القصصي .
ففي الغالب والأعم يشكل الخطاب السردي النسوي خطاباً غير مختلف أو متباين في سياق الدلالات والمضمون سواءً في الصراع مع الرجل ومحاولة المرأة إبراز شخصيتها وتأثيرها وفاعليتها وتغيير نظرة الرجل إليها وإذا تأمل القارئ النتاج السرد القصصي فسيجد تلك لدلالات التي يرغب النص إرسالها للقارئ والمجتمع كاملة للتغيير إذا ما أمعن المتلقي الفكر في نص ” فحولة ” ” أخيراً وطئت قدماها أرض مملكتي … أصبحت لي وحدي ملك يميني … جميلة بما يكفي لسلب روحي ” من خلال ما سبق يمكن دلالات الخطاب ” أخيراً وطئت قدماها ” ليدل على الفوز والفرحة ” أرض مملكتي ” أنه هو الملك ويوضح السرد ذلك ” أصبحت ملك يميني ” بذلك الخطاب السردي يعكس نظرة الرجل للمرأة بأنها لا تعدو أمة مسترقة عبيدة عن الكرامة والمكانة ويعكس النص غايات المرأة بالتجرر وتغيير وغروره ” أرض مملكتي “” أصبحت لي ” ” ملك يمينى ” وأختلط السرد بضمير الأنا ” وضمير الغائب ” ” هي ” يشير إلى حضور الرجل وغياب المرأة والسيطرة من الرجل والإستغلال للمرأة ” ألبستها ثوباً أبيض … وعدتها بربيع يذيب شتاء طفولتها أقتربت منها … فككت أسر ضفائرها , فكانت تفتك به مواجه وهو ينساب على جسدها غير مبالٍ بمداعبة أصابعي له ” صـ14 .
كما سبق يلحظ المتلقي من الخطاب السردي مقدار الاستغلال والإغراء ” ألبستها ثوباً أبيض ” يشير للزواج والاستغلال ” وعدتها بربيع ” وهو إغراء واستغلال بالوعد خاصة والشخصية في حداثة السن ” شتاء طفولتها فثمة استغلال للمرأة في السن وللجمال ويتضح ذلك من خلال السرد ” فككت أسر ” ” كانت أمواجه تفتك بي ” هذا الاستغلال للمرأة يرغب بتجاوز إلى إعادة القيمة الاعتبارية للمرأة بحيث عنصراً فاعلاً له تأثيره وتفاعله ويتملك قراراته لذلك أوضح نوعية الاستغلال حتى من الناحية الاجتماعية والمستويات ” وعدتها بربيع يذويب شتاء طفولتها ” فكان الفقر في الخطاب ركيزة من ركائز الاستغلال الذي يحول فريسة وصيد خالٍ من الانسانية لدى الرجل فهي لا تعدو أن تكون وعاءً وآلة لذلك فالخطاب يحاول أن يخلق للمرأة صورة بالقيم الاخلاقية ويتجاوز تلك النظرة إلى عالم متحرك غير رتيب مترع بالإنسانية والروحية والحياة .
” حملتها بين ذراعي … التصقت بصدري , أغمضت عينيها استساغت طعماً جديداً للأمان – تسلسل شعور بالدفء , اختل توازني فقد السيطرة عليّ , كررت الأمر مرات حاولت الافلات من قبضتي , صرخت لابد من ذبح القطة أول ليلة ”
الخطاب يسرد تحول الأمان إلى خوف واللذة إلى مرارة والفرح إلى مأتم والاشتعال إلى برود وتحول والتوهج على قتامة وذلك لأن المرأة بخطابها ترغب من خلال السرد المادة روح التوازن والتوافق ما بين الرجل والمرأة إلى علاقة بعيدة عن الاستغلال الذي يحول الجسد إلى مساحة للمتعة فقط بل يكون جسد المرأة منطلق للتوهج والتفاعل وبلوغ مستوى قيمي تقدر فيه الأنثى كانسان يمتلك المشاعر والقدرات وله التغيير والتحول . مما سيفضي إلى حالة من الرتابة والجمود ” حاولت احتضانها … الاعتذار لها , لكن فحولتي أشهرت رعونتها وحالت دون ذلك … حولتها إلى جسد متصلب أجوف ” صـ15
وإذا النص السردي له خطاب برسالة مضامين فإن المرأة من خلال ما سبق ترفض أن تكون جسداً أمام فحولة تفرغ رغباتها ويبقى الجسد لا يتلفت له مجرد وعاء وآلة فكان الرجل له صورة الحيوان الشبق الذي كرس كل قدراته في جانب المتعة وتناسى الجوانب الانسانية البيضاء تمتلكها المرأة لذلك يتحول الاشتعال إلى جمود والعاطفة إلى جسد والحب إلى تلبد وهذا ما يرسله محاولاً انتشال نظرة المجتمع والرجل للمرأة بهذه التفكير ” تحولت قطر الندى إلى مومياء تبدل كل ما فيها … منى آخذ من جسدها ما أريد ولم تكن لتعطيني أكثر مما أخذ ” فالخطاب السردي يبحث عن إنسانية المرأة وتقدير مشاعرها وترفض أنانية الرجل ونظرته الضيقة لها من جانب وحيد هو الجسد وكأن جسد المرأة ليس الزاوية التي يمكن للرجل أن يسيطره فهي روح خاصة ونظرة الفوقية والتعالي خطاب كثيف في النص تريد تغييره لتحدث حالة من التصالح بين قطبي الحياة الرحل والمرأة .
ولأن خطاب الأنثى السردي غالباً ما يتعرض لغرفة النوم بوصفها عشت الحياة وهي رمز للحياة والاستقرار أو الوحشة والانفراد والوحدة ويدرج الخطاب حاجيات المرأة التي تحتويها الغرفة من سرير ومرآة ومساحيق وألوان ومرآة بوصف مرآة فيها رمزية للحياة ولحقيقة الحياة بصورتها وتقلباتها وإذا سأل المتلقي نفسه لماذا النص السردي يكرر تلك الأشياء ؟! فإن النص يرغب بمحاربة إهمال الرجل لها وإظهار الجمال الذي تختص به وإذا ما تزين بلغ حد الفتنة والإغراء وهي بذلك وغيرتها من مثيلاتها وإظهار الشخصية المتميزة للمرأة والرجل يلتفت لمن هي أدنى وأقل جمالاً منها .
فهي تمتلك الجمال الظاهر والوفاء العميق الباطن لذلك تكون المرآة رمز لحقيقة الحياة بوصفها تعكس تعاقب العمل وتحولات الوجه وهي رمز الاغتراب ورمز للأنس في حالة ثنائية الصورة الواحدة ” أيتها المرأة اللعينة هل أنا جميلة ؟ أجيبي أبعدي غيبوبة الخيلاء عني لوكنت كما أراني لما …. ” صـ21
مما سبق يلحظ المتلقي أن المرآة كانت رمز الرتابة والاغتراب والوحشة وهي رمز الأنس أيضاً ومن خلال الخطاب السردي يلاحظ المتلقي حجم الصراع النفسي الذي تعانيه المرأة في البحث عن الرجل الحلم المهمل المتجاهل لعواطفها والاهتمام العميق لتلك الشخصية وهذه قضية من قضايا المرأة التي تدور الخطاب النسوي حوله سواءً كان سردياً أو شعرياً وكأن الإهمال والتجاهل بلغ مداه لذلك فأدوات الزينة من مساحيق وألوان لها رمزيتها المغربة للرجل واستخدامها يدل على حيوية الحياة وتوهجها وعصرية المرأة ” عاودت النظر إلى مرآتها … حدقت بها جيداً , تمايلت يميناً ويساراً , مررت أناملها على جسدها , استقر بها المقام على خصرها كل شيء يتغزل بها إلا هو … ابتلعت صمت غربتها أعادت الأشياء منكسرة إلى مكانها , المساحيق , الأدوات , الألوان ” صـ21 .
مما سبق يلحظ المتلقي أن النص في حالة من الأوجاع والآلام بسبب الإهمال والتجاهل لشخصية التي تمتلك مؤهلات الجمال ويتضح ذلك من خلال ” كل شيء يتغزل بها إلا هو ” فالغائب الحلم لذلك يبحث عن علاقة مستقرة مع الرجل تعطي حقوقها الاعتبارية العاطفية والاجتماعية حتى يتحقق للذات الاستقرار الروحي وللحياة الاستقرار الخصب بالعطاء بتكامل الطرفين لذلك كانت رتابة للجمال وإهمال للذات المتوهجة التي لن تتوهج إلا بالطرف الآخر الحلم ” كل شيء يتغزل بها إلا هو ” فثمة جفاف وظمأ وجذب فالمرأة تبحث عن التوهج والحيوية والفاعلية فكان السرد يشير إلى جمود الجمال والاغتراب وانعدام التقدير ” أعادت الأشياء منكسرة إلى مكانها المساحيق , الأدوات , الألوان ” وهي إشارة إلى الظمأ مستمراً مع بقاء الذات متجمدة باردة لذلك جاء في الخطاب السردي في ثنايا السرد ما يدل على تصوير الرجل بالمتفلت الذي لا يرغب بالاستقرار ويبحث عن ذاته وأنانيته كنوع من السرد على الإهمال والتجاهل ” هو مشغول باصطياد غزالة صعب يقتنيها ليتركها حتى لو تجولت الغزالة إلى أفعى سامة أو حتى ذبابة تطبع صفعاتها على وجهه وهو يبتسم ”
وهذا السرد يحاول أن يخلق حالة من التوازن وخلق علاقة من الائتلاف التي تتناغم لتخلق حياة مستقرة صافية فتصوير الرجل بهذه الصورة القبيحة كرد على الإهمال وتصوير ذات الأنثى بالمثال الذي يمتلك مؤهلات الأخلاق والقيم وتصوير تلك العواطف نحوه بالمنقذ والمخلص من ذلك الانفلات الذي يبتسم للذباب وهو رمز القاذورات ودلالة على النقمة في شخصية الرجل الذي يتجاهل روح تتغزل بها روح الجمال وتفتتن بها الجماليات.
لذلك يعتبر التجاهل وعدم تقدير المرأة يحولها إلى مشاعر منكسرة وحقيقة شاعرة ميتة دفنتها حياة التجاهل وعدم التقدير .
” لمحت انعكاسها على المرآة … اعتراها شعور ما بصقت في وجهها … حولتها بقايا زجاج منكسر ” صـ23
مما سبق يمكن القول أن الخطاب يوضح حالة من التبرم من الحياة وحقيقة الحياة العمر فالمرآة رمز الحقيقة , وتعكس حقيقة العمر وحقيقة واقعية الجسد والقلب لذلك جاء ” اعتراها ” ليشير إلى السيطرة الخارجة على الذات مما أفضى إلى ذورة التبرم والتضجر والتضايق من الحياة ” بصقت في وجهها ” حولتها بقايا زجاج منكسر ” ” وهذا تحول العاطفة النقية إلى قطع زجاج يجرح وهذا التحول يرغب الخطاب باستقرار روح العاطفة وتبحث عن حالة من التصالح مع الذات وحالة من التصالح مع الرجل ولأن الخطاب يرسم حالة من الصراع بين الرجل والمرأة فإنه رسم صورة للرجل الذي يرى حق المرأة متعة ولذة رسم حالة من السقوط اللاأخلاقي ” شوارب وشيلان تساقطت تحت أقدام نساء تعرت أجسادهن ولم يطفقن عما يواري سوآتهن ” وهذه الصورة ترسم حالة من تحول الرجل المهاب إلى ساقط وصغير خاصة وإن ” الشوارب ” رمز الرجولة والهيبة والمهابة فتحولت إلى صغار وسقوط وإذلال وكذلك المرأة تحولت من روح إلى جسد ومن هي أدوار حياتية إلى جسد تسلي به وتحولت إلى متاجرة كما يفضي إلى عدم وصولها أهدافها في الرؤى والحرية والتأثير والفاعلية وهذا خطاب محايد في النص السردي أن المرأة ليست مثالاً والرجل ليس مثالاً وهذه رؤية يرغب الخطاب بتجاوزها إلى الرجل المثال والمرأة المثال تخلق حالة من الطهارة والعفة .
ولأن المرأة ترسم ذاتها بصورة الوفاء والاخلاص لتعكس حالة من الصراع بين طرفين متناقضين الأول مستهبل وهو الرجل والمرأة طرف وفي فخلص لكنها قوية تستطيع أن تثأر لنفسها ولكرامتها وهذا خطاب يرسم حالة من الصراع مع المجتمع المتخلف وهي تدور في دائرة الاستغلال ” هاهو يقطف أربعة عشر ربيعاً من عمره بملامحه القمحية وعوده الهزيل وعينيه اللتين أنبأتا عن مشروع رجل تزين بالبندقية , التي كثيراً ما شاهده والده ينظف أجزاءها سابقته خطواته إلى حيث كانت بانتظاره ”
مما سبق يلحظ القارئ أن النص يحلم بالرجل من لفظ ” مشروع رجل ” ولكن هذا الرجل ” يقطف أربعة عشر ربيعاً من عمره ” فهو في حداثة سنة ولكنه مختلف ” تزين بالبندقية ” اتباعاً لما وجد عليه أباه وهذا نص يرسم المجتمع المحافظ المتخلف الذي يرسم المرأة بالضعف والهوان ” لم تخلق المرأة لحمل السلاح ” وخطاب السرد يرغب بتجاوز الضعف إلى القوة ” ثم توقيع صك حبها بخط متعرج , استغلت انشغال علي حملت البندقية … وقبل أن يلتفت إليها تسللت سبابتها متجهة نحو زناد لم يكذب الخبر ” صـ84
وهذا السرد يعطي دلالات منها تجاوز نظرة المجتمع الضعف والقصور إلى نظرة القوة والتأثير ويحاول رفض السرد لحالة الاستغلال والكذب وتدمير حياة المرأة وإن المحرم للرجل خطٌ مفتوح وللمرأة خط أحمر لا يمكن تجاوزه ويمكن أن تدمر حياة الرجل من خلال تجاوز ذلك الخط لكنها تستطيع أن تدمر حياة الرجل أيضاً ولهذا قدرات تساوي قدرات في الدفاع عن كرامتها وتخلق من الهزيمة انتصاراً ومن العار وساماً وهذا نص رمزي يسرد معاناة المشاعر التي قد تستلب في ظل مجتمع متخلف .
Prev Post