اليمن ما بين مصر الساسة ومصر الشعب
أ/ أمة الملك الخاشب
عندما تكون العلاقة بين شعبين عربيين مسلمين وثيقة ووطيدة وتاريخية وتربطهما أواصر الدين والعروبة والنسب حتى دماء أبناء الشعبين قد اختلطت، هذه هي العلاقة بين الشعب اليمني والشعب المصري عبر التاريخ فمؤلم جدا أن يخونك ويطعنك من ظهرك من كنت تظنه سندا لك في أي موقف قد تتعرض له، وقد يكون الوجع والألم أشد تأثيرا ومرارة من اعتداء من كنت تتوقع غدره ومن كنت تدرك أنه يكيد لك المؤامرات ولا يحب لك الخير أبدا.
فمكانة مصر في الصدارة وفي المقدمة، وهي قلب العرب التي تكسرت على أسوارها كل الغزوات الخارجية للأراضي الإسلامية، فالتتار تكسروا على أسوارها في عين جالوت، والحملات الصليبية أيضا اندحرت على شواطئ نيلها، وتحرير الأقصى بدأ من مصر العروبة في عهد صلاح الدين؛ فكيف لها اليوم أن تكون هي البداية لتفكك الأمة واحتلالها والسقوط في براثين إرهاب داعش والقاعدة وأن تكون سيفا بيد مصنع الدواعش ما يطلق عليها المملكة السعودية !!!!! فمصر تاريخا وشعبا وجيشا لا تستحق أن تصبح في موضع التابع للخليج، مصر عليها أن تبقى دوما في الأمام كما عرفت عبر التاريخ وعليها أن تكون درع الحماية العربية ضد مخططات الاستعمار والتقسيم وضد مصانع الوهابية والتكفير.
موقف مصر غامض وسلبي
مشاركة مصر في ما يسمى التحالف العربي خطأ فادح يدركه الكثيرون ممن أيدوا الرئيس السيسي في العديد من السياسات السابقة فجاءتهم المشاركة في الضربة العسكرية لتنعكس الأوضاع وتدل على أن هناك تخبطا شديدا في إدارة الحكم وتباعد المسافات بين أجهزة الدولة المختلفة تجعل المتابع يدرك أن هناك ضغوطا مفروضة على مصر تمنعها من التحرك بالشكل المرجو منها؛ فمصر دولة معتدلة منذ فجر التاريخ ودولة كبيرة لا يمكن أن يتحكم بمقاديرها أي بلد مهما كان، فهل تدرك مصر أنها أصبحت في خندق واحد مع الأمريكان ومع الكيان الإسرائيلي لا سيما بعد إدلاء وزير الخارجية الأمريكي في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية السعودي أن أمريكا تقف إلى جانب المملكة في حربها على اليمنيين، ولم يكن ذلك أول تصريح تصرح به أمريكا فقد سبقت ذلك التصريح عدة تصريحات تؤكد أمريكا خلالها أنها تدعم التحالف بالدعم اللوجستي والدبلوماسي وبيعها للأسلحة المحرمة دوليا لنظام آل سعود ليقتل بها اليمنيين.
وكذلك مواقف إسرائيل لم تعد مخفية ومبهمة فقد صرحت بالمفتوح عدة مرات أنها قلقة من الحوثيين وأن خطر سيطرتهم على باب المندب أشد خطرا من المفاعل النووي الإيراني وأن عدوها الأول والخطير هو حزب الله اللبناني وأن وأن الخ، فالعدو ظاهر وواضح والحقائق جلية للعيان لا ينكرها إلا مغالط لنفسه لا يريد أن يميز العدو من الصديق .
موقف الشعب المصري هو موقف حكومته؟
هناك العديد من الكتاب والناشطين المصريين الذين لهم وزنهم في المجتمع عارضوا التحالف على اليمن وعارضوا إقحام مصر بجيشها في هذا التحالف الذي لم يجدوا مبررا له، المحلل السياسي المصري الشهير محمد حسنين هيكل عارض هذا التحالف وبشدة ونصح السيسي بألا يورط مصر في العدوان على شعب اليمن، وأكد في مقابلة على تلفزيون سي بي سي أن هذه الحرب خطأ تاريخي، وحذر هيكل مؤكدا أن السعودية ستغرق بالرمال اليمنية وهي الخاسر الأكبر لأنها جارة اليمن والقبائل تعرف بعضها جيدا كما حذر من التوغل البري في اليمن فله عواقب وخيمة على السعودية اجتماعيا واقتصاديا حتى عسكريا، ونصح عبد الفتاح السيسي بعدم الدخول في هذه الحرب بين الدول الشقيقة لما له من آثار سلبية على مستقبل مصر وماضيها العريق.
وزير الخارجية المصري سامح شكري أعرب في لقاء له مع قناة سكاي نيوز عن قلق مصر من الأوضاع الإنسانية السيئة التي وصلت إليها الحال في اليمن، وأكد على عدم مشاركة بلده بأي تدخل بري في اليمن حاليا أو مستقبلا كما أكد -بحسب تعبيره- على ضرورة إشراك الحوثيين في أي حل سياسي يحافظ على استقرار اليمن ووحدته، وبدوره رئيس مؤسسة الأهرام أحمد النجار في مقابلة خاصة بثتها قناة النهار الأخبارية الجزائرية رد على سؤال عن طبيعة مشاركة مصر في العدوان على اليمن الجريح أجاب أن المشاركة مقصورة في تأمين باب المندب باعتباره مدخلا لقناة السويس مضيفا أن مصر لا تشارك في عدوان على شعب عربي لكن تأمينه لباب المندب مصلحة عامة عربية ودولية ومصرية، وهذا يا أشقاءنا في مصر غير مبرر نهائيا لأن أنصار الله قد صرحوا في عدة مرات أنه لن يتغير شيء في باب المندب وأن مصالح كل الدول محفوظة، وحدد الناطق الرسمي لأنصار الله في أحد تصريحاته أن على إخواننا في مصر أن يطمئنوا على مصالحهم في باب المندب وأكد على أنهم أشقاء لنا وأن مصالحهم لن تمس.
وفي السياق نفسه تمنى الكاتب والمفكر المصري المعروف فهمي هويدي لو أن العالم العربي يتحد لقتال عدوه الحقيقي وهو العدو الإسرائيلي، ووصف في إحدى مقالاته حالة الفرح العارم للعدو الصهيوني بعد اتحاد الدول العربية على بلد شقيق فحالة السرور والنشوة بالانتصار الكبير الذي تحقق لا توصف وبلا أدنى شك فالرابح الأول من هذا العدوان هو الكيان الإسرائيلي.
ووصف هويدي معاناة الشعب اليمني وما يجري له بالعدوان الظالم وتأسف على الدمار والخراب والدماء واستعمال السلاح لقتال العرب بعضهم بعضا وتحكيم السياسة مع العدو الأصلي، وتأسف وانزعج من قصف القوات البحرية المصرية لمواقع الحوثيين في عدن في الأيام الماضية، وقال إنه توقع أن يقتصر دور مصر على تأمين باب المندب دون أن تشارك في القتال في اليمن.
مما سبق وبعد عرض بعض آراء عدد من الكتاب والمفكرين والإعلاميين في مصر نستشف من خلال تلك التصريحات أن الشعب المصري رافض لفكرة المشاركة في العدوان على الشعب اليمني وأن العلاقة القوية التيوعليه فإن الشعب اليمني لن يحرف بوصلة العداء لأي شعب عربي مهما كانت مواقف الشعوب سلبية وصامتة رغم أن صمتهم عن نصرة المظلوم ونصرة الحق يعتبر نصرة للباطل ورغم أن صمتهم عن قول كلمة حق أو حتى التعبير بأي طريقة كانت عن رفضهم قتل إخوانهم الأبرياء في اليمن لكن شعبنا اليمني الجريح والمطعون من ظهره غدر به من كان يظنهم إخوانه ولن يحمل الحقد على الشعوب ويحرف بوصلة عدائه الموجهة لأمريكا الشيطان الأكبر ومن خلفها إسرائيل وبريطانيا، وسيظل يطلق على العدوان والتحالف على اليمن بالعدوان الأمريكي السعودي فهذا العدوان لن ينساه أبناء اليمن ولن ينساه التاريخ فقد خلف جراحا وآلاما ستتناقلها الأجيال لمئات السنوات القادمة.
ويلاحظ حين تقدم الجيش المصري صوب معسكرات الإرهاب الطائفي في ليبيا صفق له الجميع ووقف مؤيدا لخطوته، ومع كل عملية عسكرية ضد معاقل الإرهاب والتكفير في سيناء كان يحوز على شارات الإعجاب لكن في حربه على اليمن هللت له قطر وتركيا وباركت جماعة الإخوان تلك الضربات وصرحت حتى داعش والقاعدة بمشاركتها في العدوان فعلى الرئيس المصري تصويب الخطأ والخروج من المعسكر السعودي الوهابي الصهيو أمريكي وإن لم يفعل فسيضع نظامه في خط العداء مع الجماهير حتى إن لم يظهر هذا الأمر جليا الآن لكن الأيام كفيلة بإظهاره حينما تكشف مشيخات الخليج والسعودية عن الوجه القبيح التي ينخدع بها البعض.
وقبل الختام؛
أود أن أذكر أن الحكومة المصرية في يوم 8/7/2015 سمحت لناشطين يمنيين بإقامة ندوة ومعرض عن العدوان السعودي على اليمن واستمر المعرض لمدة يومين بعنوان (أوقفوا العدوان على اليمن)، وأقيمت في ساقية عبد المنعم الصاوي (مركز ثقافي مصري (بحي الزمالك في القاهرة، وكان المعرض يهدف إلى فضح جرائم العدوان السعودي على اليمن وكسر الحصار الإعلامي المضروب، وكان لهذا المعرض وفي ذلك المكان الحساس تأثير كبير ودلائل ومؤشرات كثيرة جدا، وقد واجهت الحكومة المصرية هجمة إعلامية شرسة من إعلاميين سعوديين وبعض القنوات.
وقد فسر بعض المحللين هذا الموقف أنه تعاطف مع الشعب اليمني ورسالة مفادها أن الحكومة المصرية مضغوط عليها، وذهب آخرون أنه مجرد ابتزاز للحكومة السعودية للحصول على المزيد من الأموال لكن مهما حصل سيظل الشعب المصري والشعب اليمني وكل الشعوب العربية تربطهم علاقات الدين والنسب وسيظل الشعب اليمني يحمل الحب والسلام لكل الشعوب العربية بما فيها الشعب النجدي الحجازي وسيستمر في نضاله المشروع للدفاع عن أرضه من الغزاة المحتلين ولن يمل مهما قدم من تضحيات لأنه يدرك أنه سينال حريته واستقلاله وتعم خيراته للأجيال القادمة ويدرك أن تحرر اليمن يعني تحرر كل البلاد العربية من الهيمنة والتبعية لدول الاستكبار.