ن ……والقلم(( ……………..))
عبدالرحمن بجاش
حتى العنوان ضاع مني بعد أن مدت يدها إليَّ : (( نحن نازحون من مدينة ..خرجنا من بيوتنا لنشحت )) , دارت بي الأرض , وتوقفت عن الكلام مع صاحبي , بل أشحت بوجهي حتى لا يرى دموعي , وتركته وذهبت , وفي الشارع كنت أمشي …أو لا أمشي …لا أدري ما كنت أفعل , أسير على قدمي …على رأسي …صدقوني ما عدت أدري !!! , طوال الطريق بين الشارع والبيت تخيلتها أمي , زوجتي , أختي , زوجة جاري , ابنته , كنت أردد يا رب سترك …. , في المساء كنت أتحدث مع صديقتي الشاعرة في البلد الذي نحب (( سوريا )) : طمنيني عليك , أرسلت تقول : في قلبي ألم , قلت : أنتِ اكبر من الألم …خير …حصل شيء , قالت : الحمد لله ,. مهما حصل يبقى الأمل بالله , لا تهتم , قلت : بل سأهتم ..أو أزعل إذا لم أعرف ..لا يمكنني أن أتركك نهبا للتعب إلا إذا كان سرا شخصيا , فمن حقك أن تصمتي , واحترم صمتك , وبحمية سورية وكرامة نفس من حق سوريا التي نعرفها : لا ليس سرا أبدا , حولي الكثيرون همشت حياتهم , وأعجز عن مساعدتهم , الكراهية والانقسام في المجتمع حولي صعب التخلص منهما , قلت : نفس الحال هنا …ولذلك أعاني ونعاني من شرخ اجتماعي سيكون قبيحا ….افعلي ما تستطيعين , عادت تقول : الألم والحزن كبيران , لأننا وصلنا إلى درجة شعب واحد يُقاتل بعضه , الموت حولنا قادم من كل مكان , من البر والبحر والجو , حالنا لا شبيه له , قلت : اسمعي مني الموجز من نشرتي : قبل صلاة الصبح صحوت فزعا على قصف طائرات ..صبحا كانت الأخبار عن الموت في كل اتجاه , على المستوى الشخصي أيضا خسرت ثلاثة أصدقاء من أعز الأصدقاء, عبد الباسط عبد الرب عقلان , ومحسن معيض , وعبد الرحمن شائف , ونتابع أخباركم فنموت ببطء , وأخيرا وليس آخراً الكهرباء من أشهر غياب تام , عادت تسأل وقد اعتلت نفسها علي : هل نستطيع أن نزرع وردة حب وسط المآسي , قلت : لا بد …صدقيني لا بد …لو استطعت توفير لقمة لسائل عند الباب أشعر أنني إنسان , عادت تقول من جديد : تقديم المساعدة لإنسان مصدر لسعادتي لا مثيل له , ننتظر الغيث من السماء , لأننا شعب ليس لنا إلا رب العباد يرشدنا إلى الصواب بعد أن تهنا في صحراء لا نهاية لها , كانت بالتأكيد تعبر عن حال بلدينا , قلت : أحرص صباح كل يوم على الخروج راجلا ..أجلس إلى الجزار , والبقال , وعلي أبو البهارات , والإسكافي , أعود لأكتب عمودي وأنا ممتلئ فيما جميله من الناس المطحونين ..لا بد سيفرجها رب العباد ..ثقي بذلك .., استعادت نفسها قالت بهدوء : الوجع حمله ثقيل , كل يوم أبحث عن طريقة لبث الأمل بين الناس المطحونين كما أسميتهم .., قلت : يأتي الفرج من رحم الليل البهيم , والغيث من رحم الرعد القاصف , والأمل من رحم الألم , قالت : العيون تتلهف كلما لاح بريق أو جاء صوت من خلف الضباب , هو الأمل يشرق كل صباح , عيون معلقة بالسماء …قلت : لله الأمر من قبل ومن بعد .