خيانة الثقافة وثقافة الخيانة
د. عرفات الرميمة
ليس العدوان السعودي الامريكي على اليمن شرُ كله ، بل فيه من المظاهر الإيجابية الشيء الكثير ، تصديقاً لقوله تعالى : ( كُتب عليكم القتال وهو كَره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )، ويكفي أنه أظهر معدن هذا الشعب الأصيل الشجاع الصابر ،الذي يعيش تحت كل الظروف – لكنه لا يقبل العيش بدون كرامة – يكفي أن هذا العدوان قد كشف جوقة الخونة والعملاء والمرتزقة في كل مرافق الدولة وكشف عوراتهم كما قال تعالى 🙁 ليمِز? الله الخبيث من الطيب ) والاهم مما سبق : أنه أظهر الوجه الحقيقي لبعض الأدباء والكتاب والصحفيين والمثقفين الذين إنحازوا للريال السعودي وباعوا الثقافة في سوق عكاظ وتعاملوا مع الوطن باعتباره ملكاً لأشخاص وأفرادٍ فقط، وهذا بحد ذاته يفضح أن بضاعتهم في الثقافة مزجاة وأدبهم مزيف وإنسانيتهم مفقودة ووطنيتهم زائفة وخيانتهم لأنفسهم ولوطنهم أوضح من الشمس في رابعة النهار. والحقيقة المرة أن جرائم العدوان السعودي الامريكي برغم بشاعتها ، إلا أن موقف بعض الأدباء والكتاب والمثقفين أشد بشاعة وفتكاً من جميع الأسلحة المحرمة التي استخدمها ذلك العدوان الهمجي البربري ضد شعبنا ووطننا ، لأنهم قصفوا العقول وحاولوا تزييف الوعي وتغييبه وتغيير الحقائق وإلباس الحق لبوس الباطل وتزيين الباطل ليبدو كأنه الحق . هذا هو موقف المؤيدين للعدوان والمطبلين له من أدعياء الثقافة وقليلي الأدب – حتى وإن أدعوا الأدب – أما الصامتون والمحايدون ، فهم لا يقلون خطراً وإثما عن المؤيدين للعدوان ، فالصحيح أنهم لم يدعموا العدوان لكنهم لم ينصروا وطنهم ولم يقفوا معه ضد أعدائه وكما قال الزعيم مارتن لوثر كنج 🙁 أسوأ مكانِ في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة ) . فإذا لم يقف الأدباء والكتاب والمثقفون مع الوطن في وقت العدوان والشدة ، فمتى سيقفون معه إذاً ؟ وهل يعرف أولئك النفر : أن الصمت في تلك المواقف عار ؟ وأن الخوف من مجابة العدو والغازي والمحتل خزي وذلُ وعار أيضا ؟ لقد بدأ صلاح عبدالصبور يا أصدقائي تقديمه لديوانه الشعري بالقول : إن الفنانين والفئران هم أكثر الكائنات استشعاراً للخطر ، فبينما تقوم الفئران بإلقاء نفسها في البحر عندما تدرك أن السفينة سوف تغرق يظل الفنان يقرع الأجراس ويحاول أن ينقذ السفينة من الغرق . وهذا هو الدور الذي ينبغي أن يقوم به المثقف الحقيقي حال وقوع العدوان و الحروب و الكوارث على وطنه وأبناء جلدته ، أن يظل يقرع الأجراس ويحذر الناس من الخطر الداهم ويعمل على دفعه بكل الوسائل المتاحة . فليس مهماً أن يمتلك المثقف المعلومات والمعارف بل الأهم أن يعمل بما يعلم ويعرف ، يعيش كما يُفكر ويفكر كما يعيش . فالمثقف لا يقاس بكم المعلومات المتوفرة في ذهنه أو الشهائد الحاصل عليها والكتب التي ألفها والأوسمة التي حصل عليها ، وإنما يُقاس بمدى مساهمته الجادة في بناء أفكار المجتمع وتنويره والأخذ بيده في أصعب المواقف وفي أحلك الظروف . و أنت تعلم – يا صديقي المثقف – أن السعودية هي العدو التاريخي لليمن وأن عدوانها يستهدف اليمن أرضا وإنسانا ًوحيواناً ونباتاً – يستهدف كل مظاهر الحياة – لكنك في أحسن الأحوال صامت كأنك من كوكب المريخ ولست من اليمن ، وفي أسوأ الأحوال – وهذا ما هو حاصل – تساند وتدعم هذا العدوان كتابة وموقفاً – ليس حباً فيه – ولكن نكاية بالحوثي وقوات صالح كما تدعي . وتلك هي ثقافة الخيانة التي ترضي العدوان على أرضها وعرضها وتحاول أن تبحث له عن الأسباب والمبررات ، ألم يقل الرفيق لينين – رضي الإخوان عنه هذه الأيام – : ( إن المثقفين هم أقدر الناس على ارتكاب الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها ) . وفي نفس الوقت هي خيانة للثقافة التي يحملها كل مثقف حقيقي لإنه تنصل من مسؤولياته وقصّر في أداء واجبه الإنساني والديني والأخلاقي والوطني تجاه وطنه وشعبه وأبناء جلدته ، وخان المبادئ والقيم التي تعمل الثقافة جاهدة على نشرها وتعميمها بين الناس . فكل ثقافة حقة هي في أساسها نقد أخلاقي يكمن في بيان التناقض بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.ً ونقد أيديولوجي وتاريخي يقوم على نقد الواقع وتعريته ومحاولة إصلاحه والتطلع إلى مستقبل أفضل ، فكيف يكون الحال إذا تعرض الواقع إلى عدوان وغزو واحتلال ؟ لقد كان المناضل المثقف تشي جيفارا يحمل على ظهر جواده مكتبته المتنقلة من جبهة لأخرى دفاعاً عن كرامة المظلومين ضد الغزاة والمحتلين ، ولقد قال كلمته الشهيرة : (الوطن أو الموت ) في خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1964م . وكان مثالاً ورمزاً للمثقف والمناظل الحقيقي الذي يقول ما يفعل ويفعل ما يقول .
إن أخطر ما يهدد الضمير هو أن تروضه وسائل الإعلام على اعتياد الجريمة ، وأخطر ما يهدد الأخلاق هو أن يروضها الواقع على تقبل العيب . وأخطر ما يهدد القيم الوطنية هو أن تروضها أحزاب المشترك على العمالة والخيانة . وأشد خطراً على الثقافة هو أن يروضها المثقفون على التعايش مع العدوان باعتباره ضرورة وأقبح ما يهدد الثقافة أن تتحول إلى ورقة لتبرير العدوان وتصيداً لأخطاء الرجال، الرجال الذين يواجهون العدوان في معارك البطولة والشرف في مختلف الجبهات وأن تتحول إلى منصة للتباهي والغرور على المخالفين وليست قيماً لدعم الانتماء الوطني وسلوكا لترسيخ قيم الحوار والتعايش بين أبناء الوطن الواحد .أعترف يا صديقي أني كنت مخطئاً لأني كنت أظن فيما سبق ان السياسيين فقط كالحيوانات المنوية واحد فقط في المليون يصبح إنسانا ولكني وجدت ان المثقفين لا يختلفون عنهم إلا قليلاً ، ومع الأسف إن العدوان السعودي الأمريكي فضح أدباء وكتاب ومثقفي اليمن وأثبت أنهم طرحوا ذلك القليل .