الغارات الجوية السعودية المدعومة من الولايات المتحدة وأزمة الطاقة الناجمة عن الحصار ظلت تشل مقومات الحياة في اليمن
شريف عبد القدوس
يبدو هنا الطابق الثاني من عيادة غسيل الكلى أشبه بمخيم للاجئين من كونه مركزاً لعلاج الكلى.
لقد ظل بضع عشرات من المرضى يعيشون هنا لعدة أيام، ينامون على أحد الكراسي البلاستيكية أو الأرض المغطاة بالسخام. إنهم ينتظرون العلاج ولكن اجهزة العيادة لا تعمل. ومع كل يوم يمر تزداد السموم في دمائهم، ويزداد سقمهم. وليس بمقدورهم فعل شيء سوى الانتظار.
مثلهم مثل أهالي باقي مناطق اليمن، الكل يموت موتاً بطيئاً.
إن مركزاً غسيل الكلى يعتبر رمزاً لكل ما هو خطأ في البلد في الوقت الحالي. يتعرض اليمن لحرب تقودها السعودية بمشاركة عشر دول وعلى مدى تسعة أشهر ظلت المملكة العربية السعودية تقوم بكل من: قصف البلد وتدمير كل مقومات الحياة فية ، وفرض الحصار الخانق على المواد الأساسية والاحتياجات الانسانية والادوية ما ادى الى انهيار النظام الصحي في البلد الذي يعد افقر بلد في الشرق الاوسط ويعتمد اساسا على الاستيراد.
النتائج كارثية ومآساة انسانية متفاقمة الطعام نادر وقد بات اليمنيون في كل مكان يعانون من الجوع، ويقول مسؤولون إن البلد على حافة المجاعة. ولقد ظل الحصار يمنع أيضا شحنات الوقود، مما يعوق قدرة اليمنيين على التنقل — للعلاج في مركز غسيل الكلى، على سبيل المثال. وقد أدى ذلك أيضا إلى أزمة في الطاقة؛ فالكهرباء متقطعة في أحسن الأحوال. وفي الوقت نفسه، أدى العنف إلى نزوح الملايين. لكل هذه الأسباب، ظل الاقتصاد يمر بحالة انهيار.
ولقد أدت الضربات الجوية وحدها إلى تدمير اليمن، مستهدفةً مواقع مدنية مثل حفلات الزفاف ومستشفيات مما يثير القلق بانتظام. كما أن الحصار في الوقت نفسه لديه أثر وإن كان أكثر هدوءا وأبطأ إلا أنه في نهاية المطاف أكثر فتكا.
وفي الواقع، فإن اليمنيين يتعرضون للخنق حتى الموت. كل يوم يمر يفقدون المزيد والمزيد من الأساسيات: الغذاء والماء والمأوى والوقود والرعاية الصحية.
كل أنواع النقص هذه تجتمع في مركز غسيل الكلى الوحيد في الحديدة.
أم درويش عبد الله، وهي امرأة عجوز تعيش على بعد أكثر من 40 ميلا من المركز، ظلت تنتظر لمدة أسبوع وتنام على الأرض. وعادة ما تحتاج لغسيل الكلى كل أربعة أيام. والآن قد شدت صدرها مما صعب عليها تنفس الهواء. وقد تورمت ساقاها وقدماها. تقول إنها لم تعد قادرة على المشي. “بعد الحرب أصبح الحصول على مساعدة أمر أشق من ذي قبل”، حسب قولها.
في إحدى الغرف أسفل القاعة، هناك 29 آلة لغسيل الكلى تقف عاطلة بشكل يبعث بالتعجب. وهذا محمد عبده، أحد المشرفين الشباب في المستشفى، يحاول شرح الوضع إلى مجموعة من المرضى البائسين الذين تجمعوا حوله. يقول لهم هناك مشكلة بالجهاز الذي يعالج المياه المستخدمة في الآلات، ويجب ان يظل المستشفى ينتظر المهندسين من العاصمة لإصلاحه.
“لقد حدث هذا كثيرا، وسوف يحدث مراراً وتكراراً”، حسب ما قال عبده. إن الحرارة والرطوبة خانقان، وهناك عرق يقطر من جبينه. “إننا نواجه، مشكلة كبيرة جداً جدا.”
وبسبب نقص الوقود على مولدات الكهرباء، فقد بات انقطاع التيار الكهربائي طويل الأمد أمر متكرر في العيادة. إذا انقطع التيار أثناء غسيل الكلى فإن الآلات تتوقف ويمكن أن يتجلط الدم بالداخل. “لقد توفي العديد من المرضى بسبب نقص العلاج” حسب ما قالت حنان أحمد أحد المختصين في المركز. وبعض المرضى لا يستطيعون بالمرة الوصول إلى المركز لتلقي العلاج. وفي ظل ارتفاع أسعار الوقود، فقد ارتفعت تكاليف النقل، مما جعل الرحلات الطويلة محنة شاقة ومكلفة.
عائشة عبده وزوجها يحيى حسين ظلا يعيشان في العيادة لمدة شهر ونصف لأنهم لا يستطيعون دفع تكاليف السفر من حرض ثم العودة مرتين في الأسبوع لغسيل كلى عائشة. يقول يحي “نحن لم يكن لدينا المال لدفع تكاليف العودة إلى ديارنا. نحن نعيش هنا في الوقت الراهن، ولا نعرف ما يخبئه لنا المستقبل.”
محمد طاهر، وهو أب لخمسة أطفال، لم يتمكن من جمع 2000 ريال (حوالي 9 دولارات) للسفر من قريته على بعد حوالي 40 ميلا. وكان ابن أخيه، سعيد إبراهيم، قد ظل يشاهد عمه دون حول ولا قوة وهو يزداد ضعفاً. ويوم 22 أكتوبر، جاء سعيد لرؤية العم محمد وجده قد توفى. يقول سعيد بهدوء “ليس هناك مستشفى في منطقتنا ولم نكن قادرين على تحمل أعباء العلاج هنا.”
الحصار
إن الضربات الجوية القاتلة للتحالف لا تتلقى تغطية من قبل الصحافة الدولية في اليمن، وتقول الأمم المتحدة إن النزاع قد أسفر حتى الآن إلى مصرع ما يقارب 6000 شخص من المدنيين .
ومع ذلك فإن الحصار السعودي قد يكون هو من ألقى بالأثر الأكبر والأدوم والأشد تدميراً. وكأن هذا الحصار قد فرض على اليمن بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي.
إن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن هي الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا. وفي منتصف أبريل، بعد أقل من ثلاثة أسابيع من بدء قوات التحالف التي تقودها السعودي بحملتها العسكرية، مرر مجلس الأمن مشروع قرار تم تقديمه إلى حد كبير من قبل دول الخليج العربي المشاركة في الحرب. القرار فرض حظر صارم . ووافق المجلس على القرار، في ظل تصويت الجميع لصالح القرار باستثناء روسيا، التي امتنعت عن التصويت.
وجاءت هذه الخطوة بعد أسابيع من المفاوضات المغلقة بين دبلوماسيين من دول الخليج وروسيا. وكانت روسيا قد ضغطت كي يتضمن نص القرار فرض “هُدن إنسانية” تتخلل الغارات الجوية لدول التحالف. لكن دول الخليج عارضت بشدة ، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز. وكان النص النهائي قد أعطى المجال لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون فيما يخص “تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية والإخلاء، بما في ذلك إيجاد هدن إنسانية، حسب الاقتضاء، وذلك بالتنسيق مع الحكومة المدعومة من الرياض.”
ودعمت الولايات المتحدة القرار بشدة.
ويقول بعض النقاد إن هذا الإجراء يعد بمثابة تأييد للحصار الذي يضيق المجال على سبل توصيل المواد ويقتل اليمنيين الذين ليس لهم في الحرب لا ناقة ولا جمل.
“إن قرار الأمم المتحدة يسمح بالفعل بفرض حظر صارم للغاية على اليمن أدى — بغض النظر عن النوايا — إلى خلق العقبات التي جعلت من الصعب جدا إدخال وإخراج السلع الأساسية من وإلى اليمن”، حسب ما يقول آدم بارون، وهو زميل زائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وعضو مؤسس في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
والجدير بالذكر أن اليمن كان يعتمد اعتمادا كبيرا على الواردات من السلع الأساسية قبل الأزمة، ويدخل ضمن ذلك أكثر من 90 بالمئة من المواد الغذائية الأساسية. وكان البلد الفقير يستورد أيضا غير ذلك من السلع الأساسية، مثل الوقود والأدوية.
في سبتمبر، كان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد أصدر تقديراً يفيد بأن واردات الوقود التجارية تراجعت إلى واحد بالمئة فقط من الاحتياجات الشهرية. وبلغت واردات المواد الغذائية ثاني أدنى مستوى لها منذ بدء الحرب. لقد بات الآن أكثر من 21 مليون شخص — أي أكثر من 80 % من السكان — بحاجة إلى نوع من المساعدة الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
يقول تروند ينسن، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي يشرف على جميع عمليات التخطيط الإنساني في البلد: “لقد أضحت حياة الناس في خطر، ونحن نرى أثراً بالغاً على السكان المدنيين. ويعود جزء من السبب إلى الصراع والجزء الآخر إلى ما نراه بمثابة حصار أمر واقع — تنفيذ قرار مجلس الأمن بحظر الأسلحة — والذي منع بشكل فعال دخول الكثير من الواردات الهامة جداً إلى البلد.”
وبالعودة إلى الحديدة، تلك المدينة الساحلية الواقعة على البحر الأحمر، فإن الحصار ظاهر في أنصع صوره. وعلى الرغم من أن ميناء عدن أكبر، إلا أنه في الغالب موقف لعبور السفن. أما الحديدة فإنها قناة اليمن الرئيسية لإدخال السلع؛ إذ أن نحو 80 % من واردات البلد يجب أن تمر من هنا.
إن جميع العناصر النموذجية لأي ميناء بارزة للعيان: خطوط الشاحنات الثقيلة وأرصفة التحميل والصوامع والرافعات. لكن العنصر الغائب هو الطاقة والضوضاء؛ فهناك القليل من الحركة. وفي هذه الأيام لا يوجد تقريبا أي نشاط صناعي على الإطلاق. إذ أنه لا يسمح للقوارب بالدخول إلى الميناء دون موافقة التحالف السعودي، وهي عملية يمكن أن تستغرق أسابيع. وفي الوقت الذي تنتظر المواد عمليات التوصيل، تبدأ السلع الغذائية الضرورية جداً بالفساد.
يقول نائب مدير الميناء اليمني المطل على البحر الأحمر، يحيى عباس شرف، إن الحصار اشتد في يوليو، مما زاد من شدة القيود المفروضة على الوصول إلى الميناء. ويضيف أنه منذ ذلك الحين، لم يسمح حتى لسفينة واحدة من سفن الحاويات الكبيرة بالدخول إلى الحديدة. قبل الحرب، كان الميناء يستقبل سفينة حاويات واحدة كل يومين إلى 3 أيام.
وكأن الحصار لا يكفي، ففي وقت متأخر من ليلة يوم 17 أغسطس وقعت تسع غارات جوية على الميناء في غضون 15 دقيقة. وقد تضررت جميع رافعات التحميل الخمس. كما دمرت المخازن مع مركبات التحميل والنقل. وقد قال شرف في نفس اليوم الذي قصف الميناء في الحديدة، أعلن التحالف أن منفذ عدن، الذي يقع الآن تحت السيطرة السعودية، صالح للعمل.
“إن التحالف ليس لديه خطوط حمراء،” حسب قول شرف.
المفوض السامي لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة له وجهة نظر ، فلقد كتب المفوض في بيان صدر في سبتمبر يقول فيه إن “القيود الشديدة المفروضة على الاستيراد، والناجمة أساسا عن الحصار البحري المفروض من قبل قوات التحالف أثناء النزاع، قد زاد أيضا من تفاقم الوضع الإنساني.”
إن الحصار قد حول العامة من اليمنيين إلى خبراء في الطاقة الكهربائية؛ لقد باتوا يعرفون تفاصيل حول قدرة البطارية ومتطلبات الطاقة من أي شيء يمكن تخيله. في الليل، ترى المصابيح الأمامية للسيارات المارة والدراجات النارية وهي تشق الظلام، وترى بعض المحلات التجارية على الشوارع الرئيسية وهي تضيء الأرصفة، لكن بالنسبة للجزء الأكبر فإن السير على شوارع اليمن بعد غروب الشمس يعتبر بمثابة خبط عشواء.
إن الوقود اللازم لتوليد الكهرباء يباع الآن في الغالب في السوق السوداء، ومن الطبيعي أن الأسعار مرتفعة جدا. وفي مختلف أرجاء اليمن، ترى الشباب والصبية وهم يقطرون شوارع المدن ويبيعون الصفائح وزجاجات المياه البلاستيكية المملوءة بالوقود الملون بأحمر أو الأصفر الغامق. ووفقا للأمم المتحدة، فإن متوسط أسعار الوقود ارتفعت بنسبة 273 بالمئة عن الأسعار المعتادة، بل وفي بعض الأماكن ارتفعت تكلفة الوقود إلى 400 %.
ونتيجة لذلك، فإن الكهرباء أضحت الآن مورداً ثميناً جداً، لذا يجب ترشيده. في العاصمة صنعاء، تعتبر الشبكة الكهربائية في عداد الموتى منذ سبتمبر. فبعد غروب الشمس، ترى الناس يستخدمون الشموع في الداخل والحرائق الصغيرة الخفيفة في خارج المنازل. وتراهم يسيرون بمصابيح على رؤوسهم وأخرى صغيرة ببطاريات. وتسمع أزيز المولدات في كل مكان. أما بالنسبة لأولئك الذين يستطيعون تحمل النفقات الثقيلة، فإن الألواح الشمسية أصبحت هي الحل الأكثر شعبية. وصحيح أنها كافية لبعض الأضواء، لكنها لا تكفي لتشغيل ثلاجة.
موقع صحيفة غلوبال-بوست الأمريكية