صهيب خزار
منذ إعلان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بداية التدخل في اليمن تحت تسمية «عاصفة الحزم»، والذي شاركت فيه دول عدة من مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى خارج المجلس كالمغرب ومصر والسودان وغيرها… والذي كان الهدف منه إرجاع الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي للحكم بعد الانقلاب الأبيض الذي نفذه الجيش اليمني وحركة أنصار الله، لتقع السعودية بعد ذلك أمام تناقض رهيب. فبإعلانها وقوفها مع «الشرعية» في اليمن يتساءل المُتابع عن وقوفها ضدّ الشرعية في مصر، وهنا سيكتشف الجميع بأنّ ما تقوم به المملكة في اليمن ليس حرباً لإعادة الشرعية، بل حرب لإرجاع الهيمنة التي لطالما مارستها المملكة على اليمن طوال سنوات، قبل أن يتحرك الجيش اليمني وحركة «أنصار الله» في مسار «التصحيح الثوري» لتفادي سقوط اليمن في قبضة السعودية مرة أخرى بعد الثورة الأولى التي قام بها الشعب اليمني ضدّ السلطة السابقة سنة 2011. وهو ما لم يرق للسعوديين الذين أعلنوا حملتهم الأولى للقضاء على جماعة أنصار الله وسيطرتها في الداخل وتنصيب سلطة حليفة تتولى زمام الحكم.
هذا الهدف الذي لم يتحقق بالرغم من الحملة العسكرية والقصف اليومي للمدن اليمنية، بداية من المحافظات الشمالية والعاصمة السياسية صنعاء وبعض المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن، وهي الحملة التي ركزت فيها السعودية وحلفاؤها على القصف الجوي العشوائي الذي قتل الآلاف من المدنيين العزَّل وتهديم البنى التحتية للدولة والشعب اليمني والمطارات المدنية والعسكرية، وهي الحملة التي فشلت فشلاً ذريعاً عن تحقيق أيّ هدف من الأهداف المسطرة، ما استدعى الطرف السعودي لتوسيع الحملة بضمّ دول أخرى تحت مُسمّى جديد سماه ولي ولي العهد محمد بن سلمان «بالتحالف الإسلامي»، وجاء هذا المسعى في ظروف إقليمية خاصة للغاية بعد الأحداث التي أعقبت إعدام السلطات السعودية لرجل الدين السعودي الشيخ نمر باقر النمر، وتدهور العلاقات السعودية ـ الإيرانية، وقد جاء هذا المسعى من خلال ضمّها لبعض الدول الأخرى للتحالف، والتي ليس لها وزن على المستوى الاستراتيجي العسكري الدولي كنيجيريا، ليبيا، تونس وبعض الدول الأفريقية الأخرى، في حين رفضت الجزائر المشاركة في هذا التحالف نظراً للعقيدة الثابتة للدولة الجزائرية والجيش الجزائري بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وكذلك التناقض الذي تحمله السعودية التي تغذي الإرهاب في العديد من الدول كسورية والعراق، وتدَّعي محاربته من جهة أخرى، وهو الأمر الذي لم يشجع الدولة الجزائرية للانضمام إلى هذه الحملة، ليمضي هذا التحالف بنفس أهداف عاصفة الحزم من دون تحقيق أيّ مكسب على الأرض، بل فقدت السعودية السيطرة على العديد من المعابر الحدودية مع اليمن في محافظات نجران وجازان تحديداً، وفقدت مئات المقاتلين سواء من الضباط والقادة أو من الجنود، وكذا الحال بالنسبة للقوات الحليفة كالإمارات التي فقدت عدداً كبيراً من جنودها وضباطها، والمغرب التي قام بعض المقاتلين في حركة أنصار الله اليمنية بإسقاط طائرة عسكرية لها، والعديد من الضربات الموجعة الأخرى التي تلقتها السعودية في حملتيها العسكريتين.
ولو نلقي نظرة على التغطية الإعلامية لهذه الحملات سنكتشف مدى التضليل الإعلامي الكبير المُمارس لتلميع هذه الحملة العسكرية من طرف وسائل الإعلام التابعة للسعودية والخليج عموماً وبعض الدول الحليفة للسعودية من خلال تغاضيها عن تغطية المجازر الكبيرة التي نفذها سلاح الجو الخاص بالتحالف في المحافظات اليمنية، وعلى النقيض من ذلك نجد المؤسسات والمنظمات والمراصد الحقوقية غير الحكومية تقدّم تقارير مروّعة عن حجم الخسائر المادية والبشرية المسجلة على إثر القصف الجوي اليومي على المدنيين والبنى التحتية اليمنية… لكن المنظمات الدولية المختصة لم تسجل موقفاً جدياً في القضية، فهذه الغارات جاءت بمباركة أميركية و»إسرائيلية» وغربية عموماً لا يتجرأ أحد على مخالفتها.
وفي المقابل، نجد التيار الوهابي السلفي في كلّ البلدان العربية والإسلامية، بما فيها الجزائر، يُسَوِّق للحملات العسكرية السعودية على اليمن بشكل مُربك، ولكم أن تطَّلِعوا على الصفحات الخاصة بهم في مواقع التواصل الاجتماعي وكلامهم عن الحملة «المقدّسة على الروافض» في سعيهم لتقديس ما تقوم به السعودية في اليمن بغطاء ديني «مذهبي»، وكأنّ فلسطين المحتلة طوال سبعين سنة من الاحتلال والتدمير والقتل للعرب والمسلمين «السنة» هناك غير معنية بحشد التحالفات الإسلامية ودعم حركاتها المقاومة كما تدعم سعوديتهم الحركات المسلحة «الإرهابية» في العراق وسورية، وهو ما يؤكد في الوقت نفسه استعمال السعودية للحركة الوهابية بعد تصديرها للمجتمعات العربية والإسلامية في تسويق أفكارها ومحاولة بناء شرعية دينية للمملكة في الخارج كما بناها محمد ابن عبد الوهاب في الداخل بُعَيْد تأسيس المملكة العائلية على دماء أهل الحجاز لتسعى إلى ترسيخ سيطرتها على اليمن بإراقة دماء الشعب اليمني أيضاً من دون تمييز رفقة بعض الحركات الإرهابية في الداخل اليمني وهي الحركات المنتمية إلى «داعش» و»القاعدة» وحركات أخرى من نفس الفكر الوهابي السلفي، والتي تتكفل بالمعارك البرية للسيطرة على العاصمة صنعاء في مواجهة اللِّجان الشعبية والجيش اليمني بعد فشل السعودية في العديد من المرَّات من التوغُّل بريّاً في الداخل اليمني من الشمال ومن المعابر البحرية من خلال البوارج البحرية «التي اشترتها المملكة من الولايات المتحدة الأميركية» لهذا الغرض، وقد شاهدنا كيف تمّ إغراق العديد من السفن الحربية للسعودية وحلفائها تحت ضربات الجيش اليمني والحوثيين…
كما يجدر بنا أن نذكر بأنّ الموقف المصري بالمشاركة في التحالف السعودي لضرب اليمن هو موقف غير صحِّي لجيش شارك في الحروب العربية «الإسرائيلية» وخطَّ أروع ملاحم النصر في تاريخ الأمة ضدّ العدو الصهيوني، لتتمّ إهانته مؤخراً بشرائه «بمال الأرز» كما وصفته بعض وسائل الإعلام عقب تسريب صوتي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصف الأموال التي مُنحت له من السعودية بأنها أموال كالأرز «لكثرتها»… ليصبح الجيش المصري جيشاً «مرتزقاً» لدى السعودية للأسف على شاكلة الجيش السوداني والسنغالي والجيوش الأخرى التي اشترتها السعودية بأموال البترودولار، وأموال الحجّ والعمرة التي يدفعها المسلمون لتأدية مناسكهم الدينية… مقابل الفشل الذريع على الميدان أمام تنظيم شعبي يمني يدافع عن أرضه بأسلحة متواضعة وإمكانيات بسيطة…
باحث جزائري ـ المركز الدولي
للدراسات الأمنية والجيوسياسية
www.cgsgs.com
Prev Post