اليمن تفك قيدها تدريجياً (3-2)
عبدالرحمن الرياني
رسالة إلى الكاتب العالمي بول فندلي
المحصلة أيها العزيز فندلي هي أن الذي لايزال مستمرا في إعطاء الإحداثيات للمواقع العسكرية والمدنية للطيران السعودي وأكاد أجزم أن أكثر بلد تم اختراقه في التاريخ هو اليمن إلى الدرجة التي باتت فيه الوزارات والهيئات والمؤسسات الحاكمة في اليمن في وضعيتها أشبه بفروع للوزارات والهيئات السعودية من حيث اتخاذ القرار، كل ما سبق يندرج في إطار تطويع اليمن البلد الذي عرف في العالم منذ القدم باعتزازه الشديد بخصوصيته الحضارية حتى في مراحل الفقر والحرمان لم يخضع ولم ينحن للعواصف لقد هدف التطويع إلى أنهاء الحالة التقدمية التي كانت قائمة في الجنوب وذلك الشعور المتأجج بالقومية في الشمال وهنا عليك أن لا تشعر بالغرابة إذا علمت أن إحدى السفارات الغربية في صنعاء كانت تعمل بطاقم دبلوماسي اسرائيلي متكامل ، كما أنك لا تستغرب إذا ما اكتشف أن مدير أحد المراكز الثقافية لإحدى العواصم الأوربية كان متورطا في عملية تجسس لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلية الموساد وفي السياق ذاته عليك عدم الشعور بالذهول إذا ما علمت أن هناك عمليات إسقاط أخلاقي تمت لمئات من الشباب اليمني لتجنيدهم للعمل مع أجهزة استخبارات خارجية الموساد من ضمنها كما أن هناك أجهزة استخبارية خليجية مارست نفس الدور فالعمل الاستخباراتي العالمي كان على أشده في هذه البلاد النائية الرافضة للخنوع ، السيد بول فندلي إنني أعي جيدا خصوصية العلاقات التي تجمعكم بالكثير من أصدقائكم السعوديين بحكم العمل في أكثر من صحيفة سعودية وهذا يعني أنني قد أتسبب لكم في الكثير من الإحراجات لكن ما يدفعني إلى المراهنة على شخصكم أسباب عدة أهمها الخلفية الصحفية لشخصكم والقادمة من مدرسة أبراهام لنكولن وهي المدرسة التي تؤمن بإظهار الحقائق كما هي حيث ينتهي الجهل عندما يقدم الذي سيظل عقبة كأداء في حالة عدم تقديم كل شيء على حقيقته ، السبب الثاني أعرف انني أمام كاتب وسياسي مخضرم يعشق الدفاع عن الحرية وعن المقهورين وأعي جيدا انكم تعرضتم للتهديد بالقتل بسبب اللوبي الصهيوني الذي اتهمكم بمعاداة السامية بسبب دفاعكم عن القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية الأولى وأعي جيدا انكم من المعارضين لسياسة أمريكا في المنطقة وأن عناوين مؤلفاتكم تدرس بعناية فائقة من يجرؤ على الكلام ولا سكوت بعد اليوم وأمريكا في خطر والخديعة والعنوان الأخير هو ما يجري اليوم في الوطن العربي حيث هناك خديعة كبرى تمارس في اليمن يشترك فيها الإعلام الأمريكي والمتلاعبون بالعقول حد وصف الرائع هربرت شيلر الخديعة الحالية تكمن في التضليل المدمر الذي يقوم به النظامان السعودي والأمريكي لتدمير هذا البلد والذي وصل الى حد التواطؤ الكامل لتغطية جرائم الحرب والتي لا تحتاج لاكتشافها إلى تلك الفترة الطويلة التي احتاجها فك لغز ضرب الإسرائيليين للبارجة الأمريكية ليبرتي يكفي أن تتطلع الى موقع منظمة هيومن رايس ووتش لتعرف أن السعودية بسلاح جوها الأمريكي الحديث استخدمت غاز الكلور والفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية وقامت بضرب المساجد والمشافي والمدارس ولم تسلم من غاراتها حتى القبور مشكلتنا كيمنيين مع السعودية تكمن في نظرة السعودية للعلاقات مع اليمن منذ الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة السعودية وحتى وقتنا الراهن وهي رغبة آل سعود في إبقاء اليمن تدور ضمن الفلك السعودي الى الحد الذي ترفض فيه السعودية إقامة أي علاقات دبلوماسية بين اليمن وأي دولة في العالم إلا عبرهم وهو ماتم الكشف عنه في جميع المراحل السياسية وعبر العديد من الوقائع والأحداث والسبب في ذلك يعود إلى أن المملكة الأتوقراطية السعودية تعتبر اليمن حديقة خلفية بكونها الجزء الذي لم يتسن لعبدالعزيز إكمال ضمه إلى المملكة بعد أن تغيرت الفكرة البريطانية من ممالك إلى كانتونات فاستقطعت اليمن وإمارات الخليج من عملية الضم للعرش السعودي بعد أن كان البريطانيون ومن خلال جون فيلبي قد تعهد والعبدالعزيز بمساحات شاسعة من اليمن تضاف الى ملكه وهنا اسمح لي ان اسلط الضوء على بعض المواقف التي تؤكد نظرة السعودية القاصرة للعلاقة مع اليمن والتي يمكن لها أن توضح لنا حقيقة ما يجري اليوم، عند اعلان اتفاقية الوحدة في الثلاثين من نوفمبر 1989م قام وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بزيارة الى عدن والتقى بالأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني السيد علي سالم البيض وقدم عرضا من قبل الملك فهد يتضمن تأجيل قيام الوحدة اليمنية لمدة عام مقابل حصول جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على هبة مالية تقدر بعدة مليارات من الدولارات ورفض البيض العرض السعودي حينها بقوة عندها بدأت السعودية تحاول إثناء البيض عن الوحدة من خلال عدد من الشخصيات الموالية لها والسبب في هذا الرفض الواضح لوحدة اليمن رغبة السعودية أن تظل اليمن مجزأة جغرافيا وفي حالة صراع وحروب دائمة .
أعود الى نظرة السعودية للعلاقات من اليمن فمنذ اليوم الأول لتأسيس مملكة السعود كان الملك المؤسس عبدالعزيز يرى في اليمن ظاهرة اعتراضية حقيقية تهدد مملكته لأسباب عدة أهمها الجانب المذهبي حيث الزيدية في اليمن والوهابية في نجد وبالطبع لعب الجانب المذهبي دورا فاعلا في تأجيج أطماع الحكم السعودي في اليمن ووصل الأمر الى قيام جنود الملك عبدالعزيز بقتل ثلاثة آلاف حاج يمني في موسم حج سنة 1922م فالفكرة الوهابية تقوم على النظر للآخر الديني والآخر المذهبي باعتبار بلده بلد كفر يجوز احتلالها وقتل من فيها وهي نفس فكرة الخوارج في القرون الماضية وكون اليمن هي الضد للسعودية في كل شيء فهي هنا دار كفر يجوز في العقيدة الوهابية تدميرها وحرقها وقتل حجاجها العزل ، فلقد كانت اليمن هي الضد منذ تأسيس الدولة اليمنية المملكة المتوكلية والتي قامت بعد كفاح مرير ضد الاحتلال العثماني لليمن والوطن العربي فكان استقلال اليمن عن الحكم التركي معمدا بالدم وهي حالة تختلف عن الحالة السعودية حيث تأسس الكيان السعودي برغبة بريطانية على يد الجنرال الإنجليزي جون فيلبي وعلى يد لورنس العرب والضابط اليريطاني الآخر بيرسيس جوكس هؤلاء هم من صنعوا العرش السعودي تماما كما فعلت “جاتريك بل” المستشارة الإعلامية للمندوب السامي البريطاني في العراق في عشرينيات القرن الماضي عندما صنعت عروش الهاشميين في العراق وسوريا والأردن ، لقد كان عبدالعزيز حليفا للغرب ولبريطانيا العظمى منذ البدايات الأولى، وهنا اذكركم بذلك التصريح القوي لحاييم ويزمان أول رئيس للكيان الصهيوني عندما قال “لقد تحقق لبريطانيا أكبر انتصار ديني عندما اصبحت المقدسات الثلاثة للمسلمين تحت السيطرة البريطانية وهو الأمر الذي تحقق بقيام الدولة السعودية ودولة إسرائيل” أما اليمن فكانت في المعسكر الآخر لحلفاء السعود فهي أول دولة عربية أقامت علاقات مع الاتحاد السوفيتي وهي أول دولة عربية اعترفت بالصين الشعبية وهي الدولة التي رفضت تسليم الفرقة الألمانية التي لجأت اليمن بالخطأ في الحرب العالمية الثانية حيث طلب الحلفاء من الإمام يحيى تسليمهم الجنود الألمان فرفض بشدة بحكم انهم مستجيرون وهذا الأمر انعكس ايجاباً على العلاقات مع المانيا الدولة الصديقة لليمن بكل ماتعني الكلمة وقتها اجتمع البرلمان الألماني وأعطى امتيازات لإقامة اليمنيين ودخولهم الى الأراضي الألمانية ، كما أننا كنا منذ البداية اصدقاء لأعداء السعودية ومنهم ايطاليا التي عرضت على اليمن إبان حكم يحيى مساعدته عسكريا لاستعادة الأراضي اليمنية المحتلة أقاليم جيزان ونجران وعسير وكان رد الإمام بعبارة شهيرة ” والله لو نازعني عبدالعزيز عمامتي لما استعنت بأجنبي عليه” .
لقد كانت الدوافع السعودية دائما هي إنهاء وجود الدولة اليمنية المستقلة ومن أجل تطويع الوضع اليمني الداخلي لصالحها عمدت الى شق الصف الوطني الداخلي كونها تعتقد باستحالة محاربة أو مواجهة اليمن في ظل وجود جبهة قوية ومتماسكة وهذا ديدنها دائما فقد شكلت التصدعات في الجبهة الداخلية لليمن حالة ذرائعية على الدوام والشواهد التاريخية كثيرة وحاضرة بقوة فهي حاضرة من خلال الحالة الذرائعية المتمثلة في الدولة الإدريسية حيث كانت بريطانيا قد احتلت الحديدة لفترة وجيزة وقامت بإعطاء الإدريسي عدداً من المناطق اليمنية ليقيم عليها إمارته وعندما بدأ الإمام يحيى يحاول استعادة المناطق اليمنية اصطدم برغبة محمد بن علي الإدريسي فكانت الحرب ووجدت السعودية في الإمام الإدريسي حالتها الذرائعية التي قامت من خلالها بالسيطرة على أجزاء واسعة من التراب اليمني وهكذا حدث في الحالة الذرائعية الثانية عندما تدخلت بكل إمكانياتها لدعم الإمام البدر الذي حاربت مملكة أبيه وجده بالأمس القريب نكاية في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر وفي جمال عبدالناصر العدو الأول للإمبريالية والصهيونية والرجعية فكانت لها الحالة الذرائعية أما في الحالة الذرائعية الثالثة فكانت السعودية نصيرا للحركة الانفصالية في جنوب اليمن والتي قامت حينها وبدعم للمجموعات الجهادية المتطرفة بتصفية أكثر من مائة وستة وخمسين من كوادر الحزب الاشتراكي اليمني الذي قاد الحركة الانفصالية في صيف 1994م وفي ذات السياق تستمر الحالة الذرائعية للسعودية في اليمن من خلال دعم عبدربه منصور هادي الرئيس المستقيل حسب القانون اليمني وحسب المادة 115 من الدستور اليمني والشعار هو دعم الشرعية شرعية من لا شرعية له ، السيد بول فندلي لقد كان النهج الذي تقوم عليه السعودية في مشروعها التوسعي هو الخيانة والحصار وبطبيعة الحال فالفقر الأخلاقي لدى بعض الناس هو الذي يخلق حالة العمالة المفرطة وعلى هذا الأساس اعتمد عبدالعزيز في تثبيت أركان مملكته على الخونة في بلاط الشريف حسين وفي بلاط ابن رشيد وفي الحالة اليمنية واصل أبناؤه السير على نفس النهج في جميع المناطق التي ضمها الى مملكته وحاربها أبناؤه من بعده من سلم مفاتيح مكة لجيش عبدالعزيز؟ وكيف دخلت قواته الى الطائف؟ اليس أمير الثانية خالد بن لؤي والشريف عايش في مكة ، وهو ما حدث في اليمن عام 1934م عندما تعاون البعض مع قوات الغزو الوهابية ،ايضا اعتمدت المملكة الأوتوقراطية طوال تاريخها على سياسة الحصار والتجويع فمكة الحجازية حوصرت قبل سقوطها ستة أشهر والطائف ثلاثة اشهر والمدينة المنورة الحجازية أكثر من عام وهي نفس الألية المتبعة مع الشعب اليمني العظيم حيث الخيانة والحصار هي التي تتحكم بالحرب الدائرة على ثرى اليمن والتي نعدها حربا كونية لكثرة الجيوش المشاركة فيها ونظرا لحالة الصمت والتواطؤ من قبل الدول العظمى التي تمارس سياسة الصمت على حرب الإبادة التي تشن ضد الشعب اليمني والتي تندرج في إطار المرحلة الجديدة من المشروع التوسعي السعودي الجديد والذي تؤكد الوقائع انه يسير في الاتجاه المرسوم له، فبعد أن توافرت الظروف الملائمة له حسب المفهوم السعودي بدأت عملية التنفيذ وأعني بالظروف الموضوعية عدة عوامل منها ضعف الجبهة الداخلية وانقساماتها على أسس مذهبية ومناطقية وجهوية كما كان الحال عليه في العام 1934 م عندما ساندت مناطق شافعية جيش بن سعود وقتها نكاية في الامام يحيى كما يحدث اليوم من نفس المناطق والخلفية المذهبية التي تساند جيوش بن سعود الابن نكاية في عبدالملك الحوثي، ومن العوامل الأخرى عامل الحكم المرحلة الانتقالية التي كانت اليمن تمر بها والناتجة عن سقوط نظام وعدم تمكن النظام الجديد وهي مرحلة تشبه وضع شمال اليمن في العام 1962 م ولهذا علينا أن ندرك أن الحرب الحالية عبارة عن مشروع ظل قائما ولم يسقط من أجندة الحكم السعودي كون السياسة التي تقود الى الحرب وهي مسألة التطويع هي المقدمة لما يحدث اليوم ولهذا فجميع ما جرى من اغتيالات لرؤساء في اليمن وتجنيد لمشائخ وتصفية قيادات ونشر التكفيريين والحصار الاقتصادي من سوناطراك وهنت الى الحصار الحالي يندرج في اطار التطويع السياسي والاجتماعي السعودي الهادف الى قضم اكثر من ثلث الجغرافيا اليمنية وتقسيم ما تبقى منها الى ثلاث دول هزيلة سأوجزها لكم في عجالة قبل الدخول في المبررات والاسباب الدولية والاقليمية للحرب على اليمن طريقة السعودية الحصار ضعف الجبهة الداخلية الحالات الذرائعية عبر التاريخ والتي ستكشف ان العدوان الحالي على اليمن مبيتا بشكل دائم منذ ربع قرن وبالتحديد منذ العام 1990م عندما وقفت اليمن إلى جانب الدول التي عارضت التدخل الأمريكي في أعقاب الغزو العراقي للكويت لكن الظروف لم تكن تخدم المملكة خلال الفترة الماضية وفي ظل وجود أنظمة قوية مثل عراق صدام حسين أو ليبيا القذافي كما أن الحالة الذرائعية على صعيد الداخل اليمني تستوجب حدوث بعض الانشقاقات والتصدعات في جبهة اليمن الداخلية وهذا ما هو حادث اليوم فلقد قفزت عملية التطويع بصورة لم تكن السعودية تتوقعها في مختلف المراحل السابقة وفي المقابل كانت هناك تطورات على صعيد التطور النوعي للظاهرة المعادية للسعودية وهي هنا تتمثل بخروج الظاهرة الاعتراضية للسعودية من حيث لم تكن تتوقع من المناطق “الزيدية” لم تخرج من تعز مقر الحركة القومية والحاضن القوي للقحطانية في اليمن والتي كانت ترى في السعودية وخلال ستة عقود العدو التاريخي ولم تخرج من عدن القلعة التقدمية والحاضن للاشتراكية في اليمن خلال عدة عقود والمنطقة التي تتعارض سيكلوجيا وديمغرافيا مع الطرح والفكر السعودي الموالي للإمبريالية بل إنها جاءت من خلال المناطق الزيدية التي عرفت بعلاقتها القوية في الماضي القريب مع ال سعود حيث هناك قبائل حاشد وبكيل التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع الحكم السعودي وأثبتت تلك الظاهرة الاعتراضية انها تمتلك عمقا حقيقيا في مواجهة المشروع التوسعي السعودي الذي عمل بقوة على أبلستها وربطها بالتمرد والإرهاب وهو ما يتجافى مع الحقيقة ويجانب الصواب فإذا ما القينا الضوء على الزيدية كمذهب نعرف جيدا نحن المسلمين بأن الزيدية أكثر الفرق والمذاهب في الإسلام المناوئة لقوى الظلم والاستبداد وهي بذلك تعد الأكثر تقدمية مقارنة بالمذاهب الأخرى والحركة الحوثية خرجت من قلب المذهب الزيدي والحقيقة التاريخية التي ينبغي لنا عدم تجاهلها هي أن الحركة الحوثية جاءت وفق البعد التاريخي المتعارف عليه التواصل والتفاصل فما حدث للقوى الملكية في أعقاب قيام الثورة السبتمبرية في العام 1962م من تجاوزات غير اخلاقية انطلاقا من عقدة تقليد الغالب جعل شريحة واسعة من الزيود يشعرون بالظلم وبخاصة عندما قامت القوى القبلية والرجعية المتحالفة مع السعودية بسرقة واحتواء ثورة سبتمبر فمارست الاقصاء والتهميش ضد شريحة واسعة من اليمنيين ومنهم أبناء صعدة الذين جرى تهميشهم وإبعادهم عن مراكز القرار بصورة مقززة باعتبار ان صعدة هي عبر التاريخ اليمني مركز التجديد للفكر الزيدي التقدمي وربما ينتقدني البعض عندما أدافع عن صعدة بهذه الروح وأنا المسلم السني الأقرب للسلفية لكنني اقول ان وضع صعدة كشرارة أولى للثورة في اليمن لم يكن يختلف عن وضع مدينة “تيم شوارا ” التي قامت منها الثورة الشعبية في رومانيا ضد نظام الدكتاتور نيكولاي شاوشيسكو” او مدينة مثل “غدانسك ” التي كان لها شرف ثورة نقابات العمال في بولندا بقيادة “ليس فونسا” رئيس نقابات العمال في بولندا في العام 1984م فالثورة تحدت من تحت ركام المعاناة وهذا ما حدث في صعدة حيث عملت السعودية فكريا لتطويق صعدة من خلال المراكز الدينية السلفية والمعاهد العلمية التي كانت تدرس الوهابية كمقدمة من أجل استكمال مشروعها التطويعي الذي مافتئت تعمل للوصول إليه بشتى الطرق والوسائل ولهذا أوجدت منابر سنية وإخوانية على إمتداد التراب اليمني وأغدقت عليها الأموال الطائلة الغريب في الأمر ان عداء المملكة السعودية للشعب اليمني دائما ما يستند على الاستفادة من الأحداث الإقليمية الكبرى فقد حارب عبدالعزيز اليمن في العام 1934م بكونها عدوة للغرب وصديقة للألمان ولإيطاليا الفاشية وللأتحاد السوفييتي وجميعها دول معادية للإمبراطورية البريطانية ولفرنسا ، وحارب ابنه فيصل اليمن بكونها شيوعية كما كان يردد الإعلام السعودي وثورة ناصرية مدعومة من عدو الغرب الأول جمال عبدالناصر والأن يحارب آخر ملوك السعودية سلمان اليمن باعتبارها قريبة من نظام الجمهورية الإسلامية في إيران مع العلم بأن السعودية في العام 2009م إبان حكم عبدالله بن عبدالعزيز شنت حربا دامية ضد الحركة الحوثية ولم تكن قد ارتبطت بعلاقات مع ايران حتى العام 2009م ، الحركة الحوثية التي لا انتمي إليها تعد من أنقى الحركات السياسية التي عرفها اليمن فهي حركة مظلومية سياسية واجتماعية على مدى خمسة عقود وهي تدفع ثمنا باهظا من أجل مقاومة مشروع التطويع والوصاية السعودية على اليمن ويقود هذه الحركة شاب من خيرة الشباب اليمني الذي ظهر في ميدان العمل السياسي خلال نصف قرن، يكفي أن نعلم أنه لم يكن طوال الفترة الماضية التي سبقت الحرب وحقق فيها انتصارات عسكرية كبرى عمل على إسقاط مبدأ التشفي والإذلال وقهر الآخرين كما هو الحال في الوطن العربي عقدة تقليد الغالب كما سبق وذكرت لقد انتصر على الإصلاح وكسر شوكتهم في عمران وفي صنعاء ثم دعاهم للحوار وانتصر على السلفيين في دماج ثم دعاهم للحوار والاتفاق معهم في معبر بمحافظة ذمار وكان اتفاق الند للند وليس اتفاق المنتصر والمهزوم وانتصر على القبيلة المتمثلة في بيت الأحمر لكنه لم يقبل المساس بأحد من أفراد عائلة الأحمر الذين عادوا لمقاتلته مرة أخرى تحت راية حلف آل سعود الاستعماري بل إنه رفض المساس بممتلكات الشيخ صادق الأحمر شيخ القبيلة ،هذا النوع من القادة لا تمتلك إلا أن تكن له كل تقدير واحترام في المقابل لديكم المعلومات الكاملة لحادثة اعتقال المناضل الأممي ناصر السعيد وكيف تم اختطافه من بيروت وعلى يد من وكيف تعامل معه آل سعود، القصة معروفة لقد تم تذويب جسده بمادة الأسيد والأدهى والأمر هو تعامل آل سعود مع معارضيهم من المدنيين ومنهم زملاء مهنة لك شخصيا عبدالكريم الجهيمان وزهير كتبي ومحمد العلي ومتروك الفالح وعبدالله الغذامي وتركي الحمد كيف تعاملوا مع الجهيمان لقد جلدوه على رؤوس الأشهاد وبعد أن انتهت عملية الجلد صعد الأمير عطيشان بن جلوي على صدره وقام بضربه بالحذاء في وجهه الكريم وهو لم يكن سوى ذلك المثقف الليبرالي الذي يؤمن بنفس افكارك وربما كان مثلك عاشقا لمدرسة الرئيس ابراهام لنكولن، أما الأخطر من هذا وذاك فهو الطريقة التي يتعامل بها آل سعود مع حلفائهم وبهذا الصدد ربما سمعت عن المعاناة والمضايقات التي عاناها وتعرض لها الأدارسة حكام جيزان وعسير وهم حلفاء ال سعود لقد تمت مكافئتهم على ماقدموه للحكم في السعودية بوضعهم تحت الإقامة الجبرية لمدة خمسة عقود من الزمن هذا هو الفرق بين آل سعود وبين عبدالملك بدر الدين الحوثي والذي تنطلق ثورته من العداء للهيمنة والاستكبار كما هو حال الثورة في اليمن ضد الأحتلال التركي وكما هو حال الأمام الخميني الذي انتصر بالدم على السيف وكما هو حال القادة العظام المناضلين ضد الأمبريالية فكما كان الغرب والقوى الاستعمارية والرجعية العربية ضد تلك الثورات فهاهو اليوم يقف بشدة ضد ثورة الشعب التي قادها هذا الشاب الصادق الشجاع الذي يختزل بين ثناياه منظومة القيم الأخلاقية لهذا الشعب فالتاريخ يعيد نفسه في كل شيء وهذا مايقظ مضاجع حكام نجد والحجاز ولهذا نردد دائما ان العالم يتقلب ولا يتغير فالأصولية المتطرفة في الغرب وفي الشرق حلت محل الماركسية فصارت داعش بديلا للأحزاب الشيوعية كخصم مفترض للغرب وأضحت القاعدة هي الناطق باسم القوميين العرب ، أما لماذا اليمن والعراق وسوريا ومصر والجماهيرية الليبية وتونس فلكونها كانت تشكل ذات يوم السبيل الى مشروع نهضوي تم ضربه بقوة بدون هوادة ولا لين ولكي يتسنى للغرب وللمواطن الغربي أن يعي ما حدث لا بد من إيضاح الحقائق بصورة متكاملة وذكر الأسباب التي قادت إلى ذلك مع علمي المسبق بأن لديكم معرفة مسبقة بها لكن ربما رؤيتنا كعرب الى تلك الأسباب تختلف بعض الشيء مع وجهة النظر الغربية السائدة في العالم اليوم وتتمحور حول العديد من الأسباب وهي على النحو التالي الرغبة التركية بالاتفاق مع الإخوان المسلمين لإعادة الخلافة الإسلامية والخطة التي تم وضعها تندرج تحت مسمى الباب العالي والداعم الرئيس لها هو الولايات المتحدة وسبب الدعم الأمريكي هو اتفاق بين تركيا العضو في الحلف الأطلسي وبين الولايات المتحدة يقوم على أن كل ما يتحقق لتركيا من نفوذ وهيمنة سيصب في صالح الولايات المتحدة وقد خدمت الصدفة الولايات المتحدة بالتسريع بتنفيذ المخطط التركي الأمريكي ففي العام 2005م التقت المخابرات الأمريكية بشخصية مصرية هي أبن أحد قيادات الإخوان المسلمين الذي جرى ترحيله من الولايات المتحدة في العام 1993م بسبب وجهة نظره السياسية تم اللقاء بعد أن أدلى بتصريح يؤكد فيه أن الإسلام لا يقر عقوبة الإعدام والتقطت الـCIAذلك التصريح وسارعت الى الالتقاء به وسألته هل هذا رأي جماعة الإخوان المسلمين أم رأيه الشخصي فأبلغهم القيادي الإخواني المقيم في بلجيكا حينها بأنه رأي الإخوان المسلمين وهكذا بدأت المخابرات الأمريكية بفتح حلقة تواصل فكان لقاء أنقرة الشهير بعدها بعامين وحضر اللقاء من الجانب التركي رجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو وعدد من قيادات التنظيم الدولي وهكذا بدأ التأمر على العرب لقد جاء ذلك الاجتماع داعما للتوجه التركي في الانفتاح على المشرق العربي بناء على نصائح تقدم بها عدد من المقربين من أردوغان مشروع أحمد داود أوغلو ورؤية” تشاندرجنكيز خان” مستشار تورغوت أوزال وشعاره في ذلك حتى لانبقى مخفرا للحراسة في الحلف الأطلسي والسيد عبدالله التان كاتب صحفي معروف فكان أن توجهت تركيا إلى دمشق من أجل تقوية العلاقات لكونها كانت بحاجة ماسة إلى مدخل لها في الشرق العربي تتمكن من خلاله في إعادة الموضع بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبالطبع سارت الأمور حسب ماتشتهي الرياح التركية لكن في المقابل التقت تلك الرغبة التركية المحمومة في عودة العثمانية مع العديد من الطموحات العربية الزائفة والمنخدعة ومنها الطموح القطري حيث تحكم الإمارة الصغيرة من أسرة نجدية تعود أصولها إلى “الخوارج”فبنو تميم هم قلب الخوارج في المنطقة وهم الذين قادوا عدداً كبيراً من حركات التمرد على مدى التاريخ الإسلامي وهكذا بوجود شخصيات دينية مثل يوسف القرضاوي المرتبط بالتنظيم الدولي للإخوان دخلت قطر في التحالف التركي الأمريكي الإخواني لتدمير المنطقة فتواجدت في ليبيا وفي اليمن وفي سوريا تحت مسمى دعم الربيع العربي ولعبت قناة الجزيرة القطرية دورا مهما في تأجيج الرأي العام في تلك الدول ضد الأنظمة الحاكمة مع الاختلاف بين المشروعين التركي العثماني والقطري الذي يطمح إلى خلافة تمتد من الخليج وحتى شمال أفريقيا مستفيدا من الوفرة المالية التي جعلت من الأمير القطري السابق يظهر وكأنه قائدا لثورات الربيع، فالخلافة من وجهة نظر الأمير لابد لها من مقدمات حتى تحدث وهي أن يكون هناك طريقا مفتوحا بين العواصم الساقطة بيد الإخوان المسلمين، ولهذا كان الطريق كالتالي سوريا لبنان فلسطين مصر ليبيا تونس وقبلها السودان ولهذا تم إطلاق عبارة الطريق المفتوح على الخطة القطرية وهو نفس المسمى لنظرية المشروع الصهيوني للموساد التي تم اعتمادها في العام1986م، أما الولايات المتحدة فرغبتها في توسيع قواعد الاشتباك كانت حاضرة بقوة بهدف خلق الفوضى الخلاقة التي تضمن إسقاط الأنظمة القوية، وهو ما يجعل الطريق ممهدة للسيطرة على النفط العربي وهناك حقيقة مؤلمة للعاصفة التي اجتاحت الوطن العربي اعتبارا من العام 1990 عام غزو العراق للكويت والعام 2011م عام تدمير الوطن العربي فحرب الخليج التي جرى فيها استدراج العراق لغزو الكويت بواسطة السفيرة غلاسبي جاءت في أعقاب قمة بغداد التي كانت من مقرراتها السرية إنشاء مجلس لوزراء الدفاع العرب من أجل العمل على تحرير فلسطين وهو نفس الشيء الذي تم إقراره في قمة سرت العربية في الجماهيرية الليبية فكان الربيع العربي وكلا القمتين جرى تسريب مقرراتها السرية من قبل السعودية والخليج والأردن