براعة الارتزاق وخيبة المنال
محمد عبده الشجاع
يبرع مرتزقة السياسة والشاشة الفضية في تجديد الخيانة كل يوم، سواء الذين يزورون حائط براق العربية الحدث وفروعها في دبي، الرياض، جدة، القاهرة، اسطنبول، عمَّان، ولندن ابتداء من الصباح الباكر حتى منتصف الليل، أو أولئك الذي يطلقون زفرات لا تقبروناش من على استديوهات وطاولات ليست أفضل حالاً ولن تكون من طاولات الوطن الأم، وكل ذلك من أجل أن يخبرونا بأن المقاومة أصبحت على مشارف صنعاء، وهي الآن على بعد خمسة عشر كيلو فقط، بالتزامن مع انزال جوي على دار الرئاسة.
للإنسان حق الحلم بالتنقل والتغيير كسنة كونية، لكن حينما تصبح الخيانة لتراب الوطن مفتتحاً للتغيير، وتصبح الخيانة طموحاً لذيذاً، وشهوة تتجسد في المأكل والمشرب والملبس، وقول الكلمة، وحتى في النوم، وعلى حساب ماء الوجه، ودماء الصغار وأرواحهم، وصرخات العجزة والنساء، وأنين الأحرار، وركام المنازل، وممتلكات بلد، وتراث حضاري عمره آلاف السنين، فإن تلك هي الكارثة التي لا يمكن القبول بها كواقع أو محوها من الذاكرة.
للأسف الشديد اليوم فعلها أيضاً شعراء كانوا ناضجين، فعلها صحافيون منذ أول غمزة، وفعلها ناشطو السراب، وإعلاميو الفرجة والتهريج والسخرية.
فعلها من كانوا يديرون الدولة لسنوات، فعلها من كانوا يقودون أحزاباً معتقة، فعلها أصحاب دعوات التحرر، فعلها قادة العصبيات المقيتة، فعلها مشايخ الاختراعات الساذجة، وفي لحظة ما، سقطوا جميعاً في الوحل، وطفحت رائحتهم النتنة الى السطح.
لقد تجاوز هؤلاء المتخمون بالبله والانفصام كل سياجات الحياة الكريمة، وقفزوا الى واقع أشبه بالحفرة السحيقة، لقد فعلوا ما لم يفعله أبو رغال، لأنه فعلها مرة واحدة، لكن هؤلاء يستميتون كل يوم، يتعطشون للفعل، ينهشون أكباد بنيهم، يسترزقون بصورة مقيتة، ولعل المطلع على حجم الوفد الإعلامي اليمني المرافق لوفد الرياض مؤخراً، في حوارات جنيف 2، يصاب بالدهشة، أيعقل أن يكون عشرات الإعلاميين هنا، ومن أجل ماذا؟ يستيقظون الصباح بحثا عن المخصصات والمصروف اليومي، يا للخيبة يا أبا رغال، لقد بعت هويتك مقابل الفراغ.
اليوم وبعد مرور أكثر من ثلاث مائة يوم من العدوان من قبل آل سعود، وتحالف باهت أثبت عروبيته العبرية الانجلو أمريكية، والدمى لا تزال تتصدر الشاشات الصفراء تدعي الوطنية كذبا وتزلفا، وتدافع عن مدن دون غيرها، وتضلل الرأي العام العالمي والعربي، حتى أصبح الجميع يعيشون حالة سبات عجيبة، غير مكترثين بالانتهاكات التي تجاوزت كل الأعراف والقيم.
تلك البراعة التي يتسول بها المرتزقة قوت أيامهم المعدودة، لن تدوم أكثر من وطن يتلقى الضربات بصمود ليس له قرين سوى هذا الشعب العظيم.
سمعت في أحد التقارير المصورة، شيخاً مسناً يخرج من بين الأنقاض ويقف أمام الكاميرا ويقول: احنا يد واحدة، رغم قصف الطائرات والصواريخ احنا صامدين. والله ما قد اصطبحت صامد. والله ما يوجد معي حاجة في البيت صامد، مش أنا وحدي أنا وغيري صامدين.
عندما تقف أمام حديث هذا الرجل العجوز، وتذهب بخيالك الى أولئك المرتزقة، زوار الفنادق والقنوات، يتبادر الى ذهنك السؤال التالي: كم هي المسافة بين الشيخ العجوز وبين هؤلاء؟ فتكون الإجابة حاضرة سبعة آلاف عام أو أكثر، وهي ذات المسافة بينهما وبين الشبل الشهيد (هاشم الحمران).
لا عزاء للمرتزقة، فبعد عشرة أشهر أقول لهم لقد نجحتم في تضليل العالم نجاحا باهراً، وطمستم على عيون الكثير، وأسستم لمؤامرة كبيرة، لكنها لن تكون أكبر من هذا الوطن، ولن تنجحوا في تحقيق أماني الملك سلمان وصبيته المراهقين، لن تنجحوا في مشروع التسهيلات للقوى العظمى الذي بدأ منذ فترة، وستجدون أنفسكم يوماً ما، بقايا آدميين على قارعة طريق مهجورة.
لن تنجحوا مهما باركتم سفك الدماء، وتدمير المقدرات، واستهداف الأبرياء العزل، والترويج لسقوط العاصمة، وكثير من الترهات التي لا يسوق لها سوى مرتزق رخيص، لن تنجحوا أبداً وكونوا على ثقة بأن اليمن سيبقى شامخاً، وستسقط كل المؤامرات.