لحظة يا زمن.. خيوط صوتية

محمد المساح
كانت الخيوط الصوتية للأغنية تصل إلى أذنيه واهية ، انشده بحسه كله وقفز من عزلته ووحدته خطوات .. خطاها دلا .. دلا .. حتى لا يجرح عبور الذبذبات اللحنية .. وتنقطع خيوط الصوت اللحني المتماوج لوعة .. وبوح شجي مختلطاً بحزن شفيف.. ربما لتلك الأسباب جذبته الأغنية .. ولم يسائل نفسه .. من أي جهة كانت تنساب الأغنية بعد منتصف الليل وقد همدت زوبعة الضجيج من حوله .. وبذلك الهدوء والصمت الشاملين حوله بدت بذبذباتها .. كأنها آتية من مكان بعيد .. فوصلت إلى أذنيه واهية .. وكأنها عبرت مسافات طويلة ، ومرت في طرق وعرة حتى وصلت بخيوطها الصوتية إلى جدار الأذن .. حيث المدى الأخير والنهائي لها وما بعده .. غير بقية ليل يعبر الفراغ كشأنها .
وهو يصيخ للتتابع اللحني مشدوهاً .. يحاول بجهد جهيد لتجميع الحواس كلها .. وينتزع الكلمات من سياقها اللحني وهد تتدور .. وتتموج لحنياً .. لم يحالفه الحظ أبداً في استخراج .. أية كلمة أو على أقصى .. حرف أو حرفين.
وهو منشده ولا يزال .. في وقفته الضارعة .. شاهد ظله المرسوم على الجدار ساكناً .. وكأنه انبثق أمامه كصديق أتى في التوه واللحظة .. ليشاركه .. الإنصات .. لتلك الأغنية العذبة في تعرج حبالها الصوتية واللحنية .. وهي تلامس جدار الإذن .. فأثارت في أعماقه الساكنة دوائر الشجن والحنين .
بينما خفتت .. وبتدرج الأغنية مع لحنها الحزين .. وعاد الصمت حوله .. وهو يتساءل يعارك نفسه التي كانت في حال عزلتها ووحدتها .. كيف انتقلت إلى حال .. آخر .. أنطفأ الضوء .. فانمحى الظل وبقي وحيداً بقية الليل عابر في مداره الزمني .. وربما .. الذي أثار الشجن بقية ليل عبر حواسه ذات زمن ويعود كطيف ثم يغيب.

قد يعجبك ايضا