اليمن تحدد مستقبل المنطقة

 

عبدالرحمن مراد

مثلما كان دورها ريادياً في تاريخها الغابر، ومثلما كان انتصارها للمشروع الإسلامي الذي تكالبت عليه قريش واليهود وتحالفوا ضده في صدر الاسلام، هاهو التاريخ يعيد الكرة إلى الملعب، ويجعلها تتحرك وفق إرادة خفية لا نعلم كثيراً من أسرارها إلا أن الرموز والإشارات التي يبعثها الواقع تقول إن اليمن تنتصر للمشروع الذي بزغ في جزيرة العرب وحاول الاعراب واليهود عرقلته في زمن بزوغه ففشلوا وهاهم يعيدون الكرة، لكن هذه المرة بصبغة دينية إسلامية تعمل ما في وسعها من جهد على تشويه المنطلق العقائدي والبعد الاخلاقي والحضاري والانساني والاغترب المعرفي، وهي أدوات لجأ إليها يهود هذا العصر لبيان فساد المعتقد ووحشية المسلم وهي تطعن في الاسلام من داخله من عمقه الثقافي ومن عمقه الاخلاقي وعمقه الحضاري لهدف الفصل الحضاري، أي وضع الحد الفاصل بين القيمة الحضارية والقيمة المعرفية التي وصل إليها الإنسان وبين المشروع الرباني الروحاني الذي ندعي انتماءنا إليه ونقول إنه يحمل حلولاً جذرية للمشكلات التي تواجه البشر دون أن نعمل على بيان قيمته الحضارية والثقافية ودون أن تتحول الفكرة الدينية والعقدية إلى مشروع إنساني شامل يجد فيه بؤساء هذا الكون قيمتهم ويشعرون في تفاصيله بوجودهم.
لقد حاول اليهود من خلال تحالفم مع آل سعود أن يؤدوا ذات الدور التاريخي الذي حدث في صدر الإسلام وتحدث عنه القرآن الكريم في جل آياته وتواترت الروايات التاريخية عنه في كتب الاخبار والسير والهدف ما يزال هو نفسه منذ ذلك التاريخ وهو الطعن في القيمة المعرفية والحضارية والإنسانية والثقافية للإسلام وقد نجح اليهود إلى حد ما في تشويه الصورة المثلى للإسلام حتى في نفوس أبنائه الذين هرعوا إلى إنارة السؤال الاخلاقي والحضاري للإسلام ونشط في الحركة المعرفية والثقافية بعد أن قامت تلك الحركات الارهابية الاستخبارية بالمهام المناطة بها وخاصة حركات داعش والقاعدة والنصرة وغير تلك المسميات التي تعمل بدعم من الجهاز الاستخباري العالمي بهدف التبرير لفرض الهيمنة على مقدرات الأمة الإسلامية واستمرار تدفق الأموال والتلاعب بالمصالح التي تضمن للغرب المستعمر دوامها.
الموضوع لم يعد تحت الطاولة فرئيس الوزراء الاسرائيلي يخرج على الملأ من المسلمين قائلاً: إن تحالف إسرائيل مع السعودية تحالف استراتيجي وبمثل ذلك صرح وزير الخارجية الامريكي كيري، ويبدو أن الغرب الذي كان يرى في البعد الأخلاقي والبعد الإنساني والبعد الحضاري أدوات جوهرية في التبرير لفرض اجنداته على الانظمة العربية قد تحول إلى الجماعات الإرهابية التي نشأت في البيئة الوهابية العقائدية والثقافية فهو يعمل في حالين متضادين، الحال الأول دعم تلك الجماعات للتمكين لها في المناطق التي تشكل النطاق الجغرافي للثروة ومصادر الطاقة وتقوم تلك الجماعات يبيع الغاز والمشتقات النفطية بثمن بخس للشركات العالمية وعبر وسطاء اتضح أن الأتراك جزء مفصلي من اللعبة الحقيرة، والحال الثاني إعلان الحرب على تلك الجماعات عبر التحالفات الدولية التي لا تصل إلى تحقيق أي تقدم على الأرض، والهدف من الفوضى الخلاقة التي انتهجها المجتمع الدولي هو فرض الهيمنة على مصادر الطاقة وتبرير التواجد العسكري حتى يتمكن من السيطرة على مقاليد المستقبل دون أن يحدث انحراف في المستقبل.
ومن هنا يمكن أن يقال إن الصمود اليمني أمام ضراوة العدوان ووحشيته قد رفع الغطاء عن المنظمات الدولية للحقوق والحريات، وعن الامم المتحدة ومجلس الأمن الذي أفصح عن نفسه في حالة من الضعف والحياد ولم يكن إلا مجرد أداة تحركها المصالح والشركات العالمية العابرة للقارات واتضح أن الأبعاد الانسانية والاخلاقية والثقافية أدوات فاقدة للمضمون والمعنى وفي السياق تبين للرأي العام العالمي والانساني أن الحركات الإرهابية التي تعيث في الأرض فساداً ليست صناعة إسلامية بامتياز بل صناعة دولية استخبارية بامتياز ومقاصدها واضحة، وقد تحدثت التفاعلات اليومية في اليمن أن تلك الحركات الإرهابية أو هى من خيط العنكبوت وفي المقابل فوجودها مرتبط بالجهاز الاستخباري الامريكي والاسرائيلي وبالدعم غير المحدود من دول النفط التي تذهب إلى القضاء على المشروع الإسلامي تحت لافتة الحد من المد الشيعي.
ما حدث في اليمن على مدى عشرة أشهر من الزمان رفع الغطاء عن أدوات الغرب في فرض الهيمنة والسيطرة على مصادر الطاقة كما أن صمود أهل اليمن سيرسم مستقبل المنطقة وتلك مهمة تاريخية ظلت اليمن تقوم بها منذ صدر الإسلام.

قد يعجبك ايضا