* بقلم: صوفيا أكرم
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا إن هناك المزيد من الأدلة على استخدام قنابل عنقودية تم اكتشافها على شارع الزراعة في العاصمة اليمنية صنعاء.
عثر السكان على آثار أحدثتها قنابل صغيرة مطلقة من هذه القنابل القاتلة على طول الشارع في المنازل وعلى سياراتهم وحتى في رياض الأطفال في المنطقة.
إن القنبلة المشار إليها في التقارير والتي عثر عليها في المنطقة والتي أسقطت من قبل قوات التحالف التي تقودها السعودية في حملتهم المتمثلة بالغارات الجوية، كشفت علامات تدل على أنها أنتجت في مصنع أمريكي في ولاية تينيسي.
الحقائق أعلاه دامغة ولكن بسبب التعقيدات وعدم جدوى القانون الدولي، فإنه على الأرجح لن يستدعى أحد لغرض المساءلة.
> جــريــمــة حــرب
إن الذخائر العنقودية هي أسلحة سيئة، كما أن الغارات الجوية في حد ذاتها مدانة للغاية نظراً لما قد تسببه من ضرر للبنية التحتية وأذى على المدنيين وخاصة في المناطق المأهولة بالسكان. ومع ذلك، فإن هذه ليست مجرد متفجرات تنفجر لمرة واحدة فقط – إذ أن القنابل العنقودية تطلق العديد من القنيبلات أصغر منها والقنبلة التي وجدت على شارع الزراعة ربما قد أخرجت ما يصل إلى 650 من الذخائر الصغيرة – وهي لها تأثير يتمثل في ضرب أهداف أرضية مثل السيارات والبشر. وعلاوةً على ذلك، من المستحيل توجيه هذه القنابل.
منذ بدأت قوات التحالف التي تقودها السعودية هجومها في اليمن، تم توثيق القنابل العنقودية المستخدمة من قبل الغارات الجوية والتي تبين أنها صنعت في الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن هناك اتفاقية دولية بشأن القنابل العنقودية وقعت عليها 118 دولة لحظر استخدام الذخائر العنقودية في أي صراع مسلح، غير أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لم توقعان عليها.
ومع ذلك، وفقا للقانون الأمريكي، فإن قانون الحماية المدنية ضد الذخائر العنقودية للعام 2011 يحد من استخدام ونقل القنابل العنقودية إلى الدول التي تقل فيها نسبة الفشل عن واحد بالمائة، كما أنه يحظر استخدامها في المناطق المدنية. ويتطلب وجود خطة نزع إذا تم استخدام الذخيرة العنقودية الأمريكية على هيئة ذخائر غير متفجرة، والتي تعمل أساسا كألغام أرضية.
وتشير العلامات التي تم العثور عليها في صنعاء إلى أن القنابل تم تصنيعها في عام 1978، أي قبل أن تقوم الولايات المتحدة ببذل الجهود من أجل زيادة مستوى الثقة بما تم تصنيعه من مخزونها. من ناحية أخرى، على الرغم من أن الهدف في هذه الحالة كان عسكرياً، إلا أنه تم استخدمها في أرجاء منطقة مأهولة بالسكان وهو ما يعد انتهاكاً مباشراً لسياسة الولايات المتحدة وكذلك القانون الدولي بشأن النزاعات المسلحة. وتنص المادة 51 (1) (ب) من البروتوكول الإضافي لاتفاقية جنيف الأولى على أن أي عمل غير مشروع وذا طبيعة عشوائية لا يمكن توجيهه خصيصا لهدف عسكري، كما أن القنابل العنقودية إذا ما أطلقت في مناطق مأهولة بالسكان لا شك أنها ستؤثر بأهداف غير عسكرية، بحكم طبيعتها.
> مسؤولية الولايات المتحدة
مسؤولية الولايات المتحدة واضحة لسببين؛ أولا، إن أمريكا طرف في النزاع عن طريق توفير المعلومات الاستخباراتية كما أنها توفر الأسلحة إلى دولة من الممكن أن تكون مسؤولة عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. فمنذ بداية الصراع، تسببت الغارات الجوية السعودية بوقوع ضحايا مدنيين على نطاق واسع مما استدعى إجراء تحقيق من قبل الأمم المتحدة.
ثانيا، تقوم الولايات المتحدة بتقديم الأسلحة على هيئة ما يسمى بنقل “قانوني” لدولة تعتبر مسؤولة عن انتهاكات لحقوق الإنسان.
ومع ذلك، بدون وجود أي طائرات في الأجواء أو جنود على الأرض، هل يا تـُرى سيقوم الجهاز القانوني المعني بمحاسبة الولايات المتحدة؟
لقد كانت لجنة القانون الدولي واضحة في هذا الصدد وظلت ترى أن أي دولة تعتبر مسؤولة عن أي فعل غير مشروع لمجرد مساعدتها لدولة أخرى في هذا الفعل متى ما كانت تعلم الظروف المكتنفة لهذا الفعل. ولم يكن لدى اللجنة أي مشكلة في تطبيق ذلك على مبيعات الدولة من الأسلحة وقد تمت بلورة هذا المنطق إلى معاهدة تجارة الأسلحة التي تعتبر الولايات المتحدة طرفا فيها وموقعة عليها.
وبغض النظر عن القانون الدولي، فإن الولايات المتحدة مخالفة لقانونها الداخلي الخاص بها. فقانون المساعدات الخارجية للعام 1961 وتعديلاته يشمل الفقرة 620M التي تنص على:
“يجب عدم تقديم أي مساعدة إلى أي وحدة من قوات الأمن في بلد أجنبي إذا كان وزير الخارجية لديه معلومات موثوق بها تفيد بأن هذه الوحدة قد ارتكب انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان.”
> سابقة سيئة أمريكا تعرقل إجراء تحقيق دولي
إن سابقة اتهام أطراف ثالثة ضعيفة. ولعل المثال الذي ربما يوفر بصيص من الأمل في تلك المحاكمات قد وقع في قضية تشارلز تايلور، الذي وجه إليه اتهام من المحكمة الخاصة لسيراليون بعد تقديم أسلحة للمتمردين خلال الحرب الأهلية في سيراليون، حيث ارتكبت جرائم حرب من قبل الجبهة الثورية المتحدة المتمردة. إنه، على الأقل، مثال على مكمن التحقق من المسؤولية الجنائية لغرض تقديم دعم مادي ضد مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان.
عندما تكون هناك معاهدات واتفاقيات ملزمة دوليا وكذلك تشريعات وطنية، حينها يوجد الأساس لإجبار الولايات المتحدة على وقف مبيعات الأسلحة أو مواجهات تبعات ذلك.
ومع ذلك، هناك سابقة قوية تبين أن ذلك لن يحدث أيضاً، إذ أن الولايات المتحدة من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومن شأنها أن تعترض على جميع القرارات الرئيسية المتعلقة بإجراء تحقيق من قبل الأمم المتحدة، وهو أمر ضروري لتحديد ما إذا كانت قد وقعت انتهاكات لحقوق الإنسان أم لا، على الرغم من أن هناك دليلا واضحاً على هذه الجرائم. وعلاوة على ذلك، تترأس المملكة العربية السعودية مجلس حقوق الإنسان الذي قد قام بالفعل بوقف الجهود لفتح تحقيق.
> دعوة غير مثمرة من أجل العدالة
عندما تكون الولايات المتحدة واحدة من أكبر مصدري الأسلحة وتكون المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر مستورديها، فلاشك ستكون هناك عملية مضادة قوية ضد جهود الدعوة في إنشاء أي تحقيق، وهذا سوف يضر حتما بالعلاقة الثنائية طويلة الأمد مع المملكة العربية السعودية .
حسب ما ينص عليه القانون المحلي، فإن الفقرة 620M من قانون المساعدات الخارجية لم تظهر أي تقدم عند اللجوء في صفقات الأسلحة التي يبغي أن تكون فيه اعتبارات حقوق الإنسان في المقدمة. إن صفقات الأسلحة إلى كل من إسرائيل وكولومبيا، كمثالين توجد فيهما أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان من جانب كلا الجيشين، قد استمرا دون ظهور أي تبعات.
وعلى ما يبدو فإن القانون ليس هو المشكلة؛ بل إنها الآلية التي يتم من خلالها تنفيذ هذه القوانين. إن المطلوب هو صرخة مستمرة من المجتمع المدني للمطالبة باتخاذ إجراء بشأن الأسلحة العنقودية. فهذا قد يفضح أوجه القصور في الكونغرس، والممارسات التي عفا عليها الزمن للأمم المتحدة وقد يحدث ضغطاً على المزيد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، كي توافق على حظر القنابل العنقودية تماما كما نجح في حملته العالمية لحظر الألغام الأرضية.