السوق السوداء.. مخاطر خفية تتحرك ضد الاقتصاد اليمني

900مليار ريال سنوياً حجم تجارة المشتقات النفطية:

¶ حجم السيولة التي تدار في السوق السوداء مليارات الريالات شهرياً
تحقيق/ أحمد الطيار
حين نندد بالسوق السوداء المنتشرة في أوعية الاقتصاد اليمني في أيامنا الحالية ينبري العديد من السياسيين وغيرهم للقول إن السوق السوداء هي من توفر الغذاء والمشتقات النفطية للمجتمع اليمني في ظل العدوان والحرب الخارجية عليه والاقتتال الداخلي وهو ما يمنح هذا السوق القوة للانتشار والنمو ،لكننا نقول: لا إن مخاطر هذه السوق هي اكبر مما تتوقعون وان نتيجتها ستكون انهيار الاقتصاد اليمني تماما فهل هذا ما تتخوفون من حدوثه أم انكم تحققون رغبة الدول التي تعتدي عليكم ليل نهار في ان يكون انهيار اليمن ليس من باب العسكر والحرب بل من باب لم تتوقعوه وهو الاقتصاد.

مخاطر
أول مخاطر السوق السوداء التي لم يدركها السياسيون اليمنيون أنها أقامت سوقا موازيا للسوق الرسمي في ثلاث جوانب الأول المشتقات النفطية وثانيها سوق الصرف وثالثها التهريب ففي سوق المشتقات النفطية توسعت السوق السوداء حتى باتت تحتكر تجارة البنزين والديزل والغاز المنزلي وهما اكبر السلع الاستهلاكية في اليمن وتصل قيمة الإنتاج فيها إلى نحو 900 مليار ريال سنويا والآن باتت تحت يد السوق السوداء التي تدار من قبل تجارة القطاع الخاص المتخصصين بهذه السلع منذ عشرات السنيين وهم أنفسهم من عملوا في النظام السابق والذي قبل وكل الأنظمة ولم تتغير قوتهم ولا خطورتهم إلا بتغير الحكام السياسيين .
هدف خبيث
توسع السوق السوداء هدف خبيث يهدف العدوان من ورائه ليس رحمة بالشعب اليمني كما يروج، وإنما لتمويل العدوان لعملائه، من ناحية، ومن ناحية أخرى سحب العملة الأجنبية من السوق ومن أيدي العامة يصبح شعبا فقيراً.. ومن ناحية ثالثة حرمان دوائر الجهاز الحكومي من الريع الضريبي والجمركي، ومن ناحية رابعة ضرب صناعاتك المحلية.. وهذا هو مغزى الحصار الاقتصاد الذي أثر بوجه عام على أنشطة الاقتصاد فعندما تتوقف الواردات بطرقها الرسمية وهي تغطي جزءاً كبيراً من سوقك الاستهلاكية وتشكل نسبة عالية جداً من مدخلات صناعاتك الوطنية.. فهذه تضرب ما تبقى من قدرات الإنتاجية مستويات معيشة المجتمع وترفع مؤشرات الفقر والبطالة والإفلاس، وصولاً إلى خلق عدم الثقة الشعبية والمجتمع بالنظام القائم وأنه غير قادر على حل وضع الناس المعيشي.
المشتقات النفطية
احدث الأرقام للأسعار تقول إن سعر برميل الديزل انخفض أمس في العاصمة صنعاء من 50 ألف ريال إلى 35 ألف ريال ويقوم تجار السوق السوداء ببيعه بهذا السعر بعد أن انخفضت الأسعار في الأسواق الخارجية بمقدار 30%،فيما تجار البنزين لايزالون عند مستوى 6500 ريال للدبة وهي تفوق نظيرتها في السعودية والإمارات بحوالي 300%.
الائتمان
حجم السيولة النقدية التي تديرها السوق السوداء تصل لمليارات الريالات في الشهر وهي أموال تشمل المشتقات النفطية والغاز المنزلي والمواد المهربة الخاصة بالسلع الغذائية هذه الأموال لم تعد داخل القطاع المصرفي بل هي سيولة نقدية مباشرة تسلم باليد من تاجر لآخر وفقا لنشاط السوق وهذه المبالغ من اكبر المخاطر التي تواجه الاقتصاد الوطني لأنها تؤول في الأخير للمضاربة على الدولار والعملات الصعبة دون رقيب أو حسيب ،ويعتقد أن المضاربات التي تحصل على الدولار سببها محاولات التجار للحصول على العملة الصعبة نظير بيع المشتقات النفطية للسوق .
ويشير محسن الفلاحي خبير مصرفي إلى أن تجار السوق السوداء لم يتعاملوا مع البنوك وكل معاملاتهم نقدية مباشرة وسيولتهم يتم تسييلها من الريال اليمني إلى العملات الأجنبية ولهذا هم سبب تراجع صرف الريال اليمني الى250 ريالا.
التعويم اب للسوق السوداء
يعتقد الاقتصاديون أن فكرة تعويم سوق المشتقات النفطية هي التي فتحت شهية التجار لفتح السوق السوداء بكل عناوينها مستغلين الوضع السياسي والحرب فيما في الحقيقية أنها قصمت أي وجود للسوق النظامي وغلغلت القطاع غير المنظم في الاقتصاد ويعتقد احمد حجر الخبير الاقتصادي والمالي أنها في الأساس فكرة اقتصادية بامتياز لكن تطبيقها في اليمن في هذا الوقت لم تكن صائبة فقد كان يجب دراسة الوضع القائم من ناحية سياسية واقتصادية ومجتمعية وآثار الحصار، مشيرا إلى أن اليمن لم تكن لديه قدرة على تنفيذ القرار وفق عمل قانوني عادل يتزامن معه تنفيذ إجراءات ومعالجات موائمة لطبيعة الوضع القائم، بحيث تكون هذه المعالجات كفيلة بالضبط والتقنين لتقطع طريق الاحتكار واستغلال ظروف الحرب على العدوان، وعلى القطاع الخاص.
ويرى حجر أن القطاع الخاص اليوم يلعب ويوسع نطاق السوق السوداء، لأن كل رموزه التي تستورد هي موالية للرياض، ولو كان لدى العدوان جزء من أخلاقيات الإنسانية وليس المحارب النبيل فهم لا يفقهون قيم الإنسانية قبل قيم الحرب لأعطى التراخيص لشركة النفط والقطاع الخاص دون تصنيف، لكن العدوان يهدف إلى حرب المجتمع اقتصادياً بعد فشله العسكري.
ما الذي كان يجب قبل إصدار قرار التعويم..؟
حرب العملة
في مكتب احد اكبر تجار السوق السوداء للمشتقات النفطية كانت الأموال تكدس بالشوالات وبجانبها أرقام للمبالغ بل كل شوال وعليها اسم التاجر الذي يريد أن يشتري كمية من المشتقات النفطية بالأطنان ولاحظت انه لا يتم الالتفات لطلبه ما لم يأتهم تأكيد من صراف ما انه قد قبل تحويل تلك الأموال للدولار وعندها يتم تسليمه الكمية المطلوبة.
أما أصحاب المحلات التجارية والفنادق وغيرهم ممن يحتاجون كمية تصل لعشرة براميل او اكثر مثلا فهم يأتون بالمبلغ محولا بالدولار لأنهم يجمعون ما لديهم من مبالغ ويوصلونها لتجار السوق السوداء.
المهربون
نشاط المهربين شيء لم يجد اليمن مثيلا له فقد جلبوا كل شيء وحملوا ما يمكن حمله للسوق بدءأ من الدواء وانتهاء بالجبن المثلث للأطفال لكن اللافت للنظر كيف استطاع المهربون تهريب منتجات الشركات الكبرى ذات التوكيلات الحصرية كالحليب الألبان والزيوت والآلات وأخيرا مستلزمات الطاقة الشمسية ،ففي سوق الحصبة هناك مهربون يبيعون منتجات الألبان بأقل من سعر الوكيل بـ1000 ريال للعلبة الواحدة لكن لا يعلم إلا الله مدى جودتها فالرقابة لم تعد هناك.
المهربون يقدمون هذا العمل لكن ثمنه لا يجب أن يدفع إلا بالدولار فهم لا يقبضون بالعملة المحلية وهكذا يتزايد الضغط على الريال اليمني في كل وقت وأوان وحين عندما تستشري السوق السوداء .
ويؤكد الخبير الاقتصادي حجر أن تجار السوق السوداء يتهافتون على الدولار، منهم من يريد الاستيراد، ومنهم من استغل القرار للمضاربة في الدولار بإيعاز من دول العدوان.. فاقتصادياً أتاح القرار فرصة للخصم لمحاربتك اقتصادياً.. فعندما تقدم تصاريح لدخول المشتقات النفطية المربوطة بسماح تحالف العدوان، فلن تسمح بإدخال المشتقات إلا لألد خصوم المجتمع، إلى حد أن النظام السعودي يعرف المستوردين وانتماءاتهم، ويعطي الترخيص والكميات لمن يوافق هواه، ويحقق الأهداف التي يريدها من إدخال النفط بأن يتم البيع في السوق السوداء وبالسعر التجاري والمضاربة في أسعار الدولار.. ناهيك عن كون معظم الناقلات والمحطات هي لمافيا سابقة تحت أسماء وهمية كانت ولم تزل تابعة لمتنفذين أغلبهم في الرياض.. وأصبحتَ كنظام سياسي بين خيارين إما أن ترفع السوق السوداء فتشتد الأزمة.. أو تسمح بها جزئياً في إطار تقنيني، لكن الإشكالية الآن تكمن في عدم القدرة على السيطرة في ظل الوضع القائم والمنفلت..
السيولة مفقودة
لا يبدو صمود الريال اليمني إلا كمعجزة من وجه نظر الاقتصاديين كما يقول حجر حيث يرى أن صمود العملة المحلية أمام هذا العدوان والحصار يعود إلى إغلاق باب الاستيراد لمختلف السلع التي تأتي من الخارج وعلى رأسها السلع الرأسمالية المتعلقة بمدخلات الاستثمار والإنتاج المحلي إلى جانب توقف الطلب عليها بفعل التوقف الإجباري لعجلة الاستثمار. ومن عوامل صمود الريال أيضاً أن النفقات وصلت حدودها الدنيا- بفعل الترشيد – فعكست نفسها على مداخيل المجتمع التي غدت منخفضة لا تسمح إلا بما هو ضروري لاستمرار الحياة، وبالتالي الطلب النقدي للدولار انخفض.. فـ 80 % من السكان اليوم يعيشون تحت الحد المقبول للحياة. ناهيك عن الإجراءات الاحترازية للبنك المركزي المتصلة باعتماد التداول الرئيسي للعملة الوطنية، وعدم السماح للصيارفة بالمضاربة بالدولار.

قد يعجبك ايضا