بلقيس كامل
يطل علينا الغلاف بصورة فتاة تمسك زهرة الفخ كما تسمى التي تتغذى هنا على الفراشات و نرى تساقط قطرات الدم نتيجة الأشواك التي تنهش في عنق و أنامل تلك الفتاة وهي تأبى إلا التمسك بها فهي ترى الجمال و تتغاضى عن القبح … تشعر بالتفاؤل وتتغاضى عن الفراغ القاتل المحيط بها فهي تسمو فوق السحاب و تترقى بالأمل وتتمنى النجاة لتزرع تلك الأرض الجدباء خلفها وتسقيها بدمائها لتزهر ورداً جورياً يعبق فرحا ً و ينشر السعادة .
أسماء سطرت لنا 18 قصة قصيرة بعناوين لافتة مثل مشاعر كهربائية كناية مأساة انقطاع الكهرباء وما خلفته على العائلات ودورة تدريبية كناية عن أعذار الخيانة و ممنوح للغاية كناية عن المنع التام بمفردات بسيطة و تراكيب لغوية سهلة تحمل رغم بساطتها معان كبيرة و تسلسل منساب كالشلال من قصة الى أخرى بنغمات مختلفة . من الملفت عدم إطلاق أسماء علم للشخصيات في القصة وكأن الكاتبة قصدت ذلك لتعبر عن وجود أي فتاة و كل فتاة في قصصها باستثناء أسم ” أسماء ” في قصة ” عرض وزير” حيث أن الكل يعرف اسمها فقط و هي لا تعرف أي شخص في تلك الدورة التدريبية إلى اقل ما يمكن وصفها بالغرابة التامة ….
نبدأ مشوارنا بـ قصة ” تأسره كعادتها ” تحكي عن طغيان السلطة وسوء استعمالها و مدى براءة و سذاجة القادمين من خارج المدينة و استغلالهم ويحضر هنا لقب الوزير ويعاود الظهور في قصة “عرض وزير” لتعكس نفاق ما يحدث خلف الستائر والوجوه الباسمة في الظاهر مجاملة لأصحاب السلطة و تملقهم وشرارة النظرات في غيابهم … واقع مرير يتكرر من يؤدونه في كل دائرة حكومية … وللمرة الثالثة يحضر الوزير في قصة ” قطع و سكر” بكبريائه ويتصرف بتعال ويتجاهل الآخرين … في القصة الثانية بعنوان ” ممنوح للغاية ” تلخصها أغنية فيروز أهواك بلا أمل والحكمة القائلة إرضاء الناس غاية لا تدرك . ثم تنقلنا الكاتبة الى عنوان جديد” تفاصيل ” حيث نجد فيها نقد للمعاملات الحكومية ومدى سخريتهم من الأشخاص و كذلك قصة “تفاصيل ” التي تتحدث عن الثيم ذاته المتعلق بالدوائر الحكومية و كيفية قتل الوقت لنقاشات تافهة … هناك خيط متصل بالقصة الأولى حيث شبهت البطلة بالبصلة ( طبقات وطبقات من الأقمشة كناية عن طريقة ارتدائها لملابس كثيرة , وهنا في قصة “تفاصيل ” ناقشت قضية النقاب ) …
في قصة ” غياب ” تحكي عن المختفين قسرياً ومأساة المختطفين والتقطت لنا لحظة رجوع طفل إلى حضن أمهّ بعد طول غياب وامتزاج مشاعر الفرح بالحزن … في قصة ” لحظة ” نرى شخصيات متعددة في كبينات الهاتف حيث لخصت حيوات المتصلين بين ثأر يبحث عن فريسته وبين فتاة تخون أسرتها مع عاشق خفي و طفل يسرق ثوانٍ مع أبيه وعجوز تبحث عن مأوى بعد تقدمها في العمر … قصص مؤثرة تحكي واقعاً مريراً .. ومنها إلى قصة ” بيتزا ” التي تحكي عن ثورات الربيع العربي و كيف أن تقليد الآخرين بدون وعي يصل بنا الى نهايات لا تحمد عقباها .. الطباخون هم صناع القرار والبيتزا سياسة الدولة و نظام حكمها العتيق والاجتماع كناية عن حوارات السلم التي لا تنتج سوى مزيد من الحروب و ثلاثة عقود رمزية، حكم بائد و في الأخير إذا كثر الطباخون فسد المرق .. ويجب نقل كل شيء … ” “مشاعر كهربائية ” تحكي عن مأساة انقطاع الكهرباء و رصد لحظات عائلية في غيابها و سؤال يُطرح لو كانت الكهرباء كائناً حياً بماذا تشعر بعد كل هذا الهوان والاعتداءات المتكررة الإجابة بالتأكيد الانتحار … أما في قصة ” جريمة ” سوء الظن ومحاولة قتل الجمال و طمس ملامح العلم بسبب إشاعة ورؤية الأمور من منظور واحد ضيق للغاية .. “شارع الخوف ” من أجمل القصص التي أعجبتني فعلا .. حين تضج أفكارنا و تطفو أكبر مسببات القلق .. حين نشعر بالخوف ونتخيل تواطؤ كل الأشياء ضدنا ونتذكر أخطاءنا ونلوم ذواتنا و نكون أقرب للصراحة والمكاشفة لمحاسبة الذات … ونتفاجأ انه لم يكن هناك داع لكل ذلك لو امتلاكنا الجرأة وتوقفنا لنواجه تلك المخاوف
“شمس الحور ” تحكي عن سوء اختيار شريكة العمر و التسرع في الارتباط ومشاكل عائلية تثقل الهموم وتنهي العمر
“شبح ” تناقش قضية عمالة الأطفال وكيف تقضي على مستقبلهم وتجعلهم غير مرئيين بالنسبة لنا
“معروف ” ومضات عن الأشخاص الذين نعرفهم و نقابلهم في مواقف مختلفة في حياتنا اليومية مثل الباص …
” خادم” كما تدين تدان نظرتنا الدنيوية للمظاهر و تحجيم الشخوص في مقابل كسر وقتل البراءة بالرسائل السلبية و عدم رؤية الجمال الحقيقي فالجمال جمال الروح …
“دورة تدريبية” تلخص أعذار المتزوجين لزوجاتهم وتناسيهم للحاسة السادسة عند المرأة قتل بطيء لكل شيء جميل
“مرآة ” الاهتمام بالمظهر الخارجي وتجميله على حساب جمال الروح مصيبة الجيل الجديد واتهام المرآة وتحميلها الوزر والجناية عليها بالتكسير لإظهارها الحقيقة …
في الأخير أتمنى لقلم الغالية أسماء الحياة..!!