بقلم: إيسا دورا كواي
قد يكون إجراء حديث قصير أمراً صعباً مع شخص يعيش في اليمن، حيث غالباً ما تتحول الأسئلة عن الأهل إلى استفسارات عن أقارب موتى. وإذا ما تحدثت عن نوم تعيس في إحدى الليالي قد تجد نفسك في محادثة حول غارات ليلية.
كان هذا هو الحال مؤخرا في الأردن، عندما ركضت إلى صديق وزميل قديم، بشرى الدخينة. إنها تعمل مديراً إقليمياً للاستجابة للطوارئ لدى منظمة كير في اليمن، ولم يأخذ الحديث منا وقتا طويلا حتى تحول إلى صدمة من صدمات الحياة اليومية في بلد يتعرض لحرب وحشية تقودها السعودية، ولقد خبرتني عن الليالي الطوال التي أفقد القصف النوم فيها. وأخبرتني عن أفراد أسرتها الذين قتلوا في العدوان وعن نصف مليون طفل يوشكون أن يموتوا من الجوع.
ورغم أن كل هذه الأهوال ما تزال جارية، إلا أنها قصص لا تكاد تـُذكر في جدول الأعمال العالمي.
إن اليمن، المتاخم مباشرةً للمملكة العربية السعودية من جهة الجنوب، يعتبر من أفقر البلدان في الشرق الأوسط. وحتى قبل الصراع الحالي، كان يعتمد على استيراد 70 في المائة من وقوده و80 في المائة من احتياجاته الغذائية و100 في المائة من الأدوية التي يحتاجها شعبه. وفي ظل إغلاق موانيها ومطاراتها جراء الحصار العسكري، فقد أضحى الآن القليل جدا من جميع الأشياء متاحاً أمام المدنيين. قبل الحرب، كان أكثر من 10 ملايين يمني يعانون من الجوع ولكن الآن العديد يواجهون نقصا حادا في المواد الغذائية.
لاشك أن هذه الأرقام صادمة، لكن الحقيقة المحزنة هي أنها تـُتجاهل بسهولة في أستراليا وأجزاء أخرى من العالم الغربي. والجدير بالذكر أن سكان اليمن يبلغ عددهم 24 مليون نسمة، أي ما يقارب عدد سكان أستراليا.
والآن دعونا نأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن هناك 21 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
هذا العدد يفوق عدد البشر الذين يحتاجون إلى مساعدة في كل من سوريا وجنوب السودان مجتمعتين. ولقد سقط خلال ستة أشهر فقط ما يقرب من 6000 قتيل و26000 جريح نتيجة الغارات والقصف المستمر على المدنيين.
وما يزيد الأمور سوءا أن اليمنيين يعيشون تحت الحصار، مع أن بلدهم واقع على الطرف الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية. إذ أن حدود المملكة العربية السعودية في الشمال مغلقة ومحصنة بشكل كبير والوصول إلى عمان في الشرق يستوجب على اليمنيين عبور صحراء شاسعة الأرجاء. ويتمثل الخيار الآخر والوحيد في تكبد عناء رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر إلى دول أفريقية لاسيما إريتريا والصومال.
وما يهم الآن هو تأثير هذه الحرب على الضحايا الأبرياء: المدنيين اليمنيين.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد الأطفال دون سن الخامسة في خطر المجاعة في اليمن قد تضاعف ثلاث مرات في العام 2015. وقد بات الموت يهدد أكثر من نصف مليون طفل، علما أن هذا الرقم كان 160 ألف قبل الصراع.
كنت مؤخرا في الأردن للمساعدة في أعمال منظمة كير للاستجابة للصراع.
هناك، تمكنت من التحدث إلى عمال الإغاثة مثل صديقتي بشرى الذين عقدوا العزم على ضمان عدم توقف أعمال الاستجابة الإنسانية، على الرغم من العديد من المخاطر التي تنطوي عليها.
لقد ظل فريق بشرى يقوم بتوزيع الطعام والمياه للحالات الطارئة، متى ما تسنى توصيل المساعدات، وظل يعمل في سبيل إعادة مصادر المياه للخدمة.
إن هذه من الأمور التي تعد من المسلمات في أستراليا، أما في اليمن فإنها تعاني من النقص الشديد للغاية.
ولكن وسط قصص اليأس هذه كان لدى بشرى بعض الأخبار السارة.
أخبرتني عن ??خيرية، وهي امرأة كانت بدأت العمل التطوعي لمنظمة كير بعد تدمير منزلها بغارة جوية. وبسبب التقاليد، لم تعمل خيرية بوظيفة قط خارج المنزل. لكن من خلال عملها مع منظمة كير، أصبحت خيرية رائدة في مجتمعها وأضحت قادرة على مساعدتهم في نيل مستوى أفضل من التمثيل في الاجتماعات المحلية وأعمال توزيع المساعدات.
إن مثل هذه الأمثلة تذكرنا بأهمية التركيز على احتياجات المرأة والفائدة التي يمكن أن تحققها للمجتمع ككل.
ولكن بالنسبة لمنظمات مثل منظمة كير فإن هناك حاجة ماسة للمزيد من التمويل كي يتسنى لها الاستمرار في مساعدة اليمنيين الذين يعانون. وكانت الأمم المتحدة قد أطلقت مناشدة من أجل اليمن لكنها لم تحظ سوى بأقل من نصف التمويل المطلوب ولم تقدم الحكومة الاسترالية أي مساعدة لأي منظمة تتعاطى مع الأزمة؛ وهذا يجب أن يتغير ويجب أن يتغير بسرعة.
نحن بحاجة أيضا إلى وسائل الإعلام للمساعدة في زيادة توضيح خبايا الصراع عسى أن يسفر عن ذلك بعض الدعم الشعبي والضغوط السياسية للتوصل إلى حل.
الآن مرة أخرى في أستراليا، وأنا أجلس للاحتفال بعيد رأس السنة مع عائلتي، لا يسعنى سوى التفكير بنساءٍ مثل بشرى وخيرية، وجميع من هم في اليمن ممن يشعرون بأن العالم قد نسيهم. كل ما يمكنني القيام به هو جلب أصواتهم إلى بلدي أستراليا وتسليط الضوء بإذن الرب على هذه الأزمة.
كانت صورة لصبي صغير جرفت الأمواج جثته الهامدة على شاطئ في تركيا قد أيقظت العالم إزاء الأزمة في سوريا.
هل ينبغي أن ننتظر المزيد من المآسي كي نهتم لأمر اليمن؟
صحيفة هيرلد صن الأمريكية