لحظة يا زمن..عود يابس

يتجلى السوق أمام البصر، وتبدو المعروضات والأشياء ببريقها المعتاد هيئات وأشكال, تكوينات متباينة وأحجام مختلفة.
ترحل العيون بلهفة الرؤية تلف في الفراغات التي تحتضن الأشياء ويكتم العارضون في أعماقهم تهليلات سرعان ما تحبط في نفوسهم لأن العيون أمامهم لا تشيء أبداً بأن أصحابها سيتقدمون أكثر من تلك الخطوة الواقفة غير بعيد من المعروض أي كان.
رغم التشجيع الذي يبديه العارضون في عيونهم.. فإن العيون المواجهة لهم.. هي عيون محتارة يضيع بصرها في بحر من الضباب الغائم لا تدري حينها هل تنكسر النفس عند المستطلع العابر، أو العارض الواقف خلق الأشياء والمعروضات.
هو السوق إذاً عارض ومعروض شاري وبائع لكن مفردات الكلام صامتة لا أحد يغامر بفتح المساومة.
الأشياء وحدها والمعروضات في وحدتها الساكنة.. محتمل أنها الوحيدة التي تتبادل الحوار في ما بينها صمتاً.. أما الناس فقد صاموا عن الكلام.
عيون تحزر، وأعيان تتحازر تسأل فلا يعود لها جواب شاف.
يمضي العابرون، يتحسسون جيوباً خاوية، يتنهدون سراً في الأعماق.. لو توجد النقود.. أين النقود؟.. لا نقود، النقود هاربة!
تتغير الأزمان كما تتلون الأيام تختلط الجغرافيا بالتاريخ، تتكون الأسئلة وتتراكم التساؤلات تفتش عن مخارج تطمئن النفس، لكن نفوس الناس تغيب في متاهات الحيرة، وتضيع في دهاليز معتمة تسأل وتعود.. كيف تكون الأيام الآتية؟
ما للحواس تصاب بالدوار، ترى الناس ينامون في سيرهم، العيون مفتوحة إلى آخر مدى.. ولا تدري ذلك الحضور يغلفه الغياب.
هل هم موجودون فعلاً.. أم تصاوير ومجرد أطياف.
يسيرون في نومهم، يغيبون في صحوهم تتعب النفس وهي تقلب الأيام, يخدرها الألم ويعجنها حزن عاتى ويحرقها مر قاهر, ليس هناك ما هو محدد ومؤكد.
انتقال من تردد إلى آخر.. وكيف الحال بين ـ بين.
لما تحررت المدينة عدت من منفاي أبحث عن وجوه الناس عن صحبي فلم أعثر على أحد وأدركني الكلال فسألت عن أهلي وعن دار لنا فاستغرب الناس السؤال وسألت عن شجر قديم كان يكتنف الطريق إلى التلال فاستغرب الناس السؤال.
أحمد عبدالمعطي حجازي

قد يعجبك ايضا