حضرموت نموذجاً
إعداد/ عبدالصمد الخولاني
لم يكتفِ تنظيم القاعدة بالقتل والترهيب , ولم تكتفِ سكين داعش –المتعطشة للدم- بالذبح وإنما توغل التنظيمان الإرهابيان في الروح اليمنية في نسف الرموز التاريخية والروحية في محاولة القضاء على التنوع الثقافي الذي اتسمت به اليمن وكان مصدر غنى ومدعاة تعايش .
وإذا كانت الحروب ومآسيها تدمي القلوب فإن هدم المساجد والقباب والأضرحة والمزارات جرائم أكبر خطراً , وآثارها الآجلة لن يكون لها حدود.
ومنذ أن سيطر تنظيم القاعدة على المكلا عاصمة محافظة حضرموت في شهر ابريل من العام الماضي بدأ بإغلاق المقابر والأماكن التي تحتوي على الرموز الدينية استعدادا لبدء حملته في هدمها حيث حشد لها متطوعين من أفراد التنظيم ومناصريه بالمدينة في خطوة وصفها الكثيرون بدعوة للاقتتال الداخلي بين أفراد المجتمع .
وباشر التنظيم عملية حملته الواسعة في هدم الأضرحة والمقامات والقباب والرموز الدينية بتفجير قبة الشيخ يعقوب بن يوسف باوزير التي تُعد من أقدم معالم مدينة المكلا ويعود تاريخها للقرن السادس الهجري حيث سويت بالأرض .
والشريف (يعقوب بن يوسف العباسي ) هو أحد علماء التصوف هاجر من بغداد وتوفي ودفن بالمكلا سنة 553هجرية ثم أقيمت حول ضريحه مقبرة في المدينة سميت باسمه (مقبرة يعقوب).
كما تم هدم وإحراق أضرحة مشائخ (آل باوزير) في مدينة غيل باوزير شرق المكلا.
وكذلك تفجير قبة المحجوب في المكلا وعدد من القباب المجاورة لها .ولهذه القباب والأضرحة أهمية كبيرة روحية وتاريخية لدى أهالي المكلا . وقد أدى هدمها إلى غضب واسع في صفوف السكان إلا أنهم يقفون مكتوفي الأيدي أمام عناصر تنظيم القاعدة التي لا تستخدم سوى العنف والسلاح.
كما تم هدم ضريح الشيخ الفقيه مزاحم بن احمد بن جابر الذي يعود تاريخ بناؤه إلى مئات السنين ويقع في مدينة بروم وهدمت كذلك خمس قبور في ثلاث قبب تاريخية تعود للسلطان عوض القعيطي والعلامة عبدالله الحداد والعلامة الحامد . وقبة مسجد بازرعة كما تم هدم تابوت الحبيب احمد بن محسن الهدار.
وتتواصل حملة هدم مساجد الصوفية وقباب ومراقد الأولياء في محافظة حضرموت التي تعتبر عاصمة التصوف في العالم ومركز الشافعية الذي يمتد تاريخه لأكثر من ألف عام.
ويرى سكان محليون بأن تنظيم القاعدة يسير على خطى تنظيم داعش , فما قام ويقوم به التنظيم من هدم وإحراق ونهب للمساجد والأضرحة والقباب والمقامات بمدينة المكلا أشبه بما قام به تنظيم داعش في مناطق الموصل وكركوك ونينوى وتلعفر بالعراق من هدم للمساجد وأضرحة الأنبياء والأولياء والصالحين .
ومن هنا نجد بأن معاقل الصوفية في حضرموت أصبحت هدفاً جديداً لتنظيم القاعدة وتصاعد وتيرة استهداف معاقل وأضرحة دينية يرتادها متصوفو حضرموت من قبل القاعدة بشكل لافت خلال هذه الفترة ما يجعل استقرار المحافظة على المحك ويضع التعايش الذي تُعرف به المحافظة أمام امتحان صعب .
ولم يقتصر عمل تنظيم القاعدة على هدم المساجد والأضرحة بل تعدى ذلك إلى اغتيال العلماء وأئمة المساجد ومنهم على سبيل المثال لا الحصر اغتيال الشيخ حسين عبدالباري العيدروس إمام جامع الحزم في مدينة شبام وهو متصوَف .
تواطؤ سعودي :
منذ سيطر تنظيم القاعدة على مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت فإن سلوكه في هدم المساجد والأضرحة واغتيال العلماء يعود إلى منهج سلفي وهابي كما هو سلوك داعش أيضا تبناه النظام السعودي وشجع عليه وهذا واحد من أسرار تواطؤ السعودية مع التنظيم المتطرف وغيره من الجماعات المتشددة التي أصبحت تمارس أنشطتها بشكل علني .
وفي ظل العدوان وانشغال الجميع بالشأن السياسي والملفين الامني والاقتصادي يمارس التنظيم المتطرف والمؤيدين له بجرف التاريخ وهدم المعالم والآثار الإسلامية التي تُعد تراثا إنسانيا قبل أن تكون تراثاً يمنياً وإسلاميا.
فهل نرضى أن نصبح بعد عدة أشهر إضافية من السكوت على عبث وإجرام القاعدة وداعش بلداً بلا تاريخ ؟ وإلى متى سيظل أبناء حضرموت موقف المتفرج ؟