خطرٌ ، وسوءٌ ، وفزع ..
عبدالرحمن غيلان
الأخطر من تجّار الحروب سماسرتها .. والأسوأ من متحذلقي الاتجار بالدين سماسرتهم .. والأنكى من فزع التضليل الإعلامي سماسرته .. وفي ذلك تبيانٌ أليم .
أما سماسرة الحروب فلولا نكايتهم بأوطانهم لما استطاع تجّار الحرام الإقدام على عدوانهم الهمجيّ ووضع نصال كوارثهم في خاصرة الشعوب المتهالكة ، وما كان لهم من موطئ قدمٍ في سوق الكادحين يبتاعون الأرض والعرض لولا تزيين السماسرة لطمع العقول القاصرة في سؤدد مجدٍ باهتٍ ساعة الوثوب ، وإيهاِم المعتدي بدعمٍ بشريّ يهتكُ به عُرى البشر كأبشع مايكون .
وأما سماسرة التحاذق اللادينيّ ، فلولا خشوعهم الكاذب ، ووجلهم المتربّص ، وانحيازهم لمصلحةٍ خاصة تحبط المصلحة العامة ، لما انبرى علماء السوء لتدبيج فتاوى القتل ، وتبرير الفعل ، وأنسنة اللاحياة ، وإسباغ عُهر الدمِ على مكاره البشر والشجر والحجر .
وأما سماسرة الفزع الإعلاميّ فقد فاقوا رفاقهم أشقياء الحروب وأدعياء التديّن ، إذ هم المسؤولون عن الترويج للسوء قبل وقوعه ، والتدبيج للفتنة أثناء حدوثها مع تفانيهم في ألا يخفت أوار سعيرها ، إذ لهم في ذلك حياة ومعاش إلى أمدٍ قد لا يدركون نهايته الوخيمة ، لكنهم يحصدون كل ساعةٍ وجعاً لا حدّ له في الذاكرة الوطنية .. ذاكرة التاريخ الذي لا يرحم من سوّلت له نفسهُ ، وأشقتْهُ طلاسمهُ ، وأفرَغتهُ تعاويذ صيرورته من ما تبقّى من حدسٍ يكابدُ قلبهُ ألا ينبض بهِ ، وعقلهُ ألا يفكّر فيهِ ، ولسانهُ ألا ينطقهُ .. وتلك هي الخيبة الكبرى ، إذ كانت الكلمة بدؤها ووعاء القول منتهى إفكها ، وديمومة لعنةٍ لن تمحوها توبة تاجر حربٍ ، أو إنابة رويبض تديّنٍ ، أو صحوة بوقٍ تضليليّ .. وتلك هي مأساة السماسرة المتجددين شكلاً ومعنىً في كلّ زمانٍ ومكانٍ تنضجُ فيه حماقة الحُكم ، واستثمار الجهل ، وسفاهة الخطاب .