اختزال التربية الوطنية في ” تحية العلم .. النشيد الوطني .. الإذاعة المدرسية ” خطأ مستمر!!

تعزيز روح الوطنية .. دور باهت للمدارس

تحقيق –  سارة الصعفاني

وسط هذا العدوان وأمام كل هذه المؤامرات وكل هذه المخاطر التي مثّل فيها بعض المحسوبين على اليمن دور الحاضن البائس لا شيء يسبق في الأهمية السؤال عن كيفية غرس وتعزيز روح الوطنية وتعميق الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن منذ الصغر.. وهنا نسأل عن دور المعلم والمنهج الدراسي وإدارة المدرسة في أداء الرسالة الوطنية والمعرفية، خصوصاً بعد الذي شاهدناه من مواقف يمنيين استمرأوا مواقعهم تحت أوصاف عملاء.. مرتزقة.. إعلام مضلل..وأدوات احتراب داخلي مساند للعدوان الخارجي.
لمعرفة دور المنهج الدراسي في تعزيز روح الانتماء للوطن والتعريف بتاريخ وحضارة اليمن سألنا طلاب المدارس فكان رد الغالبية أن مقررات مادة الاجتماعيات وضعت لتعقيد المذاكرة وتفريغ ما حفظته الذاكرة في ورقة الامتحان وليس لتعميق الانتماء والولاء للوطن وخلق وعي بقضايا الأمة العربية، فضلاً عن كثافة مادة التاريخ تحديداً التي يغلب عليها السرد لأحداث وتفاصيل هامشية وتواريخ كثيرة تشتت تركيزهم، في حين تغفل عن ذكر تاريخ وحضارة اليمن.
وعن مضامين الإذاعة المدرسية اشتكى الطلاب من عدم سماع الإذاعة المدرسية لرداءة الصوت لخلل في الميكرفون أو السماعة والسرعة في القراءة، فضلاً عن احتوائها على فقرات إذاعية ذات مضامين بائسة مملة لا تجديد فيها يختار فقراتها طالب بصفته ” مسؤولاً ثقافياً ” أو يترك الانتقاء لزملائه المشاركين في تقديم فقرات الإذاعة ، ويفترض أن يشرف على إعدادها رواد الصفوف الدراسية من المعلمين وليس فقط في الفعاليات وعند حضور القناة التعليمية للتصوير.
وهنا نتساءل عن مضمون وحال الإذاعات المدرسية طيلة أيام العام الدراسي وخصوصاً في ظل العدوان.
دور هزيل
في الحديث مع مدراء ووكلاء عدة مدارس عن دور المدرسة في تعزيز روح الوطنية في ظل ظروف العدوان تبين أن دورهم انحصر فقط في ” تحية العلم.. النشيد الوطني.. الإذاعة المدرسية ” وعن كيفية تعزيز الروح الوطنية وأهمية دور المدرسة في غرس حب اليمن خرجنا بالحصيلة التالية :
يقول عبدالله الوهبي- مدير مدرسة سيف بن ذي يزن بأمانة العاصمة- : ميزانية وزارة التربية والتعليم بالمليارات وقائمة طويلة من المؤلفين، فمثلاً.. منهج أنا أقرأ وأتعلم للصف الأول الابتدائي رغم بساطته شارك في إعداده 16 مؤلفاً في حين أن المناهج الدراسية محتوى هزيل وطمس للهوية الوطنية والقومية العربية وألغاز تفتش عن حلول في كل مواد المنهج الدراسي..أين منهج التسعينات كان ثرياً بالمعلومات والقيم، اليوم ينهي الطالب 12 سنة ولا يستفيد شيئاً وإن سألته عن تاريخ وحضارة وطنه اليمن لا يعرفه في حين أنه درس تاريخ العالم ، ولن نلقي اللوم كالعادة على الطالب فقط.. وزارة التربية والتعليم لا تضمن كفاءة ومستوى أداء المعلم في كل مدارس اليمن في القرى والمدن – حكومية وخاصة – ولكن بإمكانها إعداد منهج راقٍ متكامل بعيداً عن التكثيف العقيم وغني بالمعارف والمعلومات المختلفة، بمقدورها التركيز على تاريخ وحضارة اليمن وتعزيز روح الوطنية.
ويرى محمد الحماطي- مدير مدرسة الوحدة – أن غرس وتعزيز روح الوطنية في نفوس المواطنين تبدأ منذ الصغر، من البيت ثم المدرسة عبر الإذاعات المدرسية والنشيد الوطني وتحية العلم وكلمة تحفيزية من المدير وحصص الريادة الأسبوعية التي تعد فرصة للنقاشات، مشدداً منذ بداية العام الدراسي على أهمية دور المعلم الوطني في تعزيز روح الانتماء والولاء لليمن والتأكيد على أن الوطن فوق كل اعتبار مهما اختلفت التوجهات، محذراً إياهم من المناطقية والحزبية والمذهبية.
قضية الانتماء
من جهته يقول د. صالح الظاهري – مدير مدرسة ثانوية جمال عبدالناصر للمتفوقين – : يجب على المدارس إعداد برامج توعية وأخرى تدريبية تأهيلية في جانب تعزيز روح الوطنية تسير بالتوازي مع المنهج الدراسي بحيث يتم التركيز على القضايا الراهنة ودور الطلاب حتى يكونوا عناصر فاعلة في المجتمع.. في الفترة الماضية فعلنا دور الإذاعة المدرسية بالتركيز على قضية الولاء للوطن والمشاركة في إحياء الأعياد الوطنية وحملات التبرع بالدم واستضافة معرض للصور يكشف جرائم تحالف التوحش ويوضح دور المجتمع في مواجهة العدوان والتذكير بضرورة دعم المتضررين والنازحين، ورفع المسؤولية بالشعور بالانتماء إلى المجتمع، كما قامت المدرسة بتنفيذ برنامج الدعم النفسي للطلاب في مواجهة العدوان الذي دعت إليه وزارة التربية والتعليم، وهذه الأيام تستضيف المدرسة دورة تبنتها اليونيسيف تركز على ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع ، وكيفية التعايش وأهمية الحوار مع الآخر ونبذ العنف وعدم الدخول في صراعات طائفية أو مناطقية أو حزبية، وتوعية الطالب بضرورة انتمائه لوطنه ومجتمعه.
ويرى د. الظاهري أن قضية الانتماء الوطني لم يتم تناولها في المنهج بشكل يربط الواقع بالمنهج والتدريس حيث كانت مواضيع قديمة عامة جداً غلب عليها الطابع السياسي أكثر من الطابع الوطني وتعزيز الانتماء ،ومهمشة دور الطالب تجاه وطنه ومجتمعه ، وبالنسبة لنا كمدرسة للمتفوقين معنا برامج إضافية مثلاً نشارك مع فعاليات منظمات مجتمع مدني بحسب ما يتوفر لنا من إمكانات أو دعم خارجي بالإضافة إلى تنفيذ حقيبة تدريبية خاصة بتعزيز الولاء والانتماء ويتم تنفيذها لمدة ساعتين بعد الدوام.
وعن تصوره لدور المدارس التي لم يتوفر لها الإمكانات والاهتمام كما لمدرسة جمال عبدالناصر يقول: كل المدارس ينبغي أن يكون لها دور في مجال تعزيز حب الوطن والانتماء إليه بما هو متاح لديهم فالإذاعة المدرسية تعتبر فقرة تثقيفية مناسبة ولها تأثير كبير لو تم استغلالها لمدة ربع ساعة يومياً وتم غرس المفاهيم والقيم الوطنية في نفوس الطلاب، ولو استشعر المعلم معنى الوطنية لاستطاع تكريسه أثناء شرح دروس المقرر ، ويُفترض أن يربط المعلمُ الطالبَ بمجتمعه ويعرفه بتاريخ وحضارة بلده وينمي لديه روح الوطنية وألا يعكس مشاكله الإدارية أو المالية أو النفسية أو توجهاته الحزبية الطائفية أو المناطقية الضيقة ويغلبها على واجبه الوطني ودوره في توحيد الصف وتعزيز روح الانتماء.
مناهج بائسة
في لقاء لمعلمات التربية الوطنية والاجتماعيات بمدرسة بلقيس للبنات دار نقاش مع منى الجتيم وألطاف موسى وزميلاتهن حول تقييم المنهج وكانت الخلاصة أن دروس القومية العربية هي الطاغية على منهج الاجتماعيات على حساب دروس الإنتماء للوطن، فضلاً عن كون وزارة التربية والتعليم تخضع للحزبية في إعداد المقرر فمثلاً تم حذف فقرة رفع علي عبدالله صالح علم اليمن في يوم الوحدة وإلغاء درس جائزة رئيس الجمهورية للشباب واختلفوا في توصيف عام 94م بمعنى تعديلات مادة الاجتماعيات حزبية، ويفترض أن تكون الأحداث التاريخية بمنأى عن الحزبية كما أن الدروس دائماً مكررة ومركبة والمنهج مكثف ويعتمد على الحفظ في حين ليس فيه تعزيز للانتماء لليمن ،وبحسب إحداهن” يكفي أن أهداف ثورة 26 سبتمبر للصف الخامس ليست واضحة إطلاقاً وكأنها وضعت فقط رفعاً للعتب “!
في ظل العدوان حدثت إشكالية حيث أن مناهجنا متعلقة بدول الخليج ” دول العدوان “وهنا تقول  منى الجتيم: كيف أحدث الطالب عن العروبة فيما الدول العربية ما بين معتدية ومتواطئة، كيف أعلمه أن الخليج حامية ظهورنا وبأنها تمد أنابيب البترول من سواحلنا في حين أنها منذ عشرة أشهر تقتلنا وتقصف مقدراتنا وتدمر معالمنا الأثرية والحضارية ، فضلاً عن تاريخها الإجرامي الحاقد والناقم على اليمن, هذه أفكار متناقضة مع واقعنا ، فكيف نفرق بين سياسة حكومات وأنظمة لن تدوم وبين شعوب عربية وإن لم تحرك ساكناً ، وبحسب رأي معظم المتداخلات في النقاش يجب أن تبقى دروس الوحدة العربية والقومية كما كانت في المنهج القديم وأن تعود القضية الفلسطينية بعد أن تم إلغاؤها من المنهج ويجب حذف التمجيد الزائف لدول الخليج فأي حماية لظهور المسلمين في حين كل الدماء والدمار في الوطن العربي بسببها!
من زاوية مختلفة مناهج الدول العربية تتحدث عن اليمن في أضيق الحدود في إطار كلام يخص هذا البلد العربي أو ذاك، فمثلاً في منهج مصر تأتي اليمن ضمن الحديث عن دور مصر العظيم في تحرير اليمن من الإمامة والاستعمار البريطاني فقط، ودول الخليج تذكر في مقرراتها فقط أن اليمن دولة مجاورة تحد السعودية من الجنوب ويزيفون التاريخ بما يسيء لنا.. مؤلم أن نتحدث كثيراً عن العروبة والقومية في حين نجد اليمن العريق مهمشاً في مناهجهم وضحية في واقعهم؟
وتقول هلالة الحزورة – معلمة مادة التربية الوطنية في مدرسة الوحدة – : المقرر هو مجرد سرد لما حدث كثورتي 26 سبتمبر و 14 أكتوبر وأوضاع اليمن في فترة حكم الإمام، أهداف الوحدة ، الأسرة اليمنية والحفاظ عليها ، إدارة ميزانية الأسرة، التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية ، تخطيط ميزانية الدولة، أو مفردات الدستور، الإدارة المحلية ، البيئة ، سلطات الحكم ، الشورى، الديمقراطية بمعنى مضامين جامدة لا تغرس حب اليمن والانتماء له والاعتزاز به ؛ فالدور كله على المدرس الوطني المتمكن أن يعرف الطالب بتاريخ وحضارة بلاد هو يغرس في نفسه المواطنة ويربط ماضي الأحداث بالحاضر.
وتتفق معها سلوى المتوكل – معلمة التربية الوطنية في مدرسة سبأ – أن المنهج لا يغرس حب اليمن، فالمضامين بائسة وضعتها وزارة التربية والتعليم مختصرة وتناولتها بطريقة تعتمد على التلقين والحفظ دون الفهم، وترى أن تعزيز روح الوطنية يعتمد على المعلم بشرط أن يكون توجهه لله وليس للحزب أو الجماعة، مؤدياً رسالته بمسؤولية وطنية” فمثلاً قد أعمق ثورة 26 سبتمبر كنضال أجداد وتأتي معلمة أخرى لتمجيد يوم 21 سبتمبر أو يوم 11 فبراير.. يفترض أن نلتقي حول فكرة الوطن أينما وجدت وأن تحتوي المناهج على تاريخ وحضارة بلدنا”.
من جهته يقول أ. د. صالح النهاري – نائب عميد كلية التربية بجامعة صنعاء وخبير في مناهج وزارة التربية والتعليم – أن المضامين والمفاهيم في مناهجنا لا تخدم قضية المواطنة ولا تعرف باليمن لأنها منقولة من مناهج دول عربية دون التركيز على تاريخنا وحضارتنا، مناهجنا أقرب للمحاكاة والتقليد، فمثلاً مقرر التاريخ مليء بالأحداث والتواريخ والمفاهيم ورغم هذا ينهي الطالب دراسته الثانوية ولا يعرف وطنه اليمن!
ويضيف د. النهاري :أنا معايش لهذه المناهج، كنت مدير مدرسة ومستشاراً في وزارة التربية والتعليم منذ عام 89  وحتى 2001م ،هذه المناهج تحتاج إلى إعادة تأليف وغربلة خاصة في مادة التربية الوطنية/ الاجتماعيات حتى تتضمن غرس القيم والمفاهيم الوطنية وتعرف بهويتنا وتاريخنا وحضارتنا كما في مناهج كل بلدان العالم، لا أن نهمش القضايا الوطنية ونلغي ما يعزز روح الانتماء لليمن.. لو أن مناهج التربية والتعليم تغرس حب الوطن لما كان هذا حالنا.. لافتاً أن وزارة التربية والتعليم بصدد التأليف في المناهج متمنياً عليها أن تولي اهتماماً بتاريخنا وحضارتنا وأدبنا العربي وبالقيم والمفاهيم الوطنية ليس فقط في مادة الاجتماعيات بل في جميع المواد الدراسية بأسلوب تكاملي من أجل جيل وطني.
نهاية المطاف
أما والمناهج رغم كثافة مقرراتها لم تخصص مساحة لغرس قيم الانتماء والولاء للوطن ولم تُعرّف بتاريخنا وحضارتنا إلا في أضيق الحدود فإن الرهان فقط حتى إشعار آخر على وطنية وكفاءة وإحساس المعلم بمسؤوليته تجاه وطنه ومجتمعه ووعيه بخطورة ما يحاك ضد الشعوب العربية والإسلامية.

قد يعجبك ايضا