قصة قصيرة
عبدالوهاب الضوراني
طيران التحالف يواصل طلعاته ويشن عدد من غاراته الجوية المكثفة على العاصمة والعديد من المناطق والإحياء السكنية الأخرى ، لا فرق عنده أو استثناء إن كانت الغارة تستهدف موقعاً عسكرياً معيناً أو حياً سكنياً رجلاً أو امرأة أو طفلاً أو أي شيء من هذا القبيل ، مش مهم وليس له أي اعتبار على الإطلاق إنما المهم والأهم من حيث المبدأ وترجيح مستوى حجم المعادلة والتوازن الاستراتيجي في عدته وعتاده وجاهزيته القتالية التي تنطلق طبقاً لمنظومة وأهدافه الإستراتيجية البعيدة المدى هو ترجيح كفته في موازين القوى والتوغل قدر الإمكان في الأرض والسيادة والجذور أيضاً لاكتساح وإبادة أكبر قدر ممكن من الحجر والشجر والبشر ، من أجل إشباع نزوته في السيطرة والاستيلاء لإرضاء حلفائه ومن يقف معه من العملاء والمرتزقة ودعاة الانفصال في مستنقع وأحد وتحقيق جزء من أهدافه التوسعية والتاريخية للاستيلاء على الأرض والسيادة الوطنية ومقدرات الشعوب وشن المزيد والمزيد من الغارات من أجل استهداف أكبر عدد من المواقع والتحصينات والأهداف الإستراتيجية عسكرية كانت أو مدنية لا تهم أيضاً وليس له ثمة اعتبار أنما الشيء الذي لابد مما ليس منه بد هو التوغل والاجتياح وآثاره الفزع والرعب في قلوب السكان والأطفال والآمنين وإتلاف ما يمكن اتلافه وإعطابه واستهدافه أيضاً من المرافق العامة والخاصة والمنشآت المدنية ومؤسسات الدولة حتى لا يقوم لها بعد ذلك أي قائمة وما عدا ذلك فليس في الحسبان أو له ثمة اعتبار.
مساكين سكان العاصمة لا ليلهم ليل ولا نهارهم نهار ما أن يتناهى إلى مسامعهم نعيق طائرات الإتلاف ودول التكتل تنتهك فجأة المجال الجوي أو تسرح هنا وتمرح هناك إلا وهرعوا كالمجانين إلى المخابئ والملاجئ والاقبيه الأرضية وبطون الدهاليز وهم في أسوا حالات الفزع والاضطراب وأقصى درجات التوتر والانفعال يبتهلون إلى الله أن تمر الليلة بسلام وأن لا تخلف وراءها مزيد من الضحايا ومزيد من الخسائر والدمار في المساكن والممتلكات والبشر .. يقال إن صاروخاً عشوائياً انطلق من على متن بارجة داخل المياه الإقليمية سقط فوق عمارة سكنية أدى إلى تدميرها وانهيارها بالكامل فوق رؤوس سكانها وعندما قامت فرق الإغاثة والإنقاذ بانتشال ما يمكن انتشاله من الجثث والجرحى والمصابين من تحت الأنقاض عثروا على طفل حديث الولادة الوحيد الذي سلم وظل على قيد الحياة بينما بقيه السكان لم يبقى منهم فرد واحد سليم يتنفس الصعداء.. هنا في المدينة لا يوجد بيتاً إلا وقدم شهيداً من خيرة أبناء الوطن حتى الأطفال هنا يحملون أيضا السلاح وينشدون الاستشهاد يوماً في الميدان وارض المعركة وعندما يشيع جثمان شهيد ترتفع أصداء وإيقاعات الزغاريد من كل بيت وكأن الحدث والمناسبة عرس ونوع من الاحتفاء ومظاهر الابتهاج وليس موكباً جنائزياً وشهيداً قادماً لتوه من الميدان وارض المعركة. ما أكثر الشهداء من الأطفال الرضع والشيوخ الركع والنساء الرضع الذين يتساقطون كل يوم وكل وقت وفي كل جزء من الوطن جراء غارة أو صاروخاً أخطأ هدفه ومساره يسقط فجأه هنا أو هناك وبلا هدف أحد المارة أومآ إلى آخر وهما يقطعان أحد الأرصفة عندما فاجأتهما على حين غرة ثمة مقاتلة وهي تحلق فجأ فوق الأجواء قائلاً وهو يحشوا أطراف جلبابه بين نواجذه ويعدو مهرولا لا يلوي على شيء” انظر.. طائرة قادمة من الصحراء إنها أشد هولاً وضراوة من لسعة العقرب!!
في المدينة ما أن تمر غارة والناس في عقور منازلهم داخل الاقبية وبطون الجدران يغطون في كوابيس النوم المزعجة وهم لا يصدقون أنفسهم أنها مرت بسلام وأنهم لازالوا فعلاً إحياء أو في عداد الأحياء والأدهى من هذا كله والذي يندى له الجبين قيام بعض العناصر والأطراف من رؤوس ودعاة الفتنة والانفصال المتعطشة للسلطة ومراكز النفوذ الذين رحلوا إلى حيث ألقت والذين من المؤكد وناقل القول إنهم فقدوا شرعيتهم وانتماءهم أيضاً بشكل أو بآخر إلى الوطن وشعبه العظيم عندما قاموا في المنفى بإفشاء أسرار عسكرية ومعلومات استخباراتية في منتهى الخطورة لحلفائهم الفهود وبقايا أحفاد السلاطين في الخارج مما أدى إلى زعزعة الاستقرار وإقلاق السكينة العامة وزج الوطن وأبنائه في أتون صراعات طائفية ومذهبية والعديد من المناكفات والمكايدات السياسية الأخرى مما أدى بالتالي إلى إجهاض وتعطيل معطيات ومؤشرات التنمية والحياة العامة برمتها والتي أثرت سلباً على ما تحقق للوطن وتم إنجازه وتحصيله من المكاسب والمعطيات والعديد من الخدمات التي حققت أرقاما قياسية وخيالية في وقت قياسي قصير شملت مختلف الأصعدة والعديد من مواقع العمل والإنتاج، وهي الأحلام والطموحات التي طالما راودتهم وشغلتهم في الماضي طويلاً ولا تزال بغيه تحقق مكاسب ومشاريع مادية وسلطويه تافهة وإفراغ أحفادهم التاريخية القديمة والمتراكمة في السيادة والهيمنة من اجل تمرير مشاريعهم الانفصالية الهشة والمتهاوية الهادفة إلى تكريس وممارسة أسوأ سياسة التشطير والعنصرية والانفصال وإفساح المجال أمامهم من أجل إقامة إمبراطور يأتهم ومستعمراتهم التي تعتبر أو هي بيوت العنكبوت فوق الأنقاض وآثار الدمار والأرض المحروقة واكتساح أي شيء في طريقهم من أجل الوصول إلى السلطة وسدة الحكم ولو جاءوا على متن دبابة وفوق أشلاء وجثث الشهداء وجثامين الأطفال والإساءة أيضاً بشكل أو بآخر للوطن وترابه ووحدته وسلامة أراضيه.
ما أبشع الكارثة وتفاقم آثارها لقد تركت ظلالها الكئيبة والقاتمة على كل شيء رائع وجميل فوق الأرض حتى دور العبادة والمدارس والمستشفيات وغيرها من المرافق والمنشآت لم تسلم أيضا من القصف وآلة الدمار .
هنا الرجال الأشاوس والمجاهدين الشجعان .. هنا الفتيان الميامين والمقاتلين في الميدان وأرض المعركة يحملون السلاح ويسجلون أروع الملاحم والانتصارات لاستعادة الأرض وما أخذ بالقوة من الكرامة ومن السيادة الوطنية بالقوة أيضا, لا يهم أن يتساقطون بالعشرات وبالمئات قتلى وجرحى ومصابين فالأرض اليمنية معروفة منذ فجر التاريخ وعلى مر العصور بأنها ولادة ولم تبخل يوما في تقديم المزيد من الرجال والمزيد من قوافل الشهداء من خيرة أبناء الوطن من أجل تحرير الأرض واسترداد الكرامة وعودة الحق لأصحابه .
هنا أخفاد تبع وذي يزن .. هنا قحطان وقتبان ونشوان ..هنا جيزان ونجران هنا الركن اليماني ..هنا الجبال الشم تفجرت في وجوه الفهود الجبناء وأحفاد السلاطين حمما وبراكين أمام كل من يجرؤ وتسول له نفسه المساس أو العبث بحياض الوطن أو ذرة من ترابه الغالي الطهور … هنا المشانق تتدلى وأجساد الازنام تتهاوى وتصلب ..هنا مقبرة الغزاة مثاوي الطغاة .. هنا موطن الحكمة والإيمان هنا اليمن السعيد.