2016 .. لنرفض النذالة الفكرية ..!!

عبدالله الصعفاني
حل العام 2015 .. أهلاً ومرحباً وغادرنا العام 2016 .. مع ألف سلامة في الغالب الأعم كان العام الفائت سيئ الأحداث ، ليس في احتشاد المحيط الغني وغيرهم لإعلان الحرب على الجار الفقير فحسب وإنما في الاحتراب الداخلي الذي استدعى فيه من كنا نحسبهم ضمن الصدارة علماً ووجاهة سلسلة من النزاعات المناطقية والجهوية بل ونفخ بعضهم في الرماد المذهبي والطائفي بحثاً عن كل شرر وأي مادة قابلة للاشتعال .
مضى العام 2015  بكل ما نعتقده شرًا وبعض ما اعتبرناه ضمن “وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم “.
أحداث مؤلمة كثيرة وأخرى بهيجة، حيث كان لابد أن تستمر الحياة باستقبال مواليد والعيش في صيف خيمت على أسابيعه أعراس اختلط فيها هدير انفجارات قصف العدوان مع هدير الألعاب النارية بل وحتى قذائف السلاح الخفيف والمتوسط، وأحداث أليمة ودع فيها المجتمع الآلاف من الشهداء والضحايا وغيرهم أكثر من المصابين ، وفي نفس الوقت كان لافتاً استمرار توقد إرادة اليمنيين في الحياة بحثاً عن أبواب الرزق القليل .. استقبلنا المواليد وودعنا الضحايا واحتفلنا بالعرسان الجدد .. ولم تتوقف إرادة ذهاب البنات والأولاد إلى المدارس لأن على الحياة أن تستمر ولا تتوقف .
وبين النجاح والفشل والكآبة والسعادة والغضب والرضا ، ومظاهر الانتماء للوطن ، ونكران أفضاله، تجلت أمامنا المسافات الشاسعة متعددة الأشكال والصور والظلال .. ولم يكن الذي عشناه إلا خليطاً من الأسباب التي اجترحناها خيراً وشراً دونما إغفال حقيقة أن إرادة الله ومشيئة الرحمن جل في علاه تبقى الأصل حيث يحيط علمه بكل شيء .
وكما أن نهاية العام ليست سوى محطة تاريخية للعبور دون أن يتوقف قطار الحياة فإن الأهم من كل مظهر للاحتفال أو حتى إعلان خيبة الأمل هو إدراك معنى عدم الالتفات إلى الوراء إلا لأخذ العِبرة من الأخطاء بهدف تجنبها ، أما ما دون ذلك فليس أقل من التذكير بأن الماضي غادر ، وأن الحاضر يعني المسؤولية في حسن اتخاذ القرار .. قرار الفرد والقرارات المعبرة عن الشأن العام .
في الأوضاع العادية لا أحب التشاؤم ولا المتشائمين ولكن .. من المهم أن نوازن بين النظرة إلى مجمل التحديات القاسية التي تواجه الناس أفراداً وجماعات وما تبقى من المؤسسات وبين الانطلاق في النظرة من كون كل واحد منا هو حصاد ما يعتقده .. وفي نهاية المطاف فإن الوطن وسكانه إنما يمثل كل منهما رافعة للآخر .
والأهم من التوقف على كوارث عام مضى هو إدراك أن الحاضر سيكون بعد عام من الآن هو الماضي لكنه لن يكون إلا حصاد أفعالنا بخيره وشره ، بنقاط الإشراق وشرانق الانكسار .. أتحدث هنا عن اليمن وعن أبنائه الذين لم يعد الوعاء ولا الغطاء يتسع للمزيد من حماقاتهم ومغامراتهم .. أما غيرهم فليسوا سوى الطارئ طال الزمن أم قصر .
العام 2015م وما قبله هو ماضينا ولن يكون مستقبلنا إلا ما نقوم به في الحاضر من التماسك واستحضار إرادة الالتقاء حول فكرة الوطن وقضية المواطنة التي تحتاج إلى المحبة ونبذ العصبية الجاهلية والتواضع والشراكة في الوطن وعدم الإقصاء على أسس ضيقة حتى لا نفقد أرضية التعايش عندما يتوقف العدوان ويخرس صوت الاحتراب .
نعم نحن في حرب وتحت نيران عدوان كبير لكن مالا يجب أن نغفل عنه هو أن هناك من يفهم الواقع بالمزيد من إحراق المراكب حتى لا يكون لنا عودة إلى الذات اليمنية في أصفى تجلياتها ولذلك لنثبت جدارتنا بإدراك ما يراد لبلادنا في سياق ما يراد للمنطقة على بساط تفجير العداوات وإشعال الصراعات وتشجيع شتى صور الإرهاب وتحت بيرق ادعاء محاربته .
في العام الجديد 2016م لن يكون اليمن بخير وأبناؤه بعافية إلا بمحاصرة كل صور النذالة الفكرية أو التعصب المناطقي أو المذهبي واحترام كل صوت عاقل وتقوية الجبهة الداخلية بحماية النسيج الاجتماعي من كل هذه التعرية والتجريف للقيم الوطنية .
أختم بالقول أن من السفه الفكري والنذالة السياسية استمرار الاعتقاد الذي حمله ربيع عربي بائس صوّر إمكانية البناء على أنقاض الهدم بدلاً من إصلاح وتصحيح ما يحتاج إلى تصحيح .. وها نحن نشاهد من يغذي أفكاراً شديدة الشبه بمن يعتقد بأن قتل المريض هو أفضل وسيلة للتخلص من أوجاعه .
كل عام ونحن نذكر أن ” العقل زينة “.

قد يعجبك ايضا