أحمد الحباسي
وجدت نفس الشعور لدى أغلب من تحدثت معهم من زملاء القلم والتعبير ، هم يتحدثون عن حالة من الاكتئاب تصيبهم بمجرد محاولة الكتابة عن الشأن السعودي أو عن المجتمع السعودي حصرا ، فهم يجدون أن هذا المجتمع لا ” يتحرك” بالشكل المطلوب والكافي كغيره من الشعوب ، وأن هذا المجتمع يرفض التطور الطبيعي للحضارة الإنسانية بشكل مذهل نتيجة ميله للانغلاق والتعصب ، فالرجل السعودي يحتقر المرأة احتقارا لا مثيل له في العالم ولذلك فهو يرفض تمكينها من حقوقها ليقف مع النظام الشمولي الفاسد في وئده لحرية المرأة ومنعها من أخذ بزمام أمورها ، فضلا عما تقوم به المؤسسة الدينية السعودية من تشجيع الرجل على مزيد انتهاك حقوق المرأة لدفعها لمزيد الانطواء على نفسها والانزواء داخل هذه المنظومة الفاسدة التي تحولت إلى سجن مغلق كبير تمارس فيه كل أنواع الإذلال السلطوي باسم الدين .
تمنع السعودية الاختلاط وتمنع قيادة المرأة للسيارة وتمنع عليها ممارسة الديمقراطية وتمنع عليها أيضا حرية انتقاد الحاكم وتبيح جلد الرعية والتشهير بالمذنب وتعطى للرجل كل الحقوق وتمنعها عن المرأة ، وفي بلد المافيا كل التهم جاهزة ضد المرأة وحركة الجلد يومية لا تنقطع مهما كانت الأسباب ، وفي دولة الإرهاب تقف الحكومة إلى جانب المؤسسة الدينية لممارسة سلطة الرقابة المتسلطة على الشعب ، المشكلة أن الشعب لا يتحرك ولا يحتج ولا يثور من باب الخوف والخنوع ، ورغم أن هناك كثيرا من الشعوب من تحررت في هذا القرن من سلطة الاستبداد ورغم فشل كل الأنظمة الاستبدادية في قمع الشعوب يظل الشعب السعودي من أكثر الشعوب خشية وصمتا على المكروه ، لذلك تجد بعض الأصوات السعودية الرافضة لهذا النظام الدموي المتعفن صعوبة كبيرة في تجميع الشعب على كلمة واحدة ويجد النظام سهولة في التفرد بهذه الأصوات الرافضة لدمويته لقمعها والقضاء عليها بكل الطرق .
لا يقبل نظام المافيا ما يحدث من تطور حضاري في العالم ويفعل كل شيء لإقناع المواطن السعودي بكونه لا يحتاج للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان ولا لحرية التعبير فيكفيه جوال من الطراز الرفيع وسيارة وبعض الريالات النفطية لينسى كل هذه المتطلبات الحضارية ، وعندما يقدم النظام مثل هذه “التضحيات” المالية للمواطن السعودي فهو يحذره بكل الطرق من مغبة البحث عن المتاعب لنفسه وعياله فضلا عن المتاعب للنظام ، ولا شك أن للشعب السعودي جينات وراثية نجهلها تجعله يستكين بمجرد رؤية عصا البوليس الديني أو يفضل الابتعاد عن ” الشوشرة” تجنبا لوجع الرأس خاصة بعد أن تيقن انه لا شيء يفلح مع هذه السلطة الغاشمة الفاسدة القادرة على محوه من الوجود ، بل لنتفق اليوم أنه لا مقارنة إطلاقا بين الشعب السعودي والشعب اليمنى على وجه المثال ، فالجوار لم يمنع الشعب اليمنى في أن يكون متفاعلا مع عصره ومع حضارته ليصنع ثورة في حين عجز الشعب السعودي على مجرد إيصال صوته لنفسه ولكل المحيطين به .
لا أحد في العالم يعرف الشعب السعودي وكل ما تتحدث عليه وسائل الإعلام الأجنبية هي نزوات البعض الجنسية ، والشعب السعودي يحتاج للتعريف به إلى حملات علاقات دولية عامة وملصقات وندوات ليتذكر البعض أن هناك شعبا بالجزيرة السعودية المنغلقة على نفسها كما يحدث في أكثر الدول ديكتاتورية ، وحين نشاهد شعوب الأرض قاطبة تتسابق وتتنافس وتبحث عن نقاط الالتقاء وتبادل الأفكار نجد أن هذا الشعب المكبل يرفض الخروج إلى شارع الحياة لمصافحة التاريخ والبحث عن مكان بين الأمم ، فهل يمكن الحديث اليوم عن شعب مقموع أم عن شعب خنوع أم الاثنان معا ؟ وهل يحق لهذا الشعب أن يرفض الحرية والديمقراطية باسم الخوف ؟ وهل أن النظام السعودي بمثل ما يتصور البعض من القوة ليصمد بعض الساعات أمام حركة التدافع الاجتماعي المطالب بالتغيير ؟ ثم لماذا يقبل الشعب السعودي حياة الذل بكل هذا الإصرار العبثي ؟ وهل من حق هذا الشعب أن يورث أبناءه الاستبداد في حين يورث النظام أمرائه وحاشيته البذخ والأموال الخيالية المنهوبة من الشعب المغلوب على أمره ؟ … في أمريكا بلد رعاة البقر ، Wanted ، تعني مطلوب حيا أو ميتا ، نسوق نفس النداء والله لا يضيع أجر المحسنين