رحلة قصيرة إلى عالم مصغر محاط بأسوار عاتية

 

كتب/محمد الفائق

رحلة جديدة في مهنة المتاعب عزمنا عليها انا وزميلي المصور لطف زنبور قبل فترة ليست بالقريبة فكانت وجهتنا إلى السجن المركزي بصنعاء ، والاقتراب من هذا العالم المصغر والحياة الخاصة لأكثر من أربعة آلاف سجين ونحو 90 سجينة وما يقارب 400 حدث .
أقسام متعددة يحتويها هذا المكان المحاط بأسوار عتيدة ،، الغفران ،، التوبة ،، الأحداث ، قسم النساء ، تطلق هذه الأسماء حسب تخصص ونوعية القضايا ، ويفرز كل شخص ويخصص له المكان المناسب .
البداية كانت من قسم النساء المعزول تماما عن بقية الأقسام ويقع في الجهة اليمنى من بوابة السجن الداخلية ، فبعد موافقة إدارة السجن على السماح لنا بالتقاء عدد من السجينات ، رافقنا أحد حراسة السجن الى باحة قسم النساء التي كانت من قبل مزرعة صغيرة تكسوها الخضرة كما قيل لنا بعد اكتشاف إدارة السجن ان سجينات صوماليات قمن بزراعة الحشيش في هذه الباحة ، ويمارسن تجارة المخدرات من وسط السجن لكن سرعان ما اكتشف أمرهن وقدمت بحقهن دعاوى جديدة مع الإثباتات والدلائل ، وأصبحت هذه الباحة منذ ذلك اليوم تزدان بألعاب الأطفال ومتنفسا لأبناء السجينات .
استقبلتنا مشرفة القسم بعد أن ناداها الحارس المرافق لنا ،، أخبرناها أسباب مجيئنا والهدف من وراء الالتقاء بالسجينات ونقل قضاياهن إلى الرأي العام .
غادرتنا وجاءت بعد قليل تتقدم طابور طويل من النزيلات أغلبهم يحملن أوراق وملفات ووثائق ، تفاجأنا بالعدد ولكن لم يكن بوسعنا استيعاب هذا العدد للاستماع لشكواهن وليس لدينا سوى ساعة ونصف الساعة أجازتها لنا إدارة السجن .
بدأنا بإحدى النزيلات وهي من محافظة إب واستمعنا لقضيتها وكانت دموعها تسبق كلامها بل وتعقد لسانها وتعجز عن مواصلة الحديث ، أثرت فيني كثيراً فلم أتوقع أن تكون هذه المرأة ضحية لزوجها المتسلط وشريك حياتها وأبو أولادها ، الذي لم يراع في الله إلاً ولا ذمة فاستغل علاقتها ومكانتها الاجتماعية عند الجيران والأسرة ، ورسم لها مشروع تأسيس شركة لبيع وشراء السيارات وصور لها أن الأرباح ستكون مهولة وخيالية ، وما عليها إلى أن تطرق أبواب جيرانها من النساء وأهلها وكل معاريفها لجمع رأس المال ، ولأن هذه المرأة محل ثقة عند الكثيرين جمعت نحو 80مليون ريال واستلمت المبلغ بأوراق استلام وتسليم باسمها هي وليس باسم زوجها ، وبدأ المشروع يعمل في أشهره الأولى واستلم البعض من المساهمين الأرباح ، فجاءت أزمة 2011م فكانت الكارثة على الزوجين ، حيث بعثر الزوج ما تبقى من رأس المال وصفر تماماً أموال المساهمين ، الذين ضاق بهم الحال وقدموا شكوى إلى الأجهزة الأمنية وإلى النيابة فتم القبض على المرأة الضحية وإيصالها إلى النيابة ثم إلى السجن المركزي هي وزوجها الذي خرج بضمانة تجارية ، واستخسر على نفسه أن يبحث ضمانة أخرى لزوجته ، كانت ترى فيه الظهر وقت الشدة ، ولكنه وجه لها صفعة قوية وهي داخل السجن ، حيث وصلتها ورقة الطلاق لم تستوعب الصدمة هذه ، فجاءت الصدمة الثانية بمنعه أولادها الثلاثة بزيارة أمهم إلى السجن ،، ضربات موجعة لم يتحملها قلب هذه الأم ،، فأصبحت في هذا العالم وحيدة ليس معها سوى والدها ذات الستين عاما ، الذي انخدع بذلك الرجل الذي زوجه ابنته ذات يوم .. القضية تفاصيلها طويلة جداً يشيب لها الرأس والأوراق والاثباتات تكشف أن المرأة وقعت ضحية لرغبات وطموحات زوجها .
انتهينا من الاستماع للسجينة الأولى فتقدمت إلينا شابة في مقتبل عمرها الذي لا يتعدى العشرين عاما وهي حامل في اشهرها الأولى ، وجلست بجوارنا وبدأنا نستمع إلى قضيتها وأسباب دخولها السجن ، حيث تشير التهم المنسوبة إليها إلى الاشتراك مع أحد الأشخاص بقتل مواطن يمني يحمل الجنسية الأميريكة ونهب محتوياته وأغراضه الشخصية ، وتم القبض عليها حين اشترت تلفوناً حسب قولها بثمن بخس ، وأرادت بيعه في شارع القيادة بالعاصمة صنعاء ، والتلفون سبق وأن تم الإبلاغ عنه إلى الأجهزة الأمنية بعد مقتل الرجل وتعميم البلاغ ومواصفات التلفون على المحلات التجارية المخصصة لبيع التلفونات ، فقام مالك المحل حال وصول الفتاة بالتلفون المبلغ عنه بفحص التلفون نفسه فكان نفس المواصفات التي عمم عليها البلاغ ، فلم يشعرها بالخوف فقط سألها اسئلة عادية ، وأجابته ، ثم راقب خروجها من المحل وسجل رقم السيارة التي نقلتها ، فتم إبلاغ الأجهزة الأمنية التي بدورها بحثت عن السيارة والقت القبض عليه وكان المتهم الثاني في القضية ، ثم تم القبض على الفتاة وإيصالها إلى السجن .
عشرات النساء بعضهن من جنسيات افريقية وعربية تختلف قضاياهن بين القتل والاتجار بالمخدرات وجرائم النصب والاحتيال.
سنحاول في الأعداد القادمة أن نسلط الضوء على كل قضية بشكل أوسع وأعم حتى يتم متابعة مستجدات القضايا .
تصوير / لطف زنبور

قد يعجبك ايضا