التوسع الدلالي في المفردة القرآنية

هل طحا بمعنى دحا ؟

محمد الهاملي

لأن كل كلمة في المفردة القرآنية لها معنى خاص بها وإعجاز قرآني وبلاغي – قال عز من قائل: (وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا) سورة الشمس: 6
وقال: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا).
الشرح بسطها من كل جانب وجعله مناسبة للخلق . عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( دحاها) ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وشق فيها الأنهار وجعل فيها الجبال والرمال والسبل والآكام وخلق الأرض كنتيجة للخلق الكوني ، قال تعالى ( إن السماء والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) الأنبياء: 30.
وقال بعض المفسرين: جاء الطحو بمعنى إفراش الأرض بالهواء الجوي من الأبخرة المتصعدة بتلامس الماء النازل مع جسم الأرض المنصهر لحين تيبس وتصلب وهذا أقرب إلى الصواب ، أجمعت المعاجم اللغوية أن دحا بمعنى بسطها ووسعها وطحا بمعنى مدها وبسطها .
قال شمر في معنى طحاها يعني ومن دحاها فأبدل الطاء من الدال.
قال الشاعر علقمة :
طحا بكل قلب في الحسان طروب        بُعيد الشباب عصر حان مشيب
قال القرطبي: طحا الرجل: إذا ذهب في الأرض ، ويقال ما أدري أين طحا؟؟ تجد هنا تناقضاً في معنى الكلمتين ويقال: طحا قلبه ، إذا ذهب في كل شيء وهو المدلول في البيت الشعري.
وهكذا نجد اتساع المدلول من مجرد الذهاب إلى أن صار بمعنى مدها وبسطها ودحوها وهذه اللفظة ( دحا) من المعاني المشتركة أعني لها معاني جمة وأيضاً (طحا) .
من خلال البحث والتدقيق في هاتين الكلمتين نجد تداخلاً عجيباً في المعنى .
فالمفسرون واللغويون والمعاجم اللغوية لم يتناولوا تحديد ماهية ومعنى ودلالة هاتين الكلمتين خاصة الأقدمين . وهذا دفعني إلى كتابة هذا العمود.
ولم يختلف المفسرون أن خلق الأرض سبق خلق السماء والدحو غير الخلق ، وإنما هو البسط ، والخلق هو الإنشاء الأول ، فالله خلق الأرض أولاً غير مدحوة ، قال عز وجل : ( والأرض بعد ذلك دحاها).
قد يسأل السائل فيقول كيف قال: بعد ذلك في قوله تعال): قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) فلما فرغ من ذكر الأرض وما خلق فيها ، فال : ( ثم استوى إلى السماء ) وذلك لا يكون إلا بعد الأول الذي ذكر قبله .
قال الفراء: طحاها ودحاها وأحد ، وطحوته مثل دحوته فأغلب المفسرين يرون الدحو مثل الطحو بمعنى البسط والمد .. ولكن هذا فيه بعد يجافي الحقيقة .
ندلل على ذلك ونقول: إن كل مفردة في القرآن الكريم لها معنى خاص وإعجاز ، كما أن المفردات القرآنية أيضاً لا ترادف فيها بمعنى آخر ، أي لا تأتي الكلمتان بمعنى واحد إنما يكون هنا تقارب في بعض الكلمات .
أمثلة توضيحية تبين الإعجاز بالحروف وبالكلمة.
بالكلمة:
جاء.
وبالحروف:
(رحمة- رحمت)
قال تعالى:( وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ)
وقال:( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)
وقال( وجاءة سكرة الموت بالحق) سورة ق : 19
وقال:( فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ)مريم: 23
إذاً جاء تأتي من حيث المعنى والدلالة للأمر الشاق والصعب وأيضاً البعد وكما تأتي لما هو أشد وأشق ، أما أتى تدل على الأمر السهل .
قال تعالى: (أتى أمر الله ) وتقول: أتيت من المسجد ، ولا يصح أن تقول جئت من المسجد[ إلا أن الناس قد تعارفوا على ذلك] .
نفهم من ذلك أن (طحا ودحا) ليس بمعنى واحد لأن كل مفردة ولفظة لها معنى خاص ودلالة أيضاً . فقد يظن ظان أنهما بمعنى واحد وهذا غير صحيح.
مثال آخر : قال تعالى ( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ) مريم :27  فالإتيان غير شاق وقال تعالى : ( وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) النساء 2 أي اعطوا
: إذاً جاء وأتي ليستا متطابقتين من حيث المعنى والدلالة وليست بمعنى واحد وحقيقة الأمر كل مفردة في لغتنا لها معنى مغاير لمفردة آخرى ، لكن قد تجيء كلمة مع كلمة آخرى متقاربة في المعنى وربما قد تختلف من حيث القوة والدلالة ، وأيضاً قد يكون لبعض الكلمات معان يعينها ويوضحها السياق ، لأن الكلمات في اللغة ليس لها معنى ذاتي لا تتجاوزه ، بل كثير منها لها معان تختلف بحسب سياق الكلام.
كما ندل على ذلك بالحروف وإعجازه وأن له معنى خاصاً به .

قد يعجبك ايضا