يمانيون في مولد النور
درج اليمنيون منذ أسلافهم الأوائل على الاحتفاء بالأعياد والمناسبات الدينية لا سيما مولد النبي عليه الصلاة والسلام، فتتجلى في سائر أنشطتهم مظاهر الأفراح والزينة، تعبيرا عن صدق محبتهم وعظيم ولائهم للنبي الكريم، بيد أن المبالغة في احتشادهم للاحتفال بذكرى المولد لهذا العام لا يخلو من دلالة سياسية أراد المحتفلون أن يوجهوها لقوى العدوان ومرتزقتهم في الداخل والخارج .
لقد أراد الشعب العربي المسلم في اليمن الذي يقاوم منذ أكثر من تسعة أشهر متواصلة بصلابة منقطعة النظير تحالف قوى الشيطان أن يحتفل هذا العام بذكرى المولد النبوي الشريف بهذا الزخم الجماهيري الكبير ليؤكد للعالم رسالة مفادها إن اليمنيين ماضون في مقاومة الغزاة والمستعمرين، وأن الأرض اليمنية ستظل كما عهدها العالم مقبرة للغزاة مهما بلغ حجم تحالفهم، وقوة ترساناتهم العسكرية، فهم قادرون على أن يُرْدوهم صرعى على نحو ما رأى العالم في معاركهم التي خاضوها مع الغزاة متعددي الجنسية على أكثر من منطقة جغرافية، وأنهم جديرون بتحقيق الانتصار انطلاقا من عدالة قضيتهم وحقهم في الدفاع عن أنفسهم والذود عن وطنهم وتأسيس حياة جديدة لشعبهم منبعثة من رماد التاريخ كما ينبعث طائر الفينيق من رماده.
لقد أراد المحتفلون أن يخاطبوا العالم بأن جرائم العدوان السعودي ومجازره المتوحشة لم يفت في عضد اليمنيين ولم يزدهم إلا قوة وصمودا والتفافا حول القوى الوطنية المقاومة، وأنهم ماضون في مواجهته وهزيمته، يقول الشاعر معاذ الجنيد في قصيدته التي ألقاها في المناسبة :
لبيك والحرب الضروس تعربد وولاؤنا لك بالدماء معمد
لبيك والغارات فوق رؤوسنا والنصر منك حليفنا المتجدد
ما دمت قدوتنا ودينك نهجنا فليجمعوا قواتهم وليحشدوا
سحقا لأسلحة الدمار وقد غزت قوما سلاحهم النبي محمد
اليوم نثبت للوجود بأن من والاك بالنصر المبين مؤيد
إن الأنظمة التي تقود التحالف العدواني على اليمن هي سلطات مستبدة غابت عنها أبسط تعاليم رسالات الله، كما غابت عنها أبسط التقاليد الديمقراطية، والحقوق الإنسانية، فهي غارقة في مجونها وعمالتها، وهي تمارس علنا مظاهر الخيانة لقضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية فتعقد الصفقات مع الكيان الصهيوني وتتبادل معه العلاقات التجارية والدبلوماسية على مرأى ومسمع الجميع مستعينة بعلماء السوء في تخدير الجماهير وتزييف وعيهم، وطمس معالم الدين الإسلامي المبني على الفطرة السليمة والقيم الإنسانية العليا ليحل محلها شيء آخر قوامه القيود والأوهام.
إن من المضحك المبكي في الوقت نفسه أن نسمع عن قيام المملكة السعودية بتشكيل حلف إسلامي قوامه أربع وثلاثون دولة إسلامية، تحت دعاوى محاربة الإرهاب، فيما السعودية نفسها هي مصدر الإرهاب وراعية مصانعه ووكيلة إنتاجه، والسؤال الذي يطرح نفسه في مقامنا هذا هو هل يستطيع هذا الحلف الطويل العريض أن يصدر بيانَ إدانة ضد الانتهاكات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل فضلا عن مواجهتها ورد عدوانها؟، إن غاية ما يستطيع أن يقوم به هذا التحالف هو أن يصبح أداة طيعة بيد قوى النفوذ العالمي تسخره في ضرب الأنظمة والشعوب العربية والإسلامية التي تقاوم الاستعمار الجديد وتختلف استراتيجياتها مع مصالح الصهونية الإسرائيلية في المنطقة.