ن ……….والقلم…تكريم من ذهب وورود ؟؟
عبد الرحمن بجاش
لا بد لي أن أتوقف عند باب البيت كلما رأيت فاطمة تتكئ إلى الجدار , أبادر فأسألها : كيف حالك ؟ ترد – بخير , – نزلوا لك أكل ؟ – مراعية , وفاطمة عاملة النظافة التي تتولى رعاية الشارع بدون أدنى شعور بأن ساكنيه يقدرونها , أو ينتبهون حتى لوجودها , باعتبار أن عامل النظافة (( فئة دنيا )) – هكذا ننظر اليهم شزرا , بينما نملأ الشارع والأنحاء بمخلفاتنا الرديئة !!! , تربيتنا العامة هي الغلط , وليس نحن , حتى المسجد يظل يردد (( النظافة من الإيمان )) , واطلالة سريعة على ما بداخله يجعلك تعيد النظر فيما نقول وكيف نسلك !!! . فاطمة ترعى كوم من اللحم , وتظل في لحظات الصفا تحدث نفسها ومن يسألها من النسوة – على فكرة النساء أكثر عطفا على عامل النظافة ربما انعكاس للاحساس بظلم الرجل – , عن (( الأيام الحلوة )) التي قضتها في احدى دول الخليج , لكنها طردت مع كوم اللحم الذي لا تستطيع سد أفواههم باللقمة !!! , أتحسس تليفوني , ليقع نظري على الصورة الأهم , وهي لنُصب تذكاري , ليس في التحرير بالتأكيد بل في مكان عام في اليابان , نُصب مهم طُلي بالذهب , لعمال النظافة ,. من يٌطلق عليهم هناك (( مهندسي النظافة )) , ويتخرجون من معاهد مخصصة لتأهيل مهندس النظافة التي يتعامل مع مواد عضوية , وآلات متطورة صنعت وطورت خصيصا لاعمال النظافة في المدن , ويُلبسونه اللبس المخصص لعمله , خذ الصين ,هناك ومن أجل البيئة عموما , فلديهم جامعة الغابات , وقد تخرج منها الآلاف , حتى أنك تجد خريجيها في البحيرة بمصر يخططون المواقع في المدن لتحويلها إلى وسائل جذب سياحية , ستندهشون , وسيقول بعضكم : معقول جامعه للغابات ؟ أقول بملء الفم : نعم , ويمكن لكم أن تعودوا إلى أعداد ماضية من مجلة الصين الجديدة لتقرأوا عنها , وكم تخرج منها شبان عرب , أشعر بالأسى حيالهم لأنهم لن يجدوا واقعا يساعدهم على تطبيق ما درسوا على الواقع !! , لكن خريج (( الغابات )) في الصين يشار إليه كمتميزبالبنان !!! . في شارع من شوارع ((بودابست)) , العاصمة الجميلة للبلد الأجمل المجر , سيصادفك شيئا على الطريق لن تجد له تفسيرا ان لم تسأل , أو تكون قد قرأت عنه , ثمة نُصب تذكاري سطحي , عبارة عن نصف جسد لإنسان طالع من (( مًنهُل )) النظافة , أو بالأصح من حافتها ينظر إلى نقطة معينة, واليكم الحكاية , فقد التقى رجل باحداهن على كراسي المقهى الواقع في ركن الشارع , تحدثا , تعارفا , أحسا بالود تجاه بعضهما , تواعدا على اللقاء في المكان , ولكن ليلة الاجازة , حيث العمل مقدس فلا يتواعدوا هناك أيامه !!! , قبل أن يتصافحا سألته: ماهو عملك ؟ – عامل نظافة, لتغيب في الزحام . في اللحظة الموعودة جاء إلى الموعد , أنتظر , وانتظر , وانتظر بلا جدوى , فلم تأت , ربما لعملة علاقة بعدم مجيئها , ظل ينتظر , هطل الثلج على رأسه وهو منتظر , مرت كل الأوقات وهو منتظر , أكمل كل علب سجائره تحت رذاذ القطن الابيض الهاطل من السماء , ولم يذهب , حتى مات !!! . خلدته بلدية بودابست بذلك النصب السطحي على مستوى الشارع حيث المارة يضعون عليه باقات الورد !!! .