مكافحة الفساد في اليمن ..غموض الشفافية والإرادة

عبدالرحمن علي علي الزبيب

احتفلت دول العالم بما فيها بلدنا الحبيب اليمن في التاسع من شهر ديسمبر2015م باليوم العالمي لمكافحة الفساد .
كانت احتفالية عامنا هذا مختلفة عن الأعوام السابقة حيث قامت الأجهزة الرقابية ( الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد – الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة – والهيئة العليا للمناقصات والمزايدات – والنيابة العامة ) بتدشين تلك الفعالية باحتفالية وحلقة نقاش حول ( جوانب القصور في تشريعات مكافحة الفساد وتأثيرها على الواقع العملي )
كنت حاضراً مع كوكبة من القانونيين والمختصين في مكافحة الفساد قبل حضوري ومشاركتي الاحتفال والحلقة النقاشية كنت أفكر كمواطن يمني بسيط: لماذا الفساد يستشري وينتشر ويتطور في وطني اليمن ؟
كانت الإجابة موجزة في نقطتين :
النقطة الأولى : غموض الشفافية
النقطة الثانية : غموض الإرادة
نعم الفساد في وطني الحبيب اليمن السعيد يعود إلى انعدام الشفافية في المال العام إيرادا وصرفاً وغموضاً في الإرادة الوطنية لجميع الأطراف في إيقاف ومكافحة الفساد.
ونقصد هنا بالإرادة ليس فقط الاقتناع بخطورة الفساد والزامية مكافحته ولكن نقصد هنا الخطوات العملية على أرض الواقع التي تصادق وتؤكد ذلك الاقتناع خاصة وان وطننا الحبيب اليمن السعيد يعيش حالة زخم ثورية منذ عام 2011م وحتى الآن وفي مقدمة أهداف الثورة هي مكافحة الفساد والذي بالإمكان الاستفادة من حالة الزخم الثوري لتجفيف منابع الفساد وإزالة مكامن الفساد في اليمن بشكل شعبوي مجتمعي يشارك الجميع فيه لتصبح تلك الأهداف الثورية في مكافحة الفساد واقعاً يعيشه المواطن اليمني ويلامسه ويشارك في صناعة مجتمع جديد مبني على النزاهة ومكافحة الفساد .
وبالرغم من أهمية ذلك إلا انه كانت ملاحظتي حول اهتمام احتفالية اليوم العالمي لمكافحة الفساد لعامنا هذا 2015م في اليمن بالتشريعات والمنظومة القانونية فقط في ظل غياب وتغييب السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان .
وكان من المفترض أن يتم مناقشة والبدء بخطوات إيجابية لتنفيذ مكافحة الفساد في ظل المنظومة التشريعية والقانونية الموجودة .
بالرغم من القصور الكبير في المنظومة التشريعية والقانونية لمكافحة الفساد، لكن؟
الخلل والتقاعس في تنفيذ المنظومة الحالية لمكافحة الفساد أيضا خلل أكبر وقصور كبير يتحملها كامل المنظومة الوطنية بشكل عام والأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد بشكل خاص.
بالإمكان تفعيل تلك الأجهزة الرقابية بخطوات بسيطة جداً كالتالي:
الخطوة الأولى :إخراج كامل مخزون تلك الأجهزة الرقابية
ستوجب قبل كل شيء إخراج المخزون الكبير من مخازن الأجهزة الرقابية من تقارير وملفات ضرب العنكبوت شباكه فوقها وإخراجها للعلن وتفعيل تعامل الأجهزة الرقابية والقضائية في مواجهتها لأن تلك التقارير والملفات الكبيرة لقضايا الفساد المكدسة لدى الأجهزة الرقابية هي عبء كبير عليها عطل عملها وانحرف دورها من مكافحة الفساد الى مخازن وحفظ ملفات الفساد .
قد يقول البعض إن ذلك مخالف لقانون تلك الأجهزة الرقابية التي تم بناؤها لتكون قضاياها وتقاريرها تحت الطاولات وفي بطون الإدراج والمخازن .
ولكن ؟
للإجابة على ذلك بشكل قانوني بأنه بالرجوع إلى قوانين إنشاء تلك الأجهزة نجد أنها كالتالي:
1- قانون إنشاء النيابة العامة (قــرار جمهوري بقانون رقم (39) لسنة 1977م بشــأن إنشاء النيابة العامة ـ اليمن)
2- قانون إنشاء الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة
(القرار الجمهوري بالقانون رقم (39) لسنة 1992م )
3- اللجنة العليا للمناقصات والمزايدات جاء تشكيلها استنادا إلى نص المادة رقم (56) من قانون المناقصات رقم (23) لعام 2007م
4- الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد انشأت بموجب القانون رقم (39) لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد
أي أنها جميعاً صدرت بموجب قوانين صدرت لاعوام (1977- 1992- 2006م- 2007م)
وبالرغم من الاختلالات الكبيرة في قوانين إنشاء تلك الأجهزة الرقابية سالفة الذكر لعدم النظر إلى منظومة مكافحة الفساد كمنظومة متكاملة وإيجاد تعديل شامل لتلك القوانين بما يؤدي إلى توزيع المهام والاختصاصات وليس التعارض والاختلاف كما هو الموجود حاليا .
إلا أنه بالرغم من تلك الاختلالات الكبيرة إلا أن هناك قانوناً هاماً صدر عام 2012م القانون رقم (13) لسنة 2012م بشـأن حق الحصول على المعلومات وهو قانون حديث يلغي ما يتعارض معه من قوانين سابقة بما فيها قوانين تلك الأجهزة الرقابية والذي لو تم تفعيل هذا القانون وبما يؤدي إلى تعزيز مبدأ الشفافية وإخراج الفساد من مستنقعات الظلام والسرية إلى العلنية الشفافة لكي يعرف ويشارك المجتمع في مكافحة الفساد ومعرفة من هم الفاسدون لا أن يظلوا مخفيين في بطون وأدراج الأجهزة الرقابية.
وبحسب معلوماتي أن هناك آلافاً من ملفات الفساد المكدسة في مخازن الأجهزة الرقابية والذي لو خرجت للعلن وتم تفعيل الإجراءات القانونية في مواجهة الفاسدين لتحققت ثورة حقيقية ضد الفساد وفكفكت القيود على الأجهزة الرقابية وخففت العبء الكبير الملقى على عاتقها وفي بطون أدراجها ومخازنها العتيقة والواسعة.
الخطوة الثانية : نشر وإعلان جميع موازنات والحسابات الختامية لجميع أجهزة الدولة
إذا كان هناك إرادة حقيقية لمكافحة الفساد في اليمن يستوجب إلزام جميع الجهات والأجهزة الحكومية دون استثناء الجميع بنشر وإعلان موازناتها التفصيلية وحساباتها الختامية من مصروف وإيراد بالريال الواحد دون إخفاء ودون استثناء وبذلك يكون الجميع مكشوفون أمام المجتمع والرأي العام ويجعل الفاسد يفكر ألف مرة قبل أن يشرع بفساده لأنه سيظهر للعلن ويحاسب وسيحد ذلك بشكل كبير من الفساد.
الخطوة الثالثة : تفعيل قانون حق الحصول على المعلومات للمواطن والمجتمع
بعد أن تقوم الأجهزة الرقابية بإخراج جميع ملفات الفساد المكدسة في مخازنها واستكمال الإجراءات القانونية في مواجهة الفاسدين .
تكون تلك الأجهزة بعد إنجاز تلك القضايا فارغة وبحاجة الى استقبال شكاوى وبلاغات جديدة وهذا يستوجب تفعيل قانون حق الحصول على المعلومات وتسهيل وتشجيع المواطن ومنظمات المجتمع المدني والنقابات على الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بالأموال العامة وبالأجهزة الحكومية دون استثناء وبحيث يصبح الجميع تحت رقابة مجتمعية بموجب تلك المعلومات يتم استقبال البلاغات والشكاوى وقيدها ومتابعتها من قبل الأجهزة الرقابية وباستقلال كامل وبحيث يعرف الجميع وفي مقدمتهم الفاسدون انه لم يعد هناك مجال للتخفي والإخفاء لفسادهم وما يستلزم ذلك من حماية للمبلغين من أي انتهاك أو اعتداء وهذا يؤدي إلى الحد من انتشار الفساد وانكماشه .
وفي الأخير :
نؤكد أن الفساد والشفافية عدوان لبعضهما بحيث إذا وجدت الشفافية غاب الفساد والعكس صحيح، فالفساد يعيش وينمو في مستنقعات الظلام والسرية وتعزيز الشفافية الحقيقية الشاملة سيكون نابعاً ومعبراً بصدق ووضوح على إرادة وطنية مجتمعية حقيقية لمكافحة الفساد حيث سيؤدي تعزيز الشفافية في المجتمع اليمني بشكل عام وفي جميع الأجهزة والجهات الحكومية بما فيها الأجهزة الرقابية سيؤدي الى انكماش الفساد وانحلاله تحت ضوء الشفافية اللامع الذي ينهي ويزيل جميع قاذورات الفساد في وطني ليعود نظيفاً وشفافاً بلا فساد .
عضو الهيئة الاستشارية لـ وزارة حقوق الإنسان *
مسؤول شؤون النيابة العامة بنقابة موظفي القضاء

قد يعجبك ايضا