(جنيف2) معادلة مختلة
صلاح القرشي
تحاول السعودية بكل السبل أن تبقى بعيدة عن أي حوار على الرغم من كونها طرفاً أساسياً في الأزمة والحرب، حتى أنها لا تريد إثارة موضوع المناطق التي سقطت في عسير وجيزان تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية.
ولم تعترف السعودية بهذه الورقة لخصمها، وهي لا تريد إدخالها في موضوع المفاوضات، وكان يفترض عليها أن تحضر هذه المحادثات باعتبارها طرفاً مباشراً في هذه الحرب فتجري مفاوضات مع وفد صنعاء بالتوازي مع المحادثات بين الأطراف اليمنية، ولكن السعودية لا تريد إدخال ملف الحدود السعودية لما يشكل لها من ضغوطات داخلية فهزيمة جيشها في هذه الجبهة، بما لها من انعكاسات على جبهتها الداخلية وهيبتها ونفوذها الإقليمي، سوف يجبرها على التنازل ومطالبتها بتعويضات الحرب. لليمن ودفع تعويضات خسائر كل ما دمرته وقتلته طائراتها الحربية وتحالفها، وغيرها من الالتزامات. والمسؤوليات التي نجمت عن تدخلها العدواني في اليمن.
ولأن الوفد الذي يمثل ما يسمى (الشرعية) لا يملك أي اجابات أو صلاحيات فإن الحوار أصبح لا قيمة له في غياب الطرف المباشر الحقيقي في هذه الحرب الذي هو السعودية.
* السعودية تهرب للأمام، والحوار الحقيقي يستعر في الجبهات
ولكي لا تواجه السعودية هذه الاستحقاقات لملف الحدود وملف التعويضات وغيرها، قامت بالهروب الى الأمام، وصعدّت الحرب في كل الجبهات، مستخدمة كل الأوراق المتبقية لها عسكريا وحشدت لذلك كل قواتها وأمنها في الداخل وايضا حشدت كل القوة الذي يمتلكها عملاؤها في الداخل اليمني .
وشنت هجوماً واسعاً على كل الجبهات، وخاصة جبهة حرض والسواحل الغربية لليمن الممتدة من حرض حتى المندب، كما شنت هي وتحالفها هجوماً واسعاً في جبهة الجوف ومارب، وأيضا في تعز ويبدو أنها قد استطاعت حل كل المشاكل بين الإخوان المسلمين (الإصلاح) وبين دولة الإمارات وغيرها وبحيث تغلبت على كل المحاذير التي كانت موجودة لتسليح الإخوان المسلمين وإشراكهم بالسيطرة الفعلية على الأرض.
أي أن السعودية ومنذ البداية كانت تناور في قضية مفاوضات جنيف ولم تكن جادة في إنجاحها أو الالتزام بوقف إطلاق النار ،
وقد ذهبت أكثر في خيار الحرب الواسعة والرمي بكل ما تملكه في هذه الحرب، عندما شاهدت أن خصمها في الحرب. قد حرمها وقبل يوم من بدء المحادثات في سويسرا، من إمكانية المناورة في استخدام تواجد قواتها وقوات الحلف في المندب وغيرها من المناطق الجنوبية عندما قصف مركز قيادتها بصاروخ توشكا وما ألحقه من خسائر بشرية فادحة في صفوف الغزاة والمرتزقة.
والرسالة الثانية عندما قام الطرف اليمني بإطلاق صاروخ قاهر 2. على القاعدة الحربية في خميس مشيط، وهي رسالة للسعودية تفيد أن كل مدنك ومعسكراتك لازالت تحت مرمى نيران الجيش واللجان الشعبية.
مع ملاحظة أن الهروب للأمام سياسة تتخذها السعودية في كثير من الأزمات، وآخر هروب لها إلى الأمام هو تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، لكي تهرب من الضغط الدولي المتزايد نحوها واتهامها مباشرة برعاية الإرهاب ودعمه.
وهو ما ألمح إليه قرار مجلس الأمن الأخير الذي سعت إليه روسيا ودول أخرى.
* موقف الأمم المتحدة
كل المتابعين والمحللين يرون أن موقف الأمم المتحدة، وعبر مبعوثها إسماعيل ولد الشيخ، كان موقفاً سلبياً ومتماهياً مع أجندة التحالف السعودي، ويخدم خططها، فالأمم المتحدة لم تعمل ما يلزم لوقف إطلاق النار أثناء هذه المحادثات، كما اتفق عليه في مسقط، وهي صامتة إزاء مئات الخروقات التي قامت بها قوات التحالف السعودي، بالإضافة إلى أن الأمم المتحدة لم تكن طرفاً محايداً في تناول البنود أثناء المفاوضات، فمثلا قضية فك الحصار عن تعز الذي لم تربطه بفك الحصار عن كل المدن، وقضية المعتقلين التي ضخمها بتعمد وكأنها من الأوليات المهمة، وحتى ملف الإرهاب والقاعدة واخواتها وتوسعها أهمل تماماً، أي أن الأمم المتحدة أصبحت بكل ما تقوم به وكأنها تعمل لصالح السعودية وكأنها أداة من أدواتها.
وفي اعتقادي أن التحالف والأمم المتحدة كل ما يرجونه من محادثات جنيف هو فقط تحميل تهمة إفشاله لوفد أنصار الله والمؤتمر الشعبي.
لذلك فإن الشعب اليمني العظيم، الواقف بشجاعة وصبر خلف جيشه اليمني ولجانه الشعبية من بداية الحرب، مدعو اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، لحشد كل الطاقات خلف الجيش واللجان الشعبية، وإفشال كل الحملات العسكرية والإعلامية للعدو السعودي الغازي وحلفائه، والتماسك والصمود ومحاربة الشائعات والتصدي لها ورفع الروح المعنوية للجبهة الداخلية والتنبه لكل الخلايا النائمة للعدوان والحذر واليقظة على كافة المستويات.