الغيطاني والإخوان

صدر مؤخراً عن سلسلة «كتاب اليوم» بالقاهرة عدد تذكاري للراحل جمال الغيطاني، بعنوان «أنا والإخوان» وهو يتناول سلسلة مقالاته مقسمة إلى جزأين، الأول تضمن أهم ما كتبه الغيطاني منذ تولي الرئيس السابق محمد مرسي من يوليو 2012 حتى نهاية العام، أما القسم الثاني فتضمن منذ مطلع 2013 حتى ثورة 30 يونيو.
وقال علاء عبدالوهاب رئيس السلسلة عن الغيطاني بمناسبة نشر العدد التذكاري: كما بدأ، اختتم رحلته في عالم الصحافة.
كاتب بدرجة مقاتل.
في حرب الاستنزاف- عقب نكسة 67- قاتل بالقلم العدو الصهيوني، وبذات القلم خاض حرب استنزاف أخرى أكثر ضراوة لأنها ضد عدو يعيش على أرض مصر، لكنه لا يثمنها وطنا! يرفع راية تدين زائف تخفي تحتها طبقات من تخلف متكلس، ويقينا فإنّ الحرب الثانية كانت أكثر قسوة وشراسة، لكن جمال الغيطاني اتخذ قراره وتقدم لخوضها من دون أن يهاب العواقب، ولعله ارتأى أن القتال هنا فرض عين على من نذروا حياتهم لتحرير الوطن، بالمعنى الأشمل لمفهوم التحرير، إنها حرب تحرير في مواجهة كل من سولت لهم أوهامهم أو خيالاتهم المريضة، أو غرورهم أنهم قادرون على احتلال جزء من أرض مصر أو تكبيل إرادتها، سواء أكان ذلك الخطر من وراء الحدود، أم من جانب من اعتبروا مصر مجرد سكن لا وطن.
في أدب الغيطاني كان الخيال دائما إلى جانب الواقع، ومرات عديدة ألقى التاريخ بظلال كثيفة على إبداعاته، لكن في الكتابة السياسية كان مباشرا، ناقدا، محذرا، كاشفا إلى حد الفضح والصدام.
هكذا كان عموده «عبور» إبان العام الذي حاول فيه «الاخوان المتأسلمون» اختطاف الدولة بعد اختطاف الثورة، من هنا جاء مخاض هذا الكتاب، وتبلورت فكرته.
كل عمود كان أقرب إلى طلقة بندقية.
ثمة أعمدة كانت بمثابة دانات مدفع من عيار ثقيل.
أعمدة أخرى صارت أشبه بصواريخ متعددة الرؤوس.
إجمالا، فإنّ الغيطاني شحذ كل قدراته في الرمي والضرب والتصويب، عبر الأعمدة التي صاغها كمقاتل، وربما استعاد طاقة الشاب العشريني الذي زامل المقاتلين أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة.
ولأن المبدع والمقاتل في النهاية إنسان، فإنّ الغيطاني لم يخجل أثناء مهمته التي نذر لها قلمه، وقطع على نفسه عهدا بألا يتراجع عن إنجازها، لم يخجله أن يعترف عقب انتخابات مرسي مندوبا للمرشد في الرئاسة بأنه «يمر بحالة اكتئاب حادة، وحسرة موجعة على ما صارت إليه أوضاع البلاد»، لكن لم يدفعه ذلك إلى التخاذل أو المهادنة، بل إن ما حدث كان العكس تماما، إذ استمر ماضيا بإصرار شديد وعزم لا يلين في مهمته حتى النهاية.
ولأن «الجواب يبان من عنوانه»، فإنّ الكثير من أعمدة الغيطاني خلال ذاك العام الأسود، كانت كاشفة عن جوهر رسائله اليومية، وتلك مجرد نماذج:
تبديل الدولة.. عبث.. إنه الهول.. أخونة الصحافة.. تشويه.. يوم مشين.. الدولة البديلة.. إرهاب.. اليوم أسود.. أعلام سوداء.. نذر.. عنف.
أهي عناوين أم طلقات ودانات وصواريخ؟
عند الغيطاني لا فرق، فالكلمة رصاصة أحيانًا، والرصاصة كلمة محملة برسائل أحيانا أخرى، والأمر يتوقف على الجبهة المستهدفة، والضمير، ودرجة الوعي، وحدهما الفيصل في أن تنوب إحداهما عن الأخرى.

قد يعجبك ايضا