يحيى العنسي
في ذلك الكتاب الملغوم المطرز بجماجم الأحرار المعنون بعلامات عديدة من الاستفهام يسبقها كلمة متى ..وقعت عيني على إحدى وريقات الكتاب المؤلف من آلاف الصفحات الرخامية كانت تحمل عنوان قضية في محكمة ليس فيها سوى المدعية والقاضي .
عندها همست المدعية لإعلان قضيتها ، قائلة: أليس من حقي أن أرى شروق الشمس من خلف هذه النافذة؟ مشيرةً بإصبعها إلى نوافذ المحكمة .
أجابها القاضي وهو يحمل بيده المقصلة قائلا: أو ليس من حقي أن أصدر حكما بإغلاق النافذة ؟
وكان أمام المدعية فوق طاولتها التي أمامها سكينا وورقة ، فجرحت يدها وكتبت بدمها بين قوسين ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) .نظر إليها القاضي وقال : رفعت الجلسة .
وفي يومٍ اكتسى بلباس الليل لطور سنين ، فزاره قمر منير .. قام من نومه بعد مائة عام ، وكلمته نملة ، ماذا رأيت ؟ وهل أذن لنا بالخروج ؟ فلقد تم الإعداد ، والصور في يد أحدهم ، والخريف نادى برياحه ، والوردة في المشرق تكحلت برميم الشهداء ، والمؤذن في قعر البحر أقام الصلاة ، فالخيول يغشاها النعاس ، فنامت في أحضانها كباش الخليل ، متسائلة متى ساعة الفداء؟ فالأرض قد اهتزت وربت ، والمطر غادر السماء ، ونور الشمس ما زال قضية مخبوءة في تابوت المحكمة ، فهل حان للنهار المسجون والمقيد بأغلال الحاخامات أن يطل بستاره؟ فالنجوم قد أعلنت أن السبيل قد أجل موقعه في تلك الخريطة ، وقبر الصبح وافق أن يعود ليتنفس من جديد ، والعقول لم تعد تحلم ، فقد استفاقت وأعلنت جاهزيتها ، عند إذ يعلن فجر الحرية بالقدوم ، لأن الروح عادت إلى شبابها ، بعد إذ أرهقها شيب الكهولة فماذا رأيت ؟
أجابها : لقد مات القاضي ، وأُكلت مقصلته في أرض المغرب ، وبدت لي مريم بتذكرة الرحيل ، وأخرجت يدها بيضاء ، واستجيب لدعواها ، فقد نهضت من سجودها في محراب الوادي المقدس ، و تلقت رسالة ، بأن أذيال الشمس ستزورنا من جديد، فيعانق نور الأرض نور السماء ، نور على نور ، يهدي الله لنوره من يشاء فتعالوا لنصلي باسم الله ، وفي الأرض آيات للموقنين .