كوابح التنمية في مجتمعاتنا العربية!!

 

مسألة تأخر عجلة التنمية والإعمار في مجتمعاتنا العربية والإسلامية دليل فعلي على أن من وراء الكواليس أمراً غيبياً لا يتبدى أو ينبلج إلا من خلال التشخيص الدقيق طبقاً لمشاهدات الواقع المعاش، واستناداً إلى حزمة جلية وواضحة لنتاجات الفعل التنموي في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، فالوطن العربي والإسلامي يعد بكراً لقاء التراخي في استخراج الثروات والكنوز الماثلة في باطن الأرض، وفي قاع البحار والمحيطات، وعلى ضفاف الهضاب والأنهار، وفي انبساط السهول والوديان، إنها ثروة هائلة وعظيمة هي في مسيس الحاجة إلى التنقيب عنها واستخراجها ليس لثلة من القوم بل للشعوب العربية والإسلامية قاطبة.
ويأتي تقاعس العقلية العربية والإسلامية الحاكمة عن استخراج ثرواتها العظيمة من باطن الأرض وأعماق البحار كتأكيد جلي لحكمة ربانية تقدر للأمة خيراً فقد يرجع ذلك إلى الفساد المالي والإداري والأخلاقي – للنخب الحاكمة – والذي تكتوي به الأمة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً والذي صرف الحكومات العربية والإسلامية – باستثناء بعض الدول الإسلامية كإيران وماليزيا وباكستان – من استخراج مثل هكذا ثروات كي لا تلتهمها البطون الفاسدة التي تهضم القروض والمساعدات وتقيم المشاريع الوهمية كحبر على ورق ليس إلا.
وقد يعود السر في الإحجام عن استخراج الثروات واقتصارها على الثروة النفطية ومشتقاتها – إلى منظومة الضغوط الخارجية والخطوط الحمراء التي يضعها القائمون على إدارة النظام العالمي الجديد والتي لا يمكن تجاوزها من قبل المسؤولين في الحكومات العربية والإسلامية الخانعة والمنكسرة أمام استجداء القروض والمساعدات المالية الشحيحة، فالخير كل الخير فيما اختاره الله عز وجل.
ويبقى أن نذكر أن مجموعة الدول العربية وبعض الدول الإسلامية – علاوة على أنه يؤدها استخراج بعض الثروات الكامنة بضغوط خارجية – فإنه أيضاً لا يسمح لها بالتنمية في الكثير من المجالات كالتصنيع الحربي والتجاري الثقيل من أجل أن تظل سوقاً رابحة للمنتجات الأمريكية والإسرائيلية والغربية، فالغنى المفرط – لمجموعة الأقطار الخليجية – والفاحش لم يدفعها إلى تحرير ذاتها عن الانفاق الخيالي على الهيئات والمنظمات الدولية والعالمية قسراً وليس عن طيب خاطر، هذا فضلاً عن انكفائها على ذاتها واستيرادها للعقالات والغتر من بريطانيا إسهاماً من حيث تشعر في إنعاش الاقتصاد البريطاني الذي أعطى وعد “بلفور” لليهود الذين يخططون ليلاً ونهاراً لجفول المارد العربي والإسلامي الذي أضحى في وضع لا يحسد عليه، ذلكم أن أغلب الأمصار العربية والإسلامية لم تحقق الاكتفاء الذاتي من المصنوعات والمنتجات الضرورية والكمالية فتستورد الكثير منها من الصاروخ إلى إبرة الخياطة وشفرات الحلاقة .
إن الشعوب العربية والإسلامية الغفيرة لا تقبل بالمهادنة وأنصاف الحلول وهي التي ترزح تحت نير النظم العربية والإسلامية الفاسدة المستبدة التي تغالي وتفرط في تصفية حسابات سياسية مع الخصوم التقليديين بفعل الشمولية والأحادية السياسية في حكم العالم الذي يلتحف السماء ويفترش الأرض مع غياب روح التوازن السياسي العالمي وانفراط عقد العدالة الاجتماعية وتحلل مداميك المواطنة – بفتح الطاء – المتساوية وتهاوي وسقوط أبراج الحرية العربية العالية ركضا وراء طلب الدولة المدنية الحديثة القائمة على التوزيع العادل للثروة والمحققة للسلم والشراكة الوطنية الفاعلة في الثروة والسلطة.
ومما يحسن الإشارة إليه أن كل ما ذكر يعد كوابح – رغم أهميتها – ثانوية يمكن أن تزال متى ما عادت الأمة إلى سالف عهدها وإلى عزتها وقوتها ومنعتها، وثمة كوابح رئيسة ممكن أن نسردها على النحو التالي:
أولاً / إن من كوابح ومعيقات التنمية الشاملة والمستدامة في المجتمعات العربية والإسلامية ضعف وقصور النظام التعليمي والتربوي وتجدد اضطرابه، ذلكم أن نظامنا التعليمي والتربوي قد عجز عن إيجاد وتفعيل وظائف المدرسة الحديثة والتي تتبلور في إخراج المواطن الصالح في ذاته والمصلح لغيره وفق السياسة والفلسفة التعليمية والتربوية والتي تقذف في أفئدة الناشئة والشباب حب العمل وإتقانه وإنجازه على أكمل وجه، هذا فضلاً عن التسلح بثقافة الاختراع والابتكار واستحالة الفرد إلى رقم صحيح في مشاريع وخطط وبرامج التنمية الشاملة والمستدامة.
ثانيا / ولعل من كوابح التنمية الشاملة والمستدامة هو غياب روح التخطيط الهادف والبرمجة الواعية اللذين حرما المواطن العربي من نهوض تنموي شامل في شتى أنواع التنمية الشاملة كالتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والتعليمية والأمنية والإعلامية … إلخ.
ثالثا / ومن الكوابح والمعوقات هشاشة البناء للنظام الإداري المتعثر الذي ألجم مادحيه بحمم من نار ذلك لأن أزمة الأوطان العربية والإسلامية هي أزمة إدارة في المقام الأول، حيث تم الاهتمام بالشكليات والقشور صوب إحداث نقلة نوعية في مجال التحديث الإداري ليطغى في الأخير الروتين الإداري التقليدي الممل.
رابعاً / ويأتي أخيراً الفساد المالي والإداري، قال تعالى في محكم الآيات البينات (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) فالفساد المالي والإداري كبح وأعاق أي تحول تنموي نوعي وأصاب التنمية الشاملة والمستدامة في مقتل ، وإلى لقاء يتجدد بكم والله المستعان على ما يصفون.

قد يعجبك ايضا