جذور التآمر على اليمن
من الثابت تاريخياً أن السعودية ترتبط وجوديا بالمستعمر البريطاني فقد تداخل بشكل أو بآخر في ظروف نشأتها وتكوينها الأول وكانت المخابرات البريطانية وراء حركة التوسع والتكوين، والمخابرات البريطانية حينها كانت واقعة تحت هيمنة الحركة الصهيونية وتكوين المملكة العربية السعودية جاء كخيار بديل بعد الصد والممانعة الذي أظهره السلطان العثماني عبدالحميد حين عرض عليه اليهود الأموال والذهب في مقابل اقرارهم على فلسطين كوطن قومي لهم، فكانت الدعوة الوهابية هي المطية التي أمتطاها اليهود للوصول إلى غايتهم وقد مدوا هذه الحركة بالأموال والسلاح والذهب حتى تفرض هيمنتها على الحجاز وتكون هي المركزية الإسلامية وتتمكن من خلال تلك المركزية وتلك الرمزية التي تمثلها المقدسات في الحجاز من إقرار اليهود على فلسطين. وقد تم لهم ذلك إذ أقر الملك عبدالعزيز بحق اليهود في فلسطين وكان إقراره الذي أصبح متداولاً بمثابة الصك بيد الحركة الصهيونية وبيد اليهود، ومثل هذا الحدث لم يلتفت إليه مؤرخو الفترة إلا كحدث عابر لكنه كان يحمل حركة تحول وتبدل في المفاهيم وفي الأبعاد الثقافية، فالسعودية كنظام كانت تقوم بدور الفصل الحضاري بين الأمة وماضيها ولذلك ظلت آلتها التدميرية تعمل في الآثار الإسلامية وغير الإسلامية للوصول إلى حالة فقدان المعنى والوصول إلى حالة فقدان – كما تكرر معنا قوله – يشير إلى عدم إحساس الفرد بفهم الأحداث التي يرتبك بها وبالتالي الوصول إلى حالة التيه فالفرد يكون غير متبصر بما يجب عليه أن يعتقده ويفقد معايير الوضوح في صنع القرار وبالتالي يكون غير قادر على الاختيار بين البدائل، ولذلك رأينا مذكرة الملك عبدالعزيز التي تعترف بفلسطين كوطن قومي لليهود تمر مرور العابرين في الذاكرة الثقافية والتاريخية إلى أن تنبه لها النظام البعثي في العراق عام 1990م بعد تلك الحملة الشرسة التي قادتها السعودية عليه، وظل إمعان السعودية على إحداث حالة الفصل قياماً بدورها المطلوب منها من قبل الصهيونية العالمية عن طريق المخابرات البريطانية يمارس تزييف الوعي العربي إلى درجة عدم تبصر الفرد وعدم قدرته على فهم الأحداث التي يرتبط بها وساعدها في ذلك امبراطورية إعلامية واسعة الانتشار وفي مستويات متعددة ففي حين تجد إعلاماً ملتزماً بقيم الفضيلة تجد إعلاماً موازياً يدعوا للرذيلة وكلاهما لهما مشكاة واحدة في الدعم والتوجيه وهو بيت مال المسلمين في السعودية.
لم تكن اليمن إلا جزءاً من المهام الجوهرية التي تقوم بها المملكة العربية السعودية ارضاء للحركة الصهيونية العالمية فقد كان اشتغال النظام السعودي في اليمن اشتغالاً مدمراً منذ النصف الأول من القرن العشرين، فهي التي تقف وراء عصابات تهريب الآثار وعصابات تهريب المخطوطات النفيسة والنادرة، وهي التي تقف وراء الجماعات التي تشتري المخطوطات لتتولى حرقها وإتلافها، وهي التي تدعم الجماعات المتطرفة لهدم الرمزيات الثقافية التاريخية، وهذه الجماعات تنشط في اليمن منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي وهي التي كانت وراء هدم مشهد ابن علوان في يفرس وظل نشاطها متواصلاً إلى هذا الزمن الذي يباشر العدوان وطيرانه الهدم والتدمير للآثار الحضارية والتاريخية في عموم اليمن.
وفي البعد السياسي التاريخي كانت السعودية وراء التمكين للمستعمر البريطاني في التوسع الأفقي واحتلال الضالع وهي أداته في احتلال جزيرة كمران وهي أداته في التخفيف من وطأة الثورة عليه وتأجيل خروجه من 63م إلى 67م بعد أن أطمأن إلى الأثر النفسي والثقافي الذي ستتركه نكسة 5 حزيران 67م على الشارع العربي واطمئنان الصهيونية العالمية على مستقبلها وقد عملت في 67م على استكمال حركة التوسع في فلسطين وكانت السعودية تعمل على تقليم أظافر عبدالناصر في اليمن وتأمين خط الملاحة الدولي في باب المندب لصالح إسرائيل وبإيعاز من المخابرات البريطانية الواقعة تحت هيمنة الصهيونية العالمية.
واليوم النظام السعودي يقوم بالدور التاريخي نفسه فعدوانه على اليمن غير مبرر وثورة 21 سبتمبر 2014م لا تشكل خطراً مباشراً ولا غير مباشر عليه ولكنها من خلال انحيازها إلى خط المقاومة العربية قد تشكل عمقاً استراتيجياً لمحور المقاومة وهو الأمر الذي يغضب إسرائيل والصهيونية العالمية خوفاً أن ينعكس ذلك عليها بشكل سلبي، ولذلك فالنظام السعودي من خلال عدوانه على اليمن يقوم بدور وجودي لاسرائيل كما كان في سالف أيامه وتلك هي وظيفته الحقيقية التي ظل يقوم بها في العقود الماضية.