وفي ذلك فليتنافس المتنافسون

 

> المبادرات الخيرية .. حصن الشباب من الانحراف وتعزيز لمبدأ الأخوة الإسلامية
لقاءات / أسماء حيدر البزاز
إدراج الفرد نفسه ضمن مبادرات طوعية وخيرية من أفضل أبواب العطاء والخير التي حث عليها الاسلام وشدد في مواكبتها ابتغاء الجزاء والأجر من الله وتعزيزا لمبدأ الإخاء والتكافل الاجتماعي خاصة في ظل هذه الظروف القاهرة التي يمر بها أبناء مجتمعنا .. نماذج عديدة يقدمها ويجسدها أبناء الايمان والحكمة اليمانية في سياق التحقيق الآتي .. نتابع

صفوان الشراحي مؤسس مبادرة «كن معهم» الخيرية يتحدث عن مبادرته قائلا : مبادرتنا مكونة من واحد وخمسين شابا تطوعوا للانضمام لخدمة مجتمعهم وتجسيد روح الأخوة والتكافل المجتمعي لتقديم مختلف الخدمات وحشد الطاقات لهذا الهدف النبيل كل بقدر استطاعته وقد تكفلنا بعدد من الأسر والحالات الانسانية كالايتام والأرامل والجرحى وهذا ما ندعوا به كل شاب وشابة أن يبادروا في عمل الخيرات ففي ذلك الخير الوفير والجزاء الكبير في الدنيا والآخرة
مبادرة «كن معهم» هي نموذج طيب من عشرات المبادرات الخيرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة ولعل الكثير يجهل مفهوم المبادرات الخيرية التطوعية وفائدتها على الفرد والمجتمع والجزاء العظيم الذي ينتظر صاحبها يوم القيامة وهنا جاء دور العلم للبيان والتوضيح في ميدان التسابق إلى الخيرات
فوائد عظيمة
العلامة محمد المتوكل يتطرق في حديثه عن أهمية انخراط الفرد في المبادرات التي تعين الآخرين في جوعهم وفقرهم ومرضهم وقضاء حوائجهم ابتغاء رضا الله وجزائه وتقوية روابط الإخاء والتكافل بين أفراد المجتمع .
وأضاف : لا يخفى على أحد الوضع الذي يعيشه اليمنيون الذين يتكبدون كل يوم مآس وغصص لا تنتهي ويستهدفون في أولادهم وذويهم ومالهم ومصدر رزقهم , الأمر الذي أفشى العديد من الحالات الانسانية والمأساوية وخلف الكثير من الكوارث على مختلف مجالات ونواحي الحياة بشكل يتطلب تظافر مجتمعي ولو بالحد الأدنى للوقوف مع هؤلاء المنكوبين من أبناء جلدتنا وتوطيد جذر الترابط والتآخي , حتى يكتب الله لبلادنا النصرة والتمكين وليس ذلك ببعيد .
المتنافسون
من جانبه أستهل العلامة إبراهيم العلفي حديثه بقول المولى عز وجل : ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ? وقول جرير (تصدَّق رجلٌ مِن ديناره، من درهمِه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تَمره – حتَّى قال: ولو بشقِّ تمرة فجاء رجلٌ من الأنصار بِصُرَّة كادت كَفُّهُ تعجز عنها، بل قد عجزت»، قال: «ثُمَّ تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيتُ وجه رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يتهلَّل كأنه مذهبة».
وأضاف : ديننا دين البذل والتضحية والعطاء دين إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج والكرم والوفاء والإيثار وهو ما تجسده تلك المبادرات الخيرة التي تجلت اليوم على السطح لا تبتغي من الناس جزاء ولا شكور إنما يرجون جزاءهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون , رغم ظروفهم الصعبة إلا أن مدى إيمانهم وثقتهم بذلك الوعد فهم يبادرون ويسابقون في الخيرات ويعطون في سبيل ذلك جل وأغلى ما يملكون على درب المصطفى سائلون وشعارهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( مَن سنَّ في الإسلام سُنَّة حسنةً فله أجرها وأَجْرُ من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووِزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)
نماذج عظيمة
ومن جامعة القرآن الكريم وعلومه تقول الداعية إيمان أحمد ياسين : لقد بين العديد من العلماء والدعاة فضل من بادر ومن يتسابقون في الخيرات خاصة في ظل هذه الظروف الحالكة في مجتمعنا حيث أن نفع الناس والسَّعي في كشف كروبِهم من صفات الأنبياء والرُّسل؛ فالكريم يوسف – عليه السَّلام – مع ما فعله إخوتُه، جهَّزهم بجهازهم، ولَم يبخسهم شيئًا منه، وموسى – عليه السَّلام – لَمَّا ورد ماء مدين وجد عليه أمَّة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتَيْن، رفع الحجر عن البئر، وسقى لهما، حتَّى رويت أغنامهما، وخديجة – رضي الله عنها – تقول في وصف نبيِّنا – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّك لتَصِل الرَّحِم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقِّ». ومن نفَّس عن مؤمنٍ كربة من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه) وبالمقابل كل تلك دعوات إيمانية لخوض مجالات الخير بما يسمى اليوم بالمبادرات الطوعية التي تسهم في إنهاض المجتمع وتفريج كرب وهموم أبنائه وإسعادهم وصدق قول الشاعر حين يقول
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَأْسِرْ قُلُوبَهُمُ
فَطَالَمَا اسْتَأْسَرَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ
وَكُنْ عَلَى الدَّهْرِ مِعْوَانًا لِذِي أَمَلٍ
يَرْجُو نَدَاكَ فَإِنَّ الْحُرَّ مِعْوَانُ
الميزان
فيما لخصت المرشدة الدينية بشرى الزيادي فضل تلك المبادرات بقصة من الأثر فقد ثبت في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتْ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنْ النَّارِ . وما روى أهل السير عن أحمدَ بنِ مسكين أحدِ علماءِ القرن الثالث الهجري في البصرة، قال:»امتحِنت بالفقر سنة تسع عشرة ومائتين، فلم يكن عندنا شيء، ولي امرأة وطفلها، وقد طوينا على جوع يخسف بالجوف خسفا، فجمعت نيتي على بيع الدار والتحوّل عنها، فخرجت أتسبب لبيعها فلقيني أبو نصر، فأخبرته بنيتي لبيع الدار فدفع إلي رُقاقتين من الخبز بينهما حلوى، وقال أطعمها أهلك. ومضيت إلى داري فلما كنت في الطريق لقيتني امرأة معها صبي، فنظَرَت إلى الرقاقتين وقالت: يا سيدي، هذا طفل يتيم جائع، ولا صبر له على الجوع، فأطعمه شيئًا يرحمك الله، ونظر إليّ الطفل نظرة لا أنساها، وخيّل إليّ حينئذ أن الجنة نزلت إلى الأرض تعرض نفسها على من يشبِع هذا الطفل وأمه، فدفعت ما في يدي للمرأة، وقلت لها: خذي وأطعمي ابنك. والله ما أملك بيضاء ولا صفراء، وإن في داري لمن هو أحوج إلى هذا الطعام، فدمعت عيناها، وأشرق وجه الصبي، ومشيت وأنا مهموم، وجلست إلى حائط أفكر في بيع الدار وإذ أنا كذلك إذ مرّ أبو نصر وكأنه يطير فرحًا، فقال: يا أبا محمد، ما يجلسك ها هنا وفي دارك الخير والغنى؟! قلت: سبحان الله! ومن أين يا أبا نصر؟! قال: جاء رجل من خراسان يسأل الناس عن أبيك أو أحدٍ من أهله، ومعه أثقال وأحمال من الخير والأموال، فقلت: ما خبره؟ قال: إنه تاجر من البصرة، وقد كان أبوك أودَعه مالاً من ثلاثين سنة، فأفلس وانكسر المال، ثم ترك البصرة إلى خراسان، فصلح أمره على التجارة هناك، وأيسَر بعد المحنة، وأقبل بالثراء والغنى، فعاد إلى البصرة وأراد أن يتحلّل، فجاءك بالمال وعليه ما كان يربحه في ثلاثين سنة .
يقول أحمد بن مسكين: حمدت الله وشكرته، وبحثت عن المرأة المحتاجة وابنها، فكفيتهما وأجرَيت عليهما رزقا، ثم اتجرت في المال، وجعلت أربه بالمعروف والصنيعة والإحسان وهو مقبل يزداد ولا ينقص، وكأني قد أعجبني نفسي وسرني أني قد مُلِأَت سجلاتُ الملائكة بحسناتي، ورجوت أن أكون قد كُتبت عند الله في الصالحين، فنمت ليلة فرأيتُني في يوم القيامة، والخلق يموج بعضهم في بعض، ورأيت الناس وقد وُسِّعَتْ أبدانُهم، فهم يحملون أوزارهم على ظهورهم مخلوقة مجسّمة، حتى لكأن الفاسق على ظهره مدينة كلها مخزيات، ثم وضعت الموازين، وجيء بي لوزن أعمالي، فجعلت سيئاتي في كفة وألقيت سجلات حسناتي في الأخرى، فطاشت السجلات، ورجحت السيئات، ثم جعلوا يلقون الحسنة بعد الحسنة مما كنت أصنعه، فإذا تحت كل حسنةٍ شهوةٌ خفيةٌ من شهوات النفس، كالرياءِ والغرورِ وحبِ المحمدة عند الناس، فلم يسلمُ لي شيء، وهلكتُ عن حجتي وسمعتُ صوتًا: ألم يبق له شيء؟ فقيل: بقي هذا، وأنظر لأرى ما هذا الذي بقي، فإذا الرقاقتان اللتان أحسنت بهما على المرأة وابنها، فأيقنت أني هالك، فلقد كنت أُحسِنُ بمائةِ دينارٍ ضربةً واحدة فما أغنَت عني، فانخذلت انخذالاً شديدًا ، فوُضِعَت الرقاقتان في الميزان، فإذا بكفة الحسنات تنزل قليلاً ورجحت بعضَ الرجحان، ثم وُضعت دموع المرأة المسكينة التي بكت من أثر المعروف في نفسها، ومن إيثاري إياها وابنها على أهلي، وإذا بالكفة ترجُح، ولا تزال ترجُح حتى سمعت صوتًا يقول: قد نجا .
عائد تنموي
ومن الناحية التنموية تفيدنا إيناس الحكمي – مدربة تنمية بشرية بالقول : إن انخراط الشباب ضمن مبادرات خيرية فائدة عظيمة تعود على الفرد والمجتمع وتنشأ جيل مستقيم بعيد عن تجاذبات الانحراف ودعوات التطرف وشبح الفراغ القاتل أضف إلى أنه كما بين الخبراء اكتساب خبرات جديدة وتعلم مهارات جديدة وهي مهارات يكتسبها في الدخول في الحياة العملية لإنجاز المهام الخيرية ، والتي تتطلب تنظيم الوقت جيدا ، والتخطيط الجيد ، وكيفية ادارة العمل ، والتصرف بالميزانية المتاحة ، وتحديد الأهداف والعمل للوصول إليه ، وغيرها ، وكلها مهارات هامة يكتسبها المبادر وتعود عليه بالنفع بعد ذلك في باقي المجالات العملية .. والحفاظ على الصحة : للعمل الخيري أهمية مادية وأهمية معنوية ، الأهمية المعنوية أو الجسدية التي تتطلب بذل كثير من الجهد ، والحركة لإنجاز المهام ، وهي بديل رياضي مفيد للجسم ، واكتساب القوة ، أما الأهمية المعنوية وتتمثل في أن التطوع يعد علاجا فعال للاكتئاب ، والوحدة ، والملل ، إذ يجد المبادر ما يملأ فراغه ، ويدرك أن همومه ضئيلة مقارنة بهموم واحتياجات أناس آخرين .وتعلم العمل ضمن فريق وما في ذلك من خدمة المجتمع .

قد يعجبك ايضا