لكي ننجز الحلم
منذ ثلاثينيات القرن الماضي يناضل اليمنيون في سبيل التخلص من قيود الاستبداد الداخلي وأغلال الوصاية الخارجية، وفي سبيل إنجاز هذا الحلم، والوصول إلى تحقيق بناء دولتهم اليمنية القوية، القائمة على مبادئ الشورى والعدل والمواطنة المتساوية قدموا ــ وما زالوا يقدمون ــ أغلى التضحيات، وأعظم البطولات.
كان اليمانيون في مطلع الستينيات على موعد مع الفجر السبتمبري، ليكون فجرا للحرية والاستقلال وبناء دولة اليمن الجمهوري، لكن سبتمبر فرغ من مضامينه العادلة وأهدافه الجميلة، فقد سقط الإمام، ولكن عقليته ظلت متوارثة مع الحكام الجمهوريين بل هم يزيدون عليه في ارتهانهم لقوى الخارج والتفريط بسيادة الوطن، فحالهم كما وصفها شاعر اليمن الكبير الدكتور المقالح مخاطبا الشهيد الزبيري :
كنا نعاني وشاحا واحدا فهوى…وأرهقتنا الوشاحات الطوابير
باعوه من كل أفاك وليس لهم …رأي سوى أنهم فيه طراطير
وفي منتصف السبعينيات كانت قوى الوصاية الخارجية ترقب بحذر المشروع الوطني للرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الهادف إلى النهوض باليمن اعتمادا على مقوماته الداخلية، فمن لا يملك قُوْتَه ــ كما يقول عبد الناصر ــ لا يملك قراره، فأحكمت المملكة السعودية خطتها بالتعاون مع أيادي الغدر والخيانة من عملاء الداخل للتخلص من الشهيد الحمدي والقضاء على مشروعه الحضاري التنموي في اليمن.
تحقيق الوحدة اليمنية في مايو 1990م كانت فرصة ذهبية أتيحت لليمنيين ــ لو أنهم أحسنوا التعاطي معها ــ لاجتياز عواصف الأطراف المتصارعة على السلطة والعبور من مهاوي الأنفاق المظلمة بأمن وسلام، والدخول باليمن إلى عهد جديد تسود فيه العدالة والتنمية وتتحقق في ظلاله أحلام الجماهير وأهداف الثوار، لكن ثقافة الاستبداد وإقصاء الآخر من جهة، والتآمر الخارجي على الوطن من جهة أخرى سرعان ما بددا الأحلام الكبيرة المرجوة من دولة الوحدة.
وفي 2011م استطاع المنشقون من نظام صالح ركوب موجة ثورة الشباب والوصول إلى قيادتها، وتوجيه مساراتها، فعملوا أولا على تحويل هتاف جماهير الشعب الثائرة من (الشعب يريد إسقاط النظام) إلى (الشعب يريد إسقاط الرئيس)، وأكملت قوى الوصاية الخارجية عملية اختزال أهداف الثورة في إسقاط شخص الرئيس (صالح) وتدوير السلطة منه إلى أركان نظامه (محسن وآل الأحمر)، وبفعل ثقافة الإقصاء وتهميش الآخر التي مارسها الحكام الجدد من أركان النظام السابق وركونهم إلى قوى الوصاية الخارجية سقطوا في 2014م.
الخلاصة التي يمكن أن نصل إليها من خلال هذا العرض الخاطف لبعض مراحل تاريخ اليمن المعاصر وتحولاته السياسية هي أن حلم اليمنيين في بناء دولتهم الديمقراطية القوية العادلة، يتقاطع مع مصالح قوى الوصاية الخارجية السعودية والخليجية، فهي ترى في تحقيقه تهديدا لوجود كياناتها وأنظمة حكمها ، وبالتالي فهي تسعى إلى إضعاف اليمن، ليظل محتاجا إليها فتفرض وصايتها عليه، وتتحكم في قراراته السيادية ، وعليه فلا بد من تحرير القرار اليمني السيادي من الوصاية السعودية الخليجية أولا، وعدم دخوله في أي وصاية خارجية جديدة ثانيا ولن ننجز هذا الحلم إلا بتجفيف منابع العمالة والارتزاق، وتحقيق الشراكة الوطنية، والتخلي عن ثقافة الاستبداد الداخلي وإقصاء الآخر، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في اختيار حكام الشعب.