التسامح ثقافة راسخة في تشريعات الإسلام

الثورة –
الحياة الآمنة المستقرة لا تصنعها وسائل الرفاهية المادية ولا ما يمتلكه الإنسان من أموال وقصور وشركات وغير ذلك من مظاهر الثراء المادي التي يتكالب عليها الناس . . بل يصنعها الشعور بالأمان النفسي والقبول والحب من جانب الآخرين والتسامح مع كل المحيطين بك ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم والاندماج معهم بما لا يكشف الخصوصيات والأسرار .
وقيمة التسامح أولاها الإسلام عناية فائقة لأنها إحدى أدوات الحياة الآمنة بين الناس سواء أكانوا أصحاب عقيدة واحدة أو كانوا ينتمون لأديان متعددة فلا يمكن أن تستقر حياة الناس ويتفرغوا للعمل والإنتاج وهم متشاحنون متصارعون يتربص بعضهم ببعض ولا شاغل لهم إلا كيفية الإضرار ببعض .

وتتعدد وتتنوع صور التسامح والرحمة كما يقول المفكر الإسلامي د .محمد عمارة في تشريعات الإسلام وأحكامه المتعلقة بأمور الدين والدنيا كما تتجسد ثقافة التسامح في قيمه وأخلاقياته وتوجيهاته وما يشيعه بين الناس من آداب تفرض على المسلم احترام الآخرين والتعامل الرحيم معهم والتماس الأعذار لهم والحرص على التعاون والتفاهم والعمل المثمر المفيد معهم .
فالتسامح في الإسلام ليس مجرد شعار يطلق للدعاية أو تحسين الصورة أو خداع الآخرين لكنه ثقافة راسخة تكشف عنها مواقف الإسلام وتشريعاته وأحكامه .

الأمان للجميع
ويضيف د .عمارة: إن كل تشريعات الإسلام تحث الناس على أن يعيشوا في أمان مع أنفسهم ومع بعضهم البعض وتدفع المسلمين إلى إشاعة قيم التسامح والرحمة في علاقاتهم بمن يخالفونهم في العقيدة فلا عدوان على أحد بسبب عقيدته ولا إهدار لحقوق أحد بسبب اعتناقه عقيدة غير عقيدتنا فالإسلام وفر الحماية لكل من يعيش على أرضه مسلماٍ كان أو غير مسلم وجعل العدوان على نفس بشرية واحدة كالعدوان على البشرية كلها ولذلك استطاع الإسلام بتشريعاته العادلة وتوجيهاته الكريمة أن يوفر الأمان لكل خلق الله وأن يصنع حياة طيبة يشعر فيها كل من يعيش على أرضه وفي حمايته من أتباع الأديان السماوية بأمان واستقرار وطمأنينة .
وثقافة التسامح الإسلامي هي التي تدفع المسلمين الآن كما دفعتهم في الماضي إلى الترحيب بكل من يأتي إليهم زائراٍ أو تاجراٍ أو دارساٍ أو مقيماٍ فغير المسلمين يعيشون الآن في كل مجتمعاتنا الإسلامية في أمان تام ويقابلون بالترحاب من المسلمين في كل مكان فالإسلام فرض على المسلم أن يوفر الأمان لكل من يأتي إلى بلاده وألزمه بحسن الضيافة ووجهه إلى إكرام ضيفه ومساعدته بكل ما يستطيع بعيداٍ عن عقيدته أو جنسيته حتى لو كانت الدولة التي ينتمي إليها تهدر حقوق المسلمين الذين يعيشون على أرضها فنحن نتحرك بدوافع غرسها فينا ديننا ولا نتعامل بالمثل في مثل هذه المواقف .
تسامحنا وتسامحهم
وبصوت يسيطر عليه الحزن والألم يعقد فضيلة الشيخ د.حمود مطهر السعيدي الوكيل المساعد بوزارة الأوقاف والإرشاد مقارنة بين تسامح المسلمين الذي هو عقيدة راسخة يفرضها عليهم دينهم ويحاسبهم على كل سلوك لا تتجسد فيه هذه القيمة العظيمة وبين الشعارات الخادعة التي يتغنى بها الغربيون خاصة أن واقع الأمر يؤكد تصاعد التعصب الديني ضد المخالفين لهم في العقيدة وبخاصة المسلمين الذين تهدر حقوقهم في كثير من المجتمعات الغربية ويتم الاعتداء على مساجدهم ومدارسهم ويحرم أبناؤهم من الالتحاق بكثير من المدارس والجامعات فضلاٍ عن طردهم من وظائفهم والتضييق عليهم في معيشتهم كما تؤكد التقارير الواردة من كل المجتمعات الغربية .
وهنا يؤكد د .عبدالسلام أن تسامح المسلمين عقيدة وثقافة راسخة لا تتغير بسبب المواقف والسياسات وأساليب التعامل غير الكريم من الآخرين أما تسامح الغربيين معنا فهو شعارات جوفاء لا يجسدها سلوك حقيقي على أرض الواقع وهذا من شأنه أن يضاعف من حدة التوتر بين أتباع الأديان السماوية وفي مناخ التوتر والتعصب من الطبيعي أن تزهق أرواح أبرياء وتضيع حقوق بسطاء ولذلك لا بد من أن يراجع الغربيون مواقفهم تجاه ديننا وأن يتخلوا عن تعصبهم في التعامل مع كل ما هو إسلامي وأن يتعرفوا إلى الحقائق الإسلامية من مصادرها بعيداٍ عن وسطاء السوء .
ويقول: عندما تتخلى وسائل الإعلام الغربية عن سياساتها ومواقفها العدوانية تجاه ديننا وقضايانا وحقوقنا فستوفر مناخاٍ أفضل للغربيين لكي يتعرفوا إلى الإسلام الحقيقي الإسلام الذي تتجسد في أحكامه وتعاليمه ومبادئه كل قيم التسامح والرحمة الإسلام الذي كانت سماحته في معاملة غير المسلمين من أهم الأسباب التي جعلت الناس يدخلون في دين الله أفواجا الإسلام الذي دفع العديد من الكتاب والمفكرين والسياسيين في الغرب إلى اعتناقه بسبب مصداقية مواقفه وعظمة تعاليمه وأحكامه الإسلام الذي يقبل عليه العقلاء في الغرب الآن رغم حملات التشويه والتشكيك والتضليل التي تستهدف صرف الناس من مسلمين وغير مسلمين عنه . ويضيف: لا بد أن يتخلى كثير من الكتاب والمثقفين في الغرب عن ثقافتهم المغشوشة عن ديننا وأن يتوقف بعض رجال الدين الغربيين عن التشكيك في الإسلام لأن هذه المواقف المتعصبة والمفاهيم المغرضة والثقافة المضللة هي التي تقود عامة الناس في الغرب إلى التعامل مع الإسلام على أنه دين تشدد وتطرف وإرهاب ومثل هذه المفاهيم الضالة المنحرفة هي التي تدفع الشباب العنصري في الغرب إلى ارتكاب حماقات ضد المسلمين والمسلمات.

شهادة التاريخ
ومن المآثر التي انفردت بها شريعة الإسلام وتميزت بها حضارة المسلمين كما يقول المؤرخ الإسلامي د .عبدالحليم عويس أستاذ التاريخ الإسلامي شيوع التسامح الديني مع أصحاب الديانات المخالفة من اليهود والنصارى والمجوس والهندوس وغيرهم وهذا ما سجله التاريخ الإسلامي بوضوح وما اعترف به المؤرخون والكتاب الأوروبيون وغيرهم وأنصفوا فيه الإسلام وأمته وحضارته .
وقد جاءت مواقف المسلمين المتسامحة مع غيرهم من أصحاب الديانات والعقائد الأخرى ترجمة لما وضعه القرآن الكريم من أسس ومبادئ وقواعد للتعامل مع غير المسلمين إذا كانوا مسالمين للمسلمين ولم يقاتلوهم في دينهم ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يظاهروا على إخراجهم حيث قال تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” .
ومن المعلوم أن هذه الآية نزلت في شأن المشركين الوثنيين من قريش وأمثالهم من العرب . . وقد شرعت برهم والإقساط إليهم . . والإقساط هو العدل . . والبر هو الإحسان .
وقد اختار القرآن كلمة “البر” في التعامل مع أصحاب العقائد الأخرى وهي الكلمة التي تستعمل في أقدس الحقوق بعد حق الله تعالى وهي “بر الوالدين” .

صور مشرقة
أما أهل الكتاب فلهم معاملة أخص من هذه المعاملة فقد أجاز الإسلام مؤاكلتهم ومصاهرتهم وقمة التسامح الديني الإسلامي أن تكون زوجة المسلم ورفيقة حياته وأم أولاده غير مسلمة ويصبح أهلها أصهارا له ويصبحوا أجداداٍ وجدات وأخوالاٍ وخالات لأبنائه وبناته .
ويقول د .عويس: صور التسامح الديني في تاريخنا الإسلامي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اليوم مشرقة وتؤكد التزام المسلمين بكل ما قرره الحق سبحانه من مبادئ وقواعد في التعامل الراقي والحضاري مع المخالفين لنا في العقيدة فقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل الكتاب التسامح القائم على القسط والبر والعدل والإحسان وتتجلى هذه السماحة في معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب يهودا كانوا أم نصارى فقد كان يزورهم ويكرمهم ويحسن إليهم ويعود مرضاهم ويأخذ منهم ويعطيهم فقد روي أن وفد نجران وهم من النصارى لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة دخلوا عليه مسجده بعد العصر فكانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده فأراد الناس منعهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دعوهم” فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم ولذلك ذهب بعض فقهاء المسلمين إلى جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين وتمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين إذا ما كانت هناك ضرورة لذلك .

قد يعجبك ايضا