وجهة نظر.. القاضي عبدالعزيز

محمد الدعيس

عندما نتحدث عن نجوم السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي فإننا نتحدث عن جيل العمالقة والذين نذروا أنفسهم وشبابهم لمعشوقتهم الساحرة المستديرة التي سلبت عقولهم وشدفتهم بفنونها الكروية وأجبرتهم على خوض غمار منافساتهم وجعلتهم يضحون من أجلها بكل ما يملكون بما في ذلك مستقبلهم الدراسي وتحصيلهم العلمي, لدرجة أن لاعبين دفعوا ثمن عشقهم الجارف لكرة القدم بسقوطهم في الدراسة بعد أن أخذت الكرة منهم كل شيء ليجنوا الفشل الذريع في الوقت الذي كان لا يوجد اهتمام بنجوم الكرة مثل الاحتراف والمرتبات كما هو حاصل اليوم.
من اولئك النجوم الذين أعطوا كرة القدم كل ما يملكون دون أن يحصلوا على شيء يذكر, المايسترو عبدالعزيز القاضي كابتن عميد الحالمة ولاعب المنتخبات الوطنية خلال تلك الفترة الجميلة التي اتسمت بالتضحية والإبداع والعطاء الوفير والذي مايزال مدوناً في أذهان الكثير من عشاق المستديرة محصورا على المربعات الترابية والخضراء وأول محطات السندباد الأسمر كانت عروسة البحر الأحمر حيث لعب لنادي العمال ثم انضم بعد ذلك إلى صفوف نادي الجيل الرياضي الذي كان حينها يعيش عصره الذهبي ليلعب مع عمالقة الساحل أمثال محمد الجهمي وأخيه والبناء والآنسي وغيرهم, بعدها انتقل إلى مدينة تعز الحالمة والتي استقر فيها بعد أن توظف في الكهرباء وانضم وقتها إلى صفوف نادي الصحة الذي كان يومها يضم نخبة من اللاعبين المخضرمين أمثال الراحل أحمد عبدالعزيز وعبده جحيش والقاضي على الإرياني وغيرهم, وفي عام 1974م انتقل القاضي إلى أسرة عميد الحالمة بعد الحاج الراحل محمد القصوص الذي بذل كل ما لديه في سبيل تعزيز القلعة الحمراء بلاعب كبير له وزنه وقيمته بحجم عبدالعزيز, وعلى الفور لحق به الجناح الطائر وهداف الصحة عبدالله عتيق, وفي صفوف الأهلي قدم المايسترو أجمل العروض الكروية مع كوكبة من النجوم المشهورين أمثال جوكر الشياطين الحمر وهداف الفريق يحيى فارع والموسيقار المجيدي ومحمد يوسف والعسوبي والحارس العملاق عبدالملك قوزع والذين ترجموا إبداعاتهم إلى إنجاز عظيم وذلك بإحراز أول بطولة كروية وتاريخية ممثلة ببطولة الجمهورية عام 76م والتي كانت تقام بين أبطال المحافظات, وفي عام 77م تمكن السندباد الذي طاف حول البلاد ونال إعجاب النقاد وحظي باحترام الكبار من الفوز بنفس البطولة للمرة الثانية على التوالي ولكن بوجوه جديدة ودماء شابة تكونت من المدافع المهاجم حميد نشطان والمرتضى وخيري علي رضاء وجميل الحمامي وغيرهم, وكان إنجازاً غير مسبوق للفريق الأحمر.
وعلى الرغم من رحيل جيل العمالقة باعتزال البعض واستسلام الآخرين للظروف التي أجبرتهم على هجر الساحرة مبكراً إلا أن العملاق عبدالعزيز ظل صامداً متحدياً لكل الصعوبات والظروف القاسية وبقي صادقاً مخلصاً لمعشوقته التي أحبها منذ نعومة أظفاره وقدم لها وفي سبيلها كل سني عمره بتواضع جم وبساطة قلما وجدناها في غيره وأخلاق عالية تميز بها طوال مشواره الرياضي الذي دام أكثر من ربع قرن بالتمام والكمال وبالأصح 26 عاماً اتسمت بالعطاء الوفير في الإبداع المتجدد بالذكريات الحلوة والمرة حيث عاصر القاضي جيلين, جيل العمالقة من لاعبي السبعينيات أمثال الروضي والعذري والظرافي وجلاعم والعرشي, ومثلما قدم للنادي الأهلي قدم أيضاً للمنتخبات الوطنية ثم جيل الثمانينيات وبداية التسعينيات أمثال أولاد طه وعبدالملك ثابت ومحمد الآنسي ومن بعدهم جميل حبيش ومطهر ثابت وإيهاب البعداني وعبدالعظيم القدسي, وفي عام 1984م حقق مع جيل الشباب بطولة الدوري العام وهي أول وآخر بطولة تاريخية يفوز بها عميد الحالمة بقيادة نجم النجوم الذي قرر بعد ذلك الاعتزال بعد رحلة مضنية عنوانها الوفاء والبذل والإخلاص.

قد يعجبك ايضا