واحدية الإرهاب وازدواجية الموقف
ما الفرق بين العملية الإرهابية التي استهدفت المدنيين الفرنسيين في مسرح باتاكلان في وسط باريس، وبين العملية الإرهابية التي استهدفت المدنيين اليمنيين في حفلة زواج بمنطقة سنبان بمحافظة ذمار كشاهد فقط على العمليات الإرهابية التي تشنها آلة القتل السعودية على المواطنين اليمنيين ، وهم في بيوتهم وفي مخيمات أعراسهم وفي مساجدهم وأسواقهم وفي مزارعهم، ولم تستثن حتى مقابر أمواتهم بشكل يومي متواصل منذ أكثر من ثمانية أشهر متواصلة على مرأى ومسمع من العالم ؟
أليس الضحايا في اليمن كالضحايا في فرنسا مدنيون مسالمون تم الاعتداء عليهم وقتلهم بطريقة وحشية خارج النظام والقانون، فلماذا يضج العالم ونحن معه على ضحايا الإرهاب في فرنسا، فيما يختنق صوته ويكاد يكون منعدما في التضامن مع ضحايا العمليات الإرهابية في اليمن؟ وهل العمليات الانتحارية التي نفذتها الجماعات الإرهابية مؤخرا في باريس وبيروت وعلى متن الطائرة الروسية في أجواء صحراء سيناء على حين غفلة من الأجهزة الأمنية إلا صدى من أصداء الإرهاب الدولي الذي تمارسه السعودية في اليمن بشكل علني؟
إن الإرهاب الدولي الذي يمارسه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني أو ما يفعله التحالف العدواني في اليمن هو أخطر أشكال الإرهاب، وأشدها إجراما وأكثرها توحشا، فهو من جهة يرتكب أبشع الجرائم الإرهابية بحق المدنيين ويستخدم الأسلحة المدمرة لإهلاك الحرث والنسل بضغطة زر وهو على كرسي متحرك دون أن يصاب بأذى ، وهو من جهة أخرى مسنود بقوى النفوذ العالمي التي تسخر إمكانياتها السياسية والعسكرية والإعلامية في تكييف القرارات الأممية بما يخدم مصالحه، ويخفي جرائمه، ويعمل على تضليل الرأي العام العالمي عن حقيقة دوره في صناعة الإرهاب وتوزيع بركاته إلى بقية المناطق في العالم.
هذا التعاطي المزدوج في الموقف من الإرهاب لا يكشف نفاق دول العالم المتقدمة وخيانتها للمواثيق الأممية والمبادئ والقيم الإنسانية فحسب، ولكنه يكشف أيضا تورط كثير من هذه القوى وعلى رأسها أمريكا في صناعة الجماعات الإرهابية وتمكينها من التوسع والانتشار وتزويدها بالمال والسلاح ثم توظيفها لخدمة أجندتها الخاصة لتحقيق أهداف استراتيجية في كثير من بلدان العالم ، وبالتالي فإن المواقف الانتقائية التي تدين الإرهاب في مكان وتشجعه وتدعمه في مكان آخر، وتتعاطى مع الجريمة بحسب هوية المجرم وجنس الضحية، هي مواقف انتهازية بائسة تعكس الإفلاس القيمي والإخلاقي الذي وصل إليه العالم بقيادة أمريكا .
لن يكون غريبا في ظل هذا التعاطي المزدوج مع الجريمة الإرهابية والتواطؤ معها، وتوظيفها لصالح القوى الدولية أن يتمدد الإرهاب وتصل رياحه العابرة للحدود والقارات إلى كثير من دول العالم المتفرج بصمت أمام العدوان الإرهابي على اليمن، ولن يكون غريبا أيضا أن نرى الدول التي تورطت مع هذا العدوان هي أول من سيحترق بنيرانه وتطالها عملياته الإرهابية في عمق أراضيها .