لماذا تستغربون؟

ضرار الطيب
لا داعي لتكرير الكلام في سبيل إقناع أحد ما أن داعش موجودة في اليمن ، وبالتحديد في المدن التي تتواجد فيها ما تسمى  “المقاومة” ، لأنه إذا كان هناك من يرفض هذه الفكرة حتى الآن ، فهو بالتأكيد سيكون شخصاً خارق القدرات العقلية لدرجة أنه يستطيع إقناع نفسه بأن الأهرامات تقع في بني حشيش وليس في مصر .
بقي لدينا المتحاذقون ، وأصحاب “تقريباً .. وفي الواقع .. وربما .. وهذا لا يمنع ” وهم أولئك الذين سيقولون لك بعد هذه الكلمات  ” إنه ليس غريباً أن تظهر داعش على الساحة ، في ظل فوضى الحرب ، ومع ذلك فهي كيان غريب  ، وسيتم التخلص منه فور ترتيب الأمور وأبجدتها ”
حلوة “أبجدتها” هذه ، ولكن إذا كان ظهو داعش ليس غريباً ، فهو ليس بسبب فوضى الحرب ، لأن داعش ليست الطحلب الذي ينمو فجأة هكذا بسبب الرطوبة .
ظهور داعش ليس غريباً فعلاً ، لأن  الأمور ترتبت   و “تأبجدت” على هذا الأساس منذ البداية ،  فدعوات التحريض الأولى للقتال ضد الجيش واللجان الشعبية  ،  وإن كانت مغلفة بأعذار سياسية مراوغة ، إلا أنها كشفت بسرعة عن فتاوى وتهديدات طائفية لم تختلف أبداً عن النسق “الداعشي” المعتاد لمثل هذه الأشياء .
إلى ماقبل ذلك بقليل ، بعد أحداث عمران تحديداً ، في حكم هادي ، بدأ الإرهابيون باستهداف افراد الجيش بصورة لافتة ، والحقيقة أنهم بدأوا من قبل ، ولكن هذه المرة كانت كل العمليات مذيلة ببيان يعتبر افراد الجيش “روافض” ، و أن قتلهم نصراً مذهبيا .. وماحدث بعد هروب هادي وبداية العدوان ، هو أن قليل من الفبركة الإعلامية والسياسية نفخت بالوناً يسمى “المقاومة ”  كحركة مسلحة ضد الجيش وأنصار الله ولكن لأهداف مدنية تحررية حداثية لا علاقة لها بأي إرهاب أو روافض أو سنة أو دواعش ..”ماعندنحناش دواعش” .
وعليها.. أشهر من القتال الحداثي التحرري ،  حتى اصبحنا نغلط في أسماء قادة داعش  الذين صاروا يسيطرون على مناطق معروفة في مراكز المدن ، وبين الأسواق الشعبية .. لم نسمع مرة أن “المقاومة” أبدت حتى ضعف إيمانها وشعرت بالقلق من وجود هؤلاء الإرهابيين كي نستطيع أن  نفصل بينهما .
الحقيقة أن “المقاومة”  هي مرحلة التطور الطبيعي للإرهاب في اليمن ، وليست الحركة النبيلة التي ضحكت عليها داعش وتصدرت الموقف .
كانت الحرب ضد الجيش واللجان الشعبية ، مصحوبة بكل مظاهر  الدعوشة ، ابتداءاً من السكين واللثام الأسود وفتاوى التحريض،  ومروراً بقتل الأسرى وسحلهم وسلخهم أمام الناس ،  ثم الإبادات العرقية والطائفية .. وانتهاءا بفيلم قصير معد براحة بال يظهر فيه داعشي في تعز يقول “سنظل درعاً لأهل السنة ضد الروافض “.. نفس الكلام الذي قالوه من قبل ، وما تغير هو أنهم صاروا يفعلون ذلك بشجاعة ووقاحة طبيعية . نعم طبيعية ، ولا يجوز لأيٍ كان أن يوسع حدقتي عينيه ويستغرب  ويسأل : “كيف وصلنا إلى هذه الحال وصار الإرهاب علنياً هكذ؟”
الإرهاب هذا الذي نتحدث عنه ليس غريباً حتى نتفاجأ ، لأنه صار يحظى بإعلام جيد ، وقاعدة جماهيرية ، وعسكرية ، وقد فعل كل ذلك أمام الناس ، وبتبرير ودعم وتحريض على كل المستويات ، ولن ينتهي بسهولة .
بعد هذا كله ، لا يوجد أي مبرر للإستغراب من تمكّن داعش ، وإذا كان الأمر يتعلق فقط بالخوف والإرتعاش من كلمتي إرهاب و داعش .. فبالإمكان استخدام كلمة “مقاومة” ولن يصاب المعنى بأي تشوه . أما الإستغراب فغير وارد .. بغير مزاح قال مستغرب .

قد يعجبك ايضا