عرض/ خليل المعلمي
من الكتاب والروائيين والأدباء من تدرجوا في الكتابة، فبدأوا من النشر الصحفي ومن ثم اتجهوا إلى لغة الأدب التي يتحرر من خلالها ويتسامى معها من الشخصي والذاتي إلى الموضوعي، هذا ما يراه الكاتب والروائي والقاص العراقي محمد خضير.
محمد خضير كاتب قصة قصيرة عراقي من الطراز الأول، بقليل من النصوص استطاع أن يفرض اسمه كقاص واستطاع أن يشكل أيضاً ظاهرة في القصة العربية ويحدث اختراقاَ نوعياَ مازال يتواصل مع نتاجه الكثيف والمميز، وهو ينتمي إلى جيل الستينات الأدبي في العراق.
فبعد مسيرة طويلة من المتابعة والبحث والاطلاع أتحف خضير القراء العرب بكتابه الحديث “السرد والكِتاب” الذي اصدرته مجلة “دبي الثقافية” في أحد أعدادها، والكتاب يعتبر كحصاد معرفي لسنوات من الإبداع والتميز في عالم الكتابة، حيث يأتي في قسمين الأول عن السرد واستعمالاته والثاني عن استعمالات الكتاب، وكما قال فإن نتاج هذا الكتاب هو مجموعة من الكتابات المتفرقة خلال فترات متباعدة ولكنها منتظمة في المادة.
وعرج من خلال كتابه هذا إلى النظريات المتعلقة بالسرد، ويأخذ على الكتّاب العرب أنه لم يتهيأ لهم خوض الجدال النظري حول تطور فكرة الواقع إلاّ بعدما بدأت الواقعية الأوروبية بالأفول.
استعمالات السرد
شمل القسم الأول من الكتاب على إحدى عشر مقالاً حول استعمالات السرد في عدد من الفنون الأدبية مثل القصة والرواية والتشكيل وفي الاستعمال الرمزي كما يتحدث في المشغل الخيال عن بعض التجارب ذات العلاقة بالقصة والرواية، ويصف خضير الأديب المستعمل للصحافة لكي يكتسب الشهرة فيقول: يستعمل بعض الأدباء الأدب استعمال الصحافة فيقدمون على غايات الأدب الأساسية غايات الشهرة التي تخدمها الصحافة، وحين تستبد الشهرة بذات الأديب يشرئب رأس فضوله متعدد الوجوه فوق طبيعته الشخصية فتتخطى نظرته الزائغة تقاليد الأدب شاخصة نحو الحد البعيد من حدود الشهرة بل هو يسعى دائماً إلى استعمال شروط حاضره ليستولي على رصيد مستقبله رصيد نصوصه بعد أن يستهلك ما ادخره من شهرة أمسه.
وينتج عن ذلك أن تصبح تقاليد الأدب مثل “الأصالة” و”التجديد” و”التجريب” و”التأثير” تفقد فعاليتها بسبب استعمالها المرحلي في دهاليز الصحافة وتغدو مفاهيم مثل “الواقع” و”الخيال” و”الشعرية” و”التناص” استعمالات سائبة عن ارتباطاتها الاصطلاحية بالمنظومات المفاهيمية المستقرة.
وللنظرية الواقعية دورها في استعمال الواقع في النصوص الأدبية المختلفة, فهناك فائدة يجنيها الكاتب من عمله الأدبي الواقعي، تكمن في معرفة الواقع واقع الحياة وواقع الكتابة وغزارة المرجع وحدود النص.
واستعرض خضير استعمال الرواية من خلال السرد ومن خلال استعمال النظرية الروائية الغربية والمترجمة إلى العربية والتي اخُتلف في تطبيقها بحسب فهم ترجمتها ولهذا فقد تم التطرق إلى أمثلة في عدد من الروايات العربية والغربية ليبين من خلال ذلك مدى استعمال الرواية في نقل الواقع بكل تفاصيله.
ويقول خضير: تقع ممارسة الرواية بين حدي الوعي والتجربة (الوعي باعتباره إدراكاً لقوانين الرواية أو وعياً بضرورة الرواية والتجربة باعتبارها مادة الرواية الهيولانية) لكن الوعي قد يخون التجربة في لحظة الإنجاز الفعلي، عندما يثق الروائي كثيراً بقوانين الرواية وقواعدها فتصبح الرواية شكلاً من أشكال الخيانة خيانة الوعي لتجرب الكاتب، من ناحية أخرى قد يقع الروائي في فخ القوى الخفية أو القوى المرجعية التي يستند إليها في ممارسة العمل الروائي وأي روائي لم يقع ضحية لأحبولة القوى المسيطرة على تجربته المخذولة، وقد استدل على ذلك بالعديد من كتّاب الرواية لتوضيح ذلك.
وأما الاستعمال الرمزي للنص فيستخدم من قبل الكثير لكي يصل صاحبه إلى صياغة نص متكامل لتكوين فكرة معينة ليتم إيصالها للآخرين، ويشير خضير في خضم ذلك إلى أن النص لا يُفهم إلا بإحالاته المركزية على واقع دلالي متغير، إنه نص محكوم بنظام لغوي مشبع بالإيحاءات المرجعية أكثر منه وصفاً تكرارياً لمنظر طبيعي ثابت أو تصوير الحياة الاجتماعية وعندما يستعمل الكاتب المعاصر هذه الكلمة أو تلك فإنه يستعملها بالنسبة لنصه أولاً وارتباطاتها الرمزية المتعددة الأصول مرة أخرى في المرة الأولى التي شبه القصاص طريقاً اسفلتياً ملتوياً بأفعى سوداء.
السرد التشكيلي
لاستعمال الصورة الفوتوغرافية والسينمائية والكتلة الحجمية والفراغية للتمثال والعمارة في تشكيل لغة السرد الايقونية أهمية في تمكين الخيال من النص بإمكان الإحساس والتصور والإدراك في أرقى أشكاله، وقد اسند المؤلف أمثلة التشكيل السردي إلى قصص استعاضت عن لغة الوصف الشيئي بلغة الأحاسيس والمدارك وعن إنتاج الدلالة بإنتاج الأثر البصري والذهني.
ويقول المؤلف في ذلك: لطالما استعملت الصورة بنوعيها الثابت والمتحرك في سرد القصة لإحداث أثر وصفي، كان الوصف تقنية شائعة في القصص السيكولوجية والواقعية التسجيلية وصار عنصراً رئيساً في تجسيد المشاهد الواقعية المرئية تجسيداً صورياً وتحريك ماضوية الصورة الساكنة بعد أن استعار تقنيات الشريط السينمائي الذي تعمل فيه لغة التوليف عمل لغة الاسترجاع في ذاكرة الشخصية الساردة المحفزة بالصور.
ومن خبرة المؤلف في كتابة السرد يقول: ساعدني الاختبار التصويري والتصوري على تشكيل عناصر الصورة الفوتوغرافية والواقعة القصصية في آلية تأثير واحدة اندمجت فها التخوم الساكنة بالحركة الزمانية في عملية تشكيل ديناميكية فعّلت السرد وأنمّت عناصره ونوّعت أشكاله وتطّلب البحث في عملية التفاعل والاندماج هذه تأليف ثلاث مجموعات قصصية لم تستقم قصة فيها إلا بتوسيع المدى السردي كي ينتقل تأثير الصورة كلياً إلى البناء القصصي ولا يبقى انطباع منه خارج البناء بعبارة أخرى، وأصبحت القصة هي الصورة بعد أن ارتفعت إلى مستوى التشكيل التصوري الذي اختفت منه المصادر الأصلية للصورة.
وعرج المؤلف في القسم الأول من الكتاب إلى الحديث عن الكثير من الموضوعات من أهمها المرجعيات التي يعتمد عليها الكاتب مثل المكتبات والمتاحف ودفتر اليوميات التي يعود إليها الكاتب بعد أن سجل فيها كل أفكاره وكل ذكرياته اليومية وقد استعرض خلال ذلك العديد من الأدباء الذين قاموا بتدوين ذكرياتهم اليومية ومنهم من احرقها ومنهم من نشرها.
استعمالات الكِتاب
في القسم الثاني من الكتاب يتحفنا المؤلف بعدد من المواضيع الرائعة حول استعمالات الكتاب وجاذبيته واللذة التي يحصلها عليها القارئ، كما يتحدث عن مجالات الجذب المختلفة للكتاب بداية من العنوان والمؤلف واللون والغلاف بمحتوياته، وكل ذلك يجعل القارئ يستهوي الكتاب وينجذب إليه، وفي عدد من مواضيعه الأكثر روعة يتحدث الكاتب عن جوانب مختلفة في العلاقة بين القارئ والكتاب.
Next Post