
لقاءات / عبدالملك الشرعبي/ افتكار القاضي –
التقاليد.. الخوف.. الصمت.. التهميش.. المعاناة.. العنف.. الفساد.. البطالة.. كل ذلك دفع بالشباب وبالمرأة اليمنية متعلمة وأمية بمختلف شرائحهم وأطيافهم السياسية للخروج إلى الساحات من أجل إحداث التغيير وصنع يمن جديد مع اخوانهن الشباب.. وعلى مدى أكثر من عام وحتى الآن وهم يناضلون في الساحات بصورة سلمية شهدت لها العالم وأثبتوا أنهم قوة فاعلة ومؤثرة واليوم وبعد حدوث التغيير ورحيل رأس النظام السابق وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في اليمن.. هل حقق الشباب والفتيات حلمهم في التغيير ¿ وكيف ينظرون إلى المستقبل بعد هذه الثورة..
هدى ربة منزل.. الفساد والوساطة وعدم المساواة في توزيع الوظائف والمحسوبية والرشوة.. أسباب دعتها إلى الخروج إلى الساحة والمشاركة في الثورة الشبابية كما تقول ورغم أنها أم ومسئولة عن أطفالها وزوجها الذي كان هو الآخر يشاركها في الساحة ويدعمها وحثها على الخروج إلى الساحة للمطالبة بالتغيير وإنهاء مظاهر الظلم والفساد كخطوة أولى نحو بناء مستقبل أفضل حالا لهن وللأجيال القادمة .
خطوة أولى
وتقول هدى: رغم أنني أم وربة بيت لكن هذا لم يمنعني من مشاركة أخواتي في الساحة والخروج في المظاهرات ولم أتكاسل يوما واحداٍ عن الخروج بل أن الإصرار والعزيمة كانا شعاري للوصول إلى الحرية التي ننشدها ومحاربة الظلم الذي عانينا منه طويلا وتنظر هدى إلى مستقبل اليمن بنظرة تفاؤلية مع بدء التحول السياسي بانتخاب رئيس جديد للبلاد مع إدراكها أن إحداث التغيير المنشود لا يزال في بدايته وتخشى ألا تتحقق كامل أهداف الثورة لذلك فهي حريصة على البقاء في الساحة إلى أن يتم تحقيق كافة أهداف الثورة الشبابية.
مشاعل العامري طالبة مختبرات في كلية الطب ورغم أن أهلها كانوا رافضين فكرة الثورة السلمية والخروج للمطالبة بالتغيير لكنني خرجت وشاركت في الاعتصامات الشبابية من أجل إحداث التغيير والقضاء على الفساد المستشري ومن أجل يمن جديد وغد أفضل ورغم مرور الشهور دون تحقيق تقدم في التغيير لتعنت النظام السابق إلا أنني لم أيأس وكنت مدركة أننا سنحقق التغيير ولو بعد حين.. وبعد عام كامل من النضال المتواصل في الساحات بدأت الخطوات الأولى في التغيير وانتخبنا رئيساٍ جديداٍ لفترة انتقالية وتخلصنا من رأس النظام السابق الذي عاث فسادا في البلاد طوال 33 عاما .
هدى تقضي سبع ساعات في ساحة الاعتصام بشكل شبه يومي.. وتقول وجدت نفسي أمام هدف نبيل يجب أن نسعى جميعا لتحقيقه من أجل غد أفضل لنا ولأبنائنا ومن أجل وطن تتوفر فيه المساواة والحرية والعدالة. انتخبت الرئيس الجديد لليمن وفقا للمبادرة الخليجية للخروج من الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد وكلها تفاؤل بمستقبل أفضل للبلاد وللمرأة اليمنية. وترى أن الثورة الشبابية حققت الخطوة الأولى في التغيير لكن لا يزال هناك الكثير.
فيما تؤكد مشاعل أنها باقية في الساحة مع غيرها من الفتيات والنساء إلى أن تتحقق كامل أهداف الثورة. وتنظر إلى المستقبل بتفاؤل كبير رغم تأثيرات وتداعيات الأزمة التي شهدتها اليمن وتدرك أن الوصول إلى التغيير المنشود يتطلب المزيد من الوقت والجهد وتضافر كل الجهود لكن المستقبل سيكون مشرقا.
تفاؤل
سمية طالبة وتلقب بعاشقة اليمن الجديد انخرطت في الثورة منذ الأشهر الأولى رغم صغر سنها إلا أن الساحة خلقت منها إمراة أكبر من عمرها وهي تؤيد قيام الثورة لأنها كما تقول غيرت مفاهيم وقيم في المجتمع اليمني تتفاءل بالعام 2012م وترى بأن الحكومة الجديدة قد تعمل على تغيير الكثير لكنها بحاجة إلى مزيد من الفرصة لمواجهة التحديات والتغلب عليها .وترى سمية بأن السبب الذي دفعها إلى مشاركة الثائرين والثائرات في المسيرات والصمود في الساحة انتصارا للحق وللحرية والعدالة.
وتقول (لم أكن أشعر بحريتي وكرامتي كإمراة مثل ما شعرت بها وأنا في الساحة فالساحة منحتني الثقة في نفسي والشجاعة في مواجهة المواقف بل وفجرت فيني المواهب ورغم أن أسرتي منغلقة وكانت تحرم وجودنا خارج البيت قبل الساعة السادسة مساء.
أروى التي كانت تعيش خارج اليمن عندما قامت الثورة بسبب الدراسة لكن أهلها كانوا لم يفارقوا الساحة يوما ما فوالدتها كانت من المرابطين في الساحة ووالدها كان دائم الخروج في المسيرات ورغم مخاوفها على أهلها إلا أنها كانت تقود مسيرات في الأردن مع زملائها وزميلاتها قبل أن تعود إلى أرض الوطن لتشارك أخوانها وأخواتها نضالاتهم المشروعة. وهي تشتاق إلى غد أفضل لليمن كما تقول..
وترى سمية أن الساحة جمعت بين النساء المتعلمات وربات البيوت وعمقت الترابط والهدف المشترك . ومن أبرز الأدوار التي قمنا بها داخل المدرسة تحريض الطالبات على التظاهر ضد مديرة المدرسة وبالفعل خرجت مظاهرات كبيرة للطالبات يطالبن بتغيير مديرة المدرسة إلى أن تم الاستجابة لمطلبنا بإقالة هذه المديرة . ولولا الحرية والجرأة التي اكتسبناها من ساحة التغيير ما تجرأنا على مثل هذا الأمر حيث غرست فينا الثورة روح الإقدام والمبادرة ورفض الظلم مهما كان.
إبداعات
وهناك من صقلت الثورة مواهبهن وإبداعاتهن مثل ابتسام التي صارت تتقن عمل الميداليات المختلفة وتحف أخرى وإهدائها لمن تريد أما سمية ففجرت فيها الثورة موهبة الكتابة والشعر والأناشيد الثورية والحماسية والوطنية.
وتعتبر ابتسام (أول ثانوي) الساحة جزءاٍ من حياتهم وتقول: أصبحت ساحة التغيير جزءاٍ منا لا نستطيع الاستغناء عنها أو هجرها لأنها علمتنا الكثير. علمتنا قيم الوحدة والتجانس والتقارب والشجاعة والإنطلاق والثقة بالنفس.
أروى بدت متفائلة مع تسليمها بوجود صعوبات اقتصادية وسياسية وترى بأن المستقبل سيكون أفضل من الماضي وتتمنى أن يكون هناك يمن بشكل ولون آخر وبثوب جديد.
وتحكي سمية (عاشقة اليمن الجديد) مرارة صديقتها التي كادت تقع في قبضة (البلاطجة) لولا لطف الله سبحانه والشباب الذين دافعوا عنها لتسقط فتيات أخريات في أيدي البلاطجة ولم يعلم مصيرهن بل أن البعض منهن لم يجدوا إلاجثثهن هامدة مرمية في قارعة الطريق لكن هذا الحدث لم يمنع الفتاة اليمنية من المشاركة في المظاهرات والاعتصام بل ازدادت عزيمة واصرارا وخرجت تنادي بأعلى صوتها مطالبة بيمن جديد ومستقبل أفضل ومازالت ترابط في الساحة رغم رحيل رأس النظام السابق وانتخاب رئيس جديد إلا أنها تؤكد أنها لن تغادر الساحة إلا بعد تحقيق جميع أهداف الثورة الشبابية وحتى لا يسرق الآخرون ثورتهم.
ماذا يقول الشباب¿
وحتى لا يكون الحوار الذي أجريناه مع الفتيات والنساء في الساحات حكرا على المرأة فقط ونغفل الشباب الذين كان لهم السبق في الخروج ومواجهة القتل والضرب والتعذيب أشركنا نماذج من الشباب.
جمال البكري لم يكمل دراسته بسبب الظروف .الاقتصادية المتعبة للأسرة. ما جعله يترك الدراسة ويخرج للبحث عن عمل واشتغل في بيع القات.. وهو متواجد في الساحة مند بداية الاحتجاجات وشارك في كل المظاهرات والمسيرات ولا يزال متواجداٍ في الساحة إلى اليوم.. ويقول: تعلمت من الثورة.. أن الشعب اليمني واحد.. تعلمت حب التعايش مع الآخرين وتبادل الثقافات بين المجتمعات مهم جدآ.. وأجمل ما علمتني الثورة أن التضحيات في سبيل الحرية والكرامة تهون.. الثورة اعطتني كرساٍ ثقافياٍ توعوياٍ سيظل خالدا في الذاكرة.. ويضيف « يكفي أن ثورتنا أنهت التوريث أنقذتنا من الذل والهيمنة واستبدال النظام التسلطي بنظام ديمقراطي وصولا إلى بناء الدولة المدنية الحديثة.
جلال صلاح.. طالب في كلية الإعلام خرج منذ بداية الثورة إلى الشارع مع أخوانه وأصدقائه ينشدون التغيير الذي يرى بأنه لم يكتمل بعد.. ويقول (سنظل في الساحات حتى نلامس التغيير على الواقع ونرى ماذا بجعبة حكومة الوفاق الوطني وماهو برنامجها لبناء الوطن.. ويؤكد أنه مستمتع كثيرا في الساحة يفترش الأرض ويلتحف السماء مر الشتاء ببرده ثقيلا عليه وأصحابه لقسوة برده لكنه لم يزده كما يقول إلا صلابة وإصرارا لتحقيق الهدف الأسمى الذي يستحق النضال والتضحية.
إصرار وعزيمة
فيصل محمد ترك عمله ليرابط في الساحة منذ الأيام الأولى للثورة.. ويقول (الثورة أعادت لنا الحرية التي كنت اسمع عنها وأقرأها في الكتب فقط كما أعادت لنا كرامتنا وأشعرتنا بأننا قوة لا يستهان بها ونستطيع أن نقول للظالم ارحل.. وأسقطنا مشروع التوريث.. وسنواصل النضال لبناء دولة مدنية حديثة ومهما طال اعتصامنا فلن نتراجع حتى تتحقق جميع أهداف الثورة.
فيصل لم ينس ذلك اليوم الذي زاده إصراراٍ وعزيمة وقوة عندما استشهد رفيق دربه صدام.. يقول بمرارة :(قال لي رفيقي صدام غدا أنا وأنت سنكون مشروع شهيد.. فقلت له أنا لن أخرج معكم في المسيرة أخرج أنت إذا أردت.. حاول إقناعي بالخروج فوافقته لإرضائه.. وفي الصباح حاول إيقاظي بكل الوسائل للانضمام إلى التظاهرة دون فائدة والمحزن أنني قلت له باستهتار عندما يقتلوك اتصل بي ولم اكن اتوقع أنه سيستشهد في ذلك اليوم وبالفعل كان هو مشروع شهيد وكم أنا نادم لأنني تعاملت معه باستهتار وتمنيت لو كنت بجواره لنستشهد معا أو على الأقل احتضنه في لحظات الوداع الأخيرة).
تصوير فؤاد الحرازي