جميلة وجميلة.. قاتل
معين النجري
بين جميلة وجميلة صاروخ ورصاصة، بينهما سنة وثمانية أشهر ووطن وفاجعة.
بين جميلة وجميلة حب وإخلاص وعائلة وقاتل محترف.
كانت الدكتورة جميلة البحم تقف في غرفة العمليات في مستشفى العرضي في محاولة لانقاذ حياة مريض بينما كان ينتحب زوجها خلف أسوار المستشفى المنكوب بالقاعدة.
كانت جميلة محمد تخبز عجينها في بيت الجيران بعد أن أعدم العدوان الغاز المنزلي ولجأ الكثير من الناس إلى تناوير الحطب.
رصاص الإرهابي سلب روح جميلة البحم وهي واقفة، وصاروخ سلمان سلب جميلة محمد زوجها وأطفالها الثلاثة وهم نيام.
عاد أهالي جميلة البحم بجسد مذوبح وروح مثقوبة وسيل من الآلم يسكب في قلب زوجها وأبيها.
وعادت جميلة محمد لتجد كومة من الغبار والتراب وحشد من الناس في مكان خرجت منه منذ ساعة وهو منزل تسكنه هي وعائلتها الصغيرة.. لكل طوبة منه حكاية مع الأمل والمعاناة.
حين أطلق الإرهابي رصاصة إلى صدر الدكتورة جميلة كان يهتف “الله أكبر”, وحين جاءت طائرة سلمان لتقصف بيت جميلة محمد كان مكتوب عليها (لا إله إلا الله) بينما الله سبحانه كان قد أخلى مسؤوليته من هذه الجرائم منذ قرون في كتب ما يزال يرتلها الناس حتى اليوم.
في الجريمة الأولى.. حين اتصل القاتل الحقيقي بأهالي الدكتورة عارضاً عليهم الدية، كان رد أهل الدكتورة استفسار بسيط “لا نريد دية.. فقط اخبرونا لماذا قتلتوها” فأنهى الطرف المتصل المكالمة لتستمر الحسرة.
في الجريمة الثانية قالت مذيعة أنيقة على قناة الحدث: إن الطيران قصف منزل زعيم حوثي.
كان الأب مدرس رياضيات، جل اهتمامه كيف يجعل من هذه العمليات الحسابية وجبة لذيذة عند طلابه.
حين أخبروا جميلة محمد بما قالته قناة الحدث لم تتهم زوجها بأنه جلب الخطر إلى البيت لأنها تدرك بأنه لا يمارس أي نشاط سياسي أو أمني, لعله ابنها ذو الثمان السنوات.. لقد سمعته ذات نهار يردد زامل للحوثيين.
كانت جميلة التي أصبحت يتيمة بلا أسرة ولا وطن تصرخ في أعماقها المنتهكة.. هل كان يستدعي ذلك أن تجلبوا طائراتكم من البلاد البعيدة إلى هنا لتسكت أبني.. لماذا لم تخبروني أنه خطر.. كنت منعته من الكلام، فقط ابقوا على زوجي وأطفالي ومنزلي.
لا أحد يسمع صراخها.. إنهم مشغولون بمنازل أخرى وأطفال ونساء آخرين يريدون إسكاتهم بصواريخ مماثلة.
كل يوم تذهب جميلة إلى منزلها المنسوف حتى البلاط فتجد قطعة آثار من غرفتها, أو لعبة لأحد أطفالها، أو بقايا ملابس لزوجها تقبلها، تنتحب، تدعي على القاتل ثم تعود.
القاتل ما يزال يحمل البندقية والصاروخ وكل يوم يقتل جميلة جديدة ويهدم منازل ويدفن أسراً أخرى.