العدوان والأمن الغذائي في اليمن

تحقيق/ أحمد الطيار
لم يعد الجوع الذي يهدد اليمنيين خافيا على أحد في العالم فهاهي منظمات الأمم المتحدة المهتمة بالشؤون الإنسانية جمعا تدق ناقوس الخطر حيال الوضع الغذائي في اليمن معلنة أن ما يفوق 50 % من السكان اليمنيين أي أكثر من 13 مليون إنسان باتوا في حالة ماسة للغذاء بعد أن تفاقمت أوضاعهم المعيشية جراء الصراع والوضع الحربي والاقتتال بين الفرقاء السياسيين في بلادهم منذ أكثر من ثمانية أشهر وربما يتضورون جوعا خلال أشهر.
ترى كيف هو الواقع الغذائي لليمنيين: سؤال طرحناه على المنظمات الدولية والجهات الرسمية اليمنية، فكيف كان ردهم ،وما الذي يجب فعله تجاه انقاذ 25 مليون نسمة يسكنون أرض اليمن؟

بداية يجيب ممثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو بصنعاء السيد صلاح الحاج حسن فيقول: هناك 19 محافظة يمنية تعاني من انعدام الأمن الغذائي منها 10 محافظات نعدها في مرحلة الطوارئ و9 محافظات في مرحلة الأزمة أي أن 13 مليون نسمة من السكان حوالي أكثر من %50 من سكان اليمن يواجهون وضعا خطيرا ومعقدا ينذر بمزيد من التفاقم ويحتاجون إلى الدعم العاجل في جوانب الغذاء وسبل المعيشة ،الأمر الذي يجعل من الضرورة بمكان تأمين كافة أنواع الدعم الأساسية السريعة والاهتمام الجدي بقطاعات الزراعة والأسماك والمياه والحماية الاجتماعية والتركيز على الريف الذي يعيش فيه 75% من السكان ويعتمدون على هذه القطاعات كمصدر أساسي للدخل.
القطاعات المتأثرة
تعتبر قطاعات الزراعة والأسماك والمياه من اكبر القطاعات وذات أهمية كبرى في حياة غالبية اليمنيين كونها تستوعب أكثر من %50 من العمالة وتوفر سبل العيش الأساسية في الريف كما توفر جزءاً أساسيا ومستداما من الإنتاج الغذائي .
تأثير الحرب
اكبر القطاعات تأثر بالحرب في اليمن والصراعات على حد سواء حسب مفهوم منظمة الأغذية والزراعة الفاو هي قطاعات الزراعة والأسماك والمياه وهذا القطاعات توفر الشغل والعمل والغذاء لحوالي %70 من السكان بنسب متفاوتة ولهذا يرى السيد صلاح أن هذه القطاعات تأثرت بالصراع الدائر في اليمن ولحقت بها أضرار كبيرة لأن بنيتها التحتية تدمرت كما انعدم عليها الوقود مع ارتفاع جنوني أسعاره وصلت إلى %500 في بعض الأحيان الأمر الذي أدى لتعطيل أنظمة الأسواق وشبكات النقل وتبادل السلع والمحاصيل والخضروات والمواشي والمنتجات السمكية واستحالة توفير مياه الري وهذا أدى إلى ضعف إمكانية الوصول للغذاء ومصادر الدخل وخاصة في أوساط الأسر الفقيرة الريفية والحضرية إضافة إلى شح الأمطار حيث قدر انخفاض الإنتاجية الزراعية بأكثر من 30% وبالتالي تراجع تدفق الغذاء على المستهلكين عمليا ويعطي مؤشرات عملية على انعدام الأمن الغذائي لملايين الناس.
نداءات
منذ أشهر قريبة أطلقت منظمة الأغذية والزراعة الفاو نداء للعالم تحت تصنيف المستوى الثالث من استجابة حالة الطوارئ في اليمن وصدر ذلك تحديدا في يوليو 2015م نظرا للحاجة الملحة لرفع مستوى استجابتها للتأثيرات عالية المستوى للأزمة على الأمن الغذائي والتغذية وبحيث تكون الاستجابة الإنسانية منسق وموجهة للسكان المتأثرين بالأزمة.
يقول السيد صلاح: على مختلف الجهات الوطنية والإقليمية والدولية ضرورة المبادرة لتقديم الدعم اللازم لقطاعات الزراعة والأسماك والمياه والذي من شأنه وقف الانهيار لهذه القطاعات في ظل التدهور المتسارع للوضع الاقتصادي والذي يمكن أن يكون له خطورة على النواحي الأمنية والسياسية على المستويين الوطني والإقليمي .
رؤية
تقوم رؤية منظمة الأغذية والزراعة الفاو على ضرورة القيام بعدة معالجات لإنقاذ اليمنيين من الجوع منها العمل على تسهيل دخول المشتقات النفطية وتأمين حركة النقل للسلع الغذائية والمدخلات الضرورية بما يسهم في تحسين الجوانب الإنتاجية والتسويقية ووفرة الغذاء وسهولة الوصول إليه ،كما تناشد المنظمة الدول والجهات المانحة إيلاء أولوية لدعم قطاع الزراعة والأسماك والمياه والذي من شأنه تحسين الأمن الاقتصادي والاجتماعي كون ذلك سيخفف من الآثار السلبية لتعطل الملايين من الأيدي العاملة وما يرافق ذلك من مشاكل اقتصادية واجتماعية ،بالإضافة إلى تحسين آليات تقديم المساعدات لأهم القطاعات الإنتاجية الفرعية مثل المحاصيل والثروة الحيوانية ومصائد الأسماك إضافة إلى تحسين آليات توجيه التحويلات النقدية بما يخدم تشجيع التكامل بين البرامج الزراعية وبرامج الحماية الاجتماعية .
وتقوم الرؤية أيضا على دعم اتجاهات دراسة آثار الصراع على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك الأمن الغذائي والتغذوي من خلال الدراسات الميدانية بالشراكة بين الجهات الوطنية والإقليمية والدولية ،وتفعيل التنسيق بين كافة الجهات المعنية في المساعدات مع منظمات الأمم المتحدة وتحييدها عن الاستهداف وتسهيل وصولها للمناطق وللمستهدفين الأكثر تضررا وأشد حاجة ،وتحييد ما تبقى من هذه القطاعات عن الاستهداف والمبادرة لمساعدة الوزارات بإمكانيات ومصاريف التشغيل لتأمين ما يمكن من خدمات ضرورية وملحة للمواطنين.
منسق الشؤون الإنسانية لليمن
يعد السيد يوهانس فاندر كلاو منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة اكبر صوت من مسئول دولي رفيع المستوى جاهرا مرارا وتكرارا بالأوضاع المأساوية للشعب اليمنيين جراء الحرب ،فهذه الشخصية وقفت أمام العالم لتقول له إن اليمنيين يموتون ليس بسبب داخلي بل بسبب صراع سببه الخارج في بلادهم مما أدى إلى انهيار معيشتهم ومستوى دخلهم وبالتالي يمكنهم أن يموتوا جوعا جراء انقطاع السبل والوصول للغذاء .
يقول السيد فاندر: المخاطر الجمة التي تحدق بملايين اليمنيين في الوقت الراهن كبيرة جدا فهناك ملايين اليمنيين في الميدان يتضورن جوعا ولم تستطع المنظمات الدولية أو المحلية الوصول إليهم بسبب الحرب .
ويرى السيد فاندر أن الحاجة لوقف الحرب لإنقاذ الآلاف من الأسر من الموت جوعا مهمة جدا فخطورة الجوع في الوقت الحالي تفوق مخاطر الحرب بكثير .
ويمضي بالقول: الوضع الإنساني شديد الصعوبة ويحتاج تكاتف الجهود الدولية والمحلية والإقليمية للتغلب عليه حيث يعيش أكثر من نصف السكان في مرحلة الحرج الشديد وقد تفاقم الأمور أكثر مما يعتقد إن لم يتم تلافي القصور حاليا.
برنامج الغذاء العالمي
مديرة برنامج الغذاء العالمي الدكتورة بورنيما كاشيب تقول: هناك 13 مليون يمني هم ضمن المرصودين بالحاجة للمساعدة لكن هذا الرقم ربما يكون اقل من الواقع في الميدان ، وكما يعلم العالم فاليمن تواجه أيضا إعصار تشابالا وهو إعصار مدمر يمكنه أن يقضي على المصادر الزراعية في المحافظات الشرقية اليمنية وحياة الناس كلها وهذه كارثة يجب على العالم القيام بواجبه لمساعدة اليمن.
وتضيف: اليمنيون بهذه الأوضاع ليسوا معرضين للموت بسبب القصف الجوي والصراعات الداخلية فحسب فهناك أيضا ارتفاع تكلفة المعيشة وهو مؤشر يمكنه أن يعرض حياة اليمنيين لمخاطر جمة بما فيها الجوع خلال بضعة أشهر.
وترى الدكتور كاشيب أن الحاجة ماسة للمساعدات الغذائية للبرنامج فهناك نقص يشوب عملية التدخل حاليا جراء نقص الإمكانيات فكل مليون من السكان يحتاجون ل33 الف طن من المواد الغذائية وهناك صعوبة في إيصالها وتوفيرها وتسليمها في الميدان جراء الحرب والنزاعات كما أن هناك شخصاً من بين كل شخصين يمر بأزمة غذائية ويفتقر للأمن الغذائي والتغذوي لأنهم غير قادرين على شراء أو إنتاج ماتحتاجه أسرهم ،ولذلك 7.6 مليون شخص يصنفون أنهم تحت خط الفقر المدقع .
اليونيسف
تقول منظمة الصحة العالمية اليونيسف: إن التقديرات تشير إلى أن 537،000 طفل، أو واحد من كل ثمانية أطفال دون سن الخامسة، هم الآن عرضة لخطر سوء التغذية الحاد في اليمن – وهي زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف منذ مارس 2015م حين بدأ القصف الجوي أولى مراحله في اليمن.
وزارة الزراعة
لدى وزارة الزراعة والري إحصاءات عن حالة الغذاء والفقر لدى مالكي ومنتجي المحاصيل الزراعية في اليمن جراء الحرب والقصف على اليمن ويقول الدكتور محمد الغشم وكيل وزارة الزراعة والري لقطاع الخدمات الزراعية القائم بأعمال وزير الزراعة والري: إن بلادنا تمر بظروف مأساوية وتدهور حاد ومتزايد في وضع الأمن الغذائي والتي تتعرض منذ ثمانية أشهر جراء القصف الغاشم والحصار البري والبحري والجوي إذ أدى إلى إدخال البلد في أزمة خطيرة ومتفاقمة في الأمن الغذائي والوضع الإنساني على نحو غير مسبوق ،ما جعل برنامج الغذاء العالمي يحذر من أن اليمن على حافة المجاعة.
ويعتمد الدكتور الغشم على تقديرات برنامج الغذاء العالمي والتي تشير إلى أن حوالي 13 مليون نسمة بحاجة إلى مساعدات غذائية ومعيشية عاجلة وطارئة لكنه يؤكد أن معدل انعدام الأمن الغذائي ارتفاع بنسبة 21% مقارنة مع العام السابق.
الخسائر
يؤكد الدكتور الغشم إن اليمن يواجه أزمة خطيرة في الأمن الغذائي والناحية الإنسانية وأن حوالي 6.07 مليون نسمة يواجهون حالة طارئة من انعدام الأمن الغذائي ،فالضربات الجوية والقصف والقيود المفروضة على الاستيراد قد أثرت سلبا على استيراد المواد الغذائية وعلى العمل في الأسواق وكذلك النقل والتسويق وبالتالي على توفر الغذاء لدى الأسر .
ولفت إلى أن الحرب قد أدت لحدوث عجز كبير في المواد الغذائية وارتفاع أسعارها لمستوى %500-400، فيما انخفضت إنتاجية المحاصيل الزراعية من جميع أصنافها نتيجة للمعاناة المباشر للمزارعين من الحرب والقصف حيث نزحت ما يقارب 200 الف أسرة من المحافظات الشمالية الغربية.
المستقبل
ليس لدى اليمنيين من رؤية للمستقبل وبخصوص الفقر فإنه عدو قديم حديث لهذا يؤمنون بأهمية قتاله ليل نهار لكن يجيبون أنهم في حاجة الآن إلى وقف الحرب أولا لهذا يكثف مسئوولو الحكومة مناشدتهم المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات العلاقة وعلى رأسها منظمة الأغذية والزراعة الفاو بالتدخل العاجل والفوري لإيقاف الحرب والاستهداف الممنهج للقطاع الزراعي ومقومات الأمن الغذائي والبنى التحتية للإنتاج الزراعي والمؤسسات التنموية الزراعية لأنها تتعلق بقوت الشعب وغذائه اليومي.
وحسب تأكيدات الدكتور مطهر عبد العزيز العباسي نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي بضرورة فتح المجال للأمل في مستقبل مشرق ،طالب أولا بوقف الحرب والاقتتال في اليمن وكف العدوان ،ففي رأية لا يمكن مكافحة الجوع والرصاص والقصف يمضي قدما وهذا خيار لا رجعة عنه كما يقول العقلاء دوما .
يقول الدكتور العباسي: إن الأرقام الميدانية عن مستوى الأمن الغذائي تثير الفزع كما أن الأسعار المتصاعدة وتخلخل البنية التحتية للتجارة الداخلية للسلع والمستلزمات الغذائية كلها تؤكد الحاجة لوقف نزيف الدم والبدء بمعركة الأعمار والبناء.
الختام
كلمة واحدة فقط يقولها اليمنيون في الداخل إلى الفرقاء المتصارعين في الداخل والخارج إن الجوع كافر ولن يترككم الشعب وسوف يحاسبكم على ما تقترفونه من ظلم جائر في حقه فمن بات شبعانا لا يفترض إن ينسى من بات جوعانا وهو صاحب مسئولية ومركز ومنصب ،اتقوا الله في اليمنيين.

قد يعجبك ايضا