العاطفة والعقل في الوحدة والانفصال
مما لاشك فيه أن الإنسان العربي يفكر بعاطفته أكثر من عقله بينما الإنسان الأوروبي كنموذج يفكر بعقله أكثر من عاطفته لذلك مازلنا نحن في أسفل السلم وهم ارتقوا إلى أعلاه ووصلوا إلى مستويات عليا في كافة المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بينما نحن بتفكيرنا القاصر المعتمد على العاطفة سنظل محلك سر وربما يزداد تأخرنا أكثر وأكثر وسنجد أنفسنا نحن العرب بعيدا عن كل شيء وبالطبع فهذا الموضوع يمكن تطبيقه على ما حدث في موضوع الوحدة الألمانية والوحدة اليمنية فتلك تحققت بعد تفكير عميق يعتمد على الواقع والمنطق والعقل بينما هذه جاءت من منطلق العاطفة فقط ولم يتم وضع الأسس السليمة لها والنتيجة أن الوحدة الألمانية بقيت بينما الوحدة اليمنية تواجه مخاطر وصعوبات كبيرة تقود إلى الانفصال.
وقد تبادر إلى ذهني هذا الموضوع نظرا لما تمر به اليمن من مخاطر وحروب وفتن وعدوان ومحاولة غزو خارجي وما تتعرض له الوحدة من محاولات قوية للانقضاض عليها والعودة إلى الانفصال والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م وهو العام الذي شهد ميلاد الوحدتين اليمنية والألمانية كما ان الوحدة اليمنية تواجه أخطار كبيرة بسبب عدم وجود أساس متين لها كذلك الأساس الذي تمتلكه الوحدة الألمانية والذي جعلها تعيش حالة استقرار كبرى بينما وحدتنا اليمنية في مهب الريح وربما أنها وصلت إلى مرحلة خطيرة جدا يمكن أن تعيد اليمن إلى ما قبل قرون وليس إلى ما قبل 22 مايو 90م فقط .
لو عدنا قليلا إلى الوراء وبالتحديد إلى العام 1989م والذي شهد توقيع اتفاقية الوحدة بين الشطرين وذلك الزخم الجماهيري الكبير والذي جعل مسئولي الشطرين يندفعون بشكل كبير وغير مدروس إلى التوقيع على الاتفاقية كيفما اتفق ولم تكن هناك أسس سليمة وقوية لهذه الوحدة وفي اعتقادي أن كل طرف وقع على الاتفاقية وهو ينظر إلى المكاسب التي ستتحقق له دون النظر إلى مستقبل الدولة الجديدة التي كانت في بداية تأسيسها كما أنهم لم يفكروا بعقولهم بل تركوا لعواطفهم مسألة تقرير المصير للدولة الجديدة لذلك لم تصمد أربع سنوات حتى اندلعت الحرب التي سميت حرب الردة والانفصال من قبل طرف وحرب استعادة الجنوب المحتل من قبل الطرف الاخر وهكذا كانت حرب صيف 94م هي التي انهت الوحدة تماما رغم ما حصل بعد تلك الحرب من سيطرة طرف على اخر ومحاولة فرض رؤيته على الطرف الأخر وهذه هي أول الكوارث والتي أدت إلى الاشكاليات التي حدثت فيما بعد وتنامي دور فصائل الحراك الجنوبي الذي غرس في نفوس أبناء الجنوب ثقافة الكراهية لكل ما هو شمالي رغم أن الكثير من أبناء الشمال لا ناقة لهم ولا جمل فيما حصل كما أن تلك الثقافة زادت وبشكل غير مسبوق حتى أصبح كل شمالي في الجنوب غير مرغوب به وغير مرحب به وتعرض الكثير منهم للقتل والطرد إلى درجة أن أي مواطن من أبنا المحافظات الشمالية عندما كان يزور عدن يشعر وكأنه في بلد غريب وليس في مدينة من مدن الجمهورية اليمنية وكان المواطن عندما يسافر إلى أي دولة عربية أو أجنبية لا يشعر بذلك الشعور الذي كان ينتابه في زيارته لأي محافظة جنوبية فيما أبناء المحافظات الجنوبية في المحافظات الشمالية يعيشون فيها معززين مكرمين ولم يتعرض أي منهم لأي أذى أو أي مشاكل.
اعتقد أن ما تواجهه الوحدة اليمنية من خطر على وجودها يؤكد أن قيامها وتحقيقها كان خاضعا للعاطفة أكثر منه للعقل على عكس الوحدة الألمانية ولو أننا عدنا إلى العقل وفكرنا به بعيدا عن العاطفة فسنجد أنفسنا نعيد تأسيس الوحدة بشكل جديد وأفضل يستوعب كل المتغيرات وكل المتطلبات والاحتياجات كما يجعلها راسخة وغير متوقفة على رغبات أشخاص أو جهات أو مكونات بعينها حتى يكون المستقبل أكثر أمانا لجميع أبناء هذه الأرض الطيبة الذين يجب عليهم أن يدركوا أن ما يحصل لبلدهم هو نتيجة مؤامرات تهدف إلى إبقائهم مقسمين متحاربين لأن عدوهم يعرف أن اليمنيين لو كانوا يدا واحدة لكان لهم ولبلدهم شأنا اخر ولكانوا في مقدمة الشعوب والبلدان في كل شيء لذا علينا جميعا أن نعي حجم تلك المؤامرات والمخاطر المحدقة بنا وبوطننا اليمن ويلزم علينا أيضا أن نفكر بعقولنا أكثر وبعاطفتنا أقل حتى لا تتكرر ماسينا.