المثقف والعدوان
لا قيمة للثقافة ولا للشعر ولا للأدب إذا لم يسخرها المبدع في إدانة العدوان على الوطن ومناهضته هذه الكلمات أو ما يقاربها لفظا ويطابقها روحا ومعنى جاءت في تصريح لإحدى القنوات المحلية على لسان أستاذنا الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح في الأيام الأولى من العدوان السعودي على اليمن .
إن المثقف هو البوصلة التي ترقب جماهير الشعب حركتها وتتفاعل مع الاتجاه الذي اختارته للتعبير عن موقفها تجاه قضايا الوطن لا سيما في ظروف يتعرض للعدوان الخارجي ولذا لم يكن غريبا على مثقف بحجم الدكتور المقالح أن يصرح بأن “أضعف الإيمان هو إدانة العدوان” في إشارة واضحة إلى أن المثقف الحق هو الذي يناهض العدوان الخارجي على وطنه بكل ما يملك من إمكانيات وقوة إيمان.
على أن الدعوة إلى مناهضة العدوان السعودي على اليمن لا يمكن قراءتها إلا في إطار السعي إلى التحرر من كل أشكال الوصاية الخارجية والاستبداد الداخلي وبناء الدولة الديمقراطية المدنية العادلة التي يختار فيها الشعب حكامه وتتحقق في ظلالها المساواة بين الأفراد أمام النظام والقانون والتعايش السلمي بين مختلف فئات الشعب واحترام تنوعاتهم السياسية وتبايناتهم الفكرية وخصوصياتهم المذهبية.
ومنذ بداية العدوان على الوطن عبر المثقفون اليمنيون عن إدانتهم لهذا العدوان الهمجي على الوطن ومناهضته في مقالاتهم الصحفية وقصائدهم الشعرية ومشاركاتهم الإبداعية ولعل من الملاحظات التي يمكن أن نسجلها في هذا المقام هو أن القصيدة الشعرية والشعبية منها بخاصة هي الأكثر حضورا بين ألوان الابداع المقاوم للعدوان فظهرت الكثير من القصائد والمقطعات الشعرية المعبرة عن موقف الشعراء من الحرب والعدوان التي تقودها مملكة الشر على اليمن وهذه القصائد يمكن أن تشكل مجالا خصبا للدراسة والبحث بما لها من أبعاد موضوعية وفنية وخصائص أسلوبية تستحق قراءتها والكشف عن خصائصها وتفسيرها .
على الجانب الآخر ظهر مجموعة من المحسوبين على الثقافة والأدب في اليمن متنكرين للوطن وحقه عليهم فدفعتهم خلافاتهم مع مكون أنصار الله (الحوثيين) أو المؤتمر الشعبي العام إلى الحقد على الوطن والانتقام منه أرضا وإنسانا فتماهوا مع العدوان السعودي على اليمن وظهروا على شاشات التلفزة وأعمدة الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي وهم يبررون للعدوان جرائم القتل التي ترتكبها طائراته بحق آلاف المدنيين اليمنيين منذ أكثر من أربعة أشهر متواصلة وما تقوم به من تدمير المنازل والمنشآت والطرق والمستشفيات والمدارس ودور العبادة ومقابر الموتى وكل شيء في الوطن وكأنهم ليسوا من أبناء اليمن ولم يترعرعوا يوما على ترابه أو يتنسموا هواءه .
لقد جعل هؤلاء المثقفون من أنفسهم مادة للسخرية والاحتقار والتندر عند الغزاة المعتدين أولا فهم يلاحقونهم بنظرات الاحتقار والاشمئزاز وهم يمدونهم بحفنة من المال المدنس ذلك أن أحقر الناس كما يروون عن هتلر هم الذين ساعدوه على احتلال أوطانهم وهؤلاء محتقرون في أوساط المفكرين والكتاب العرب المتابعين بوعي لشؤون اليمن ثانيا فهم يصمونهم بأقبح الأوصاف وأشنعها في أحاديثهم وكتاباتهم تماما كما فعل الصحفي العربي الفلسطيني الكبير عبد الباري عطوان عندما أحد هؤلاء المرتزقة بأنه أكثر الخلق امتلاء بالحقارة والنذالة بعدما رآه يدافع عن العدوان ضد وطنه وستظل لعنات الخزي والعار تلاحقهم أبد الآبدين .
وبين هؤلاء وأولئك يقف مجموعة من المثقفين اليمنيين في منزلة بين المنزلتين فهم من جهة يناهضون العدوان السعودي على اليمن ولكنهم يؤيدون ما يسمى بـــ المقاومة الشعبية ويعدون معارك الجيش واللجان الشعبية عدوانا داخليا ولا أدري ما هو موقفهم اليوم بعد أن تبين أن ما يسمى بالمقاومة الشعبية بتكويناتها المتنوعة التي تتألف من لفيف من الدواعش والقاعدة والأخوان وبعض السلف وقليل من قوات الجيش الموالية لهادي تقاتل مع قوات الغزاة في خندق واحد وأنها ليست سوى قوى مرتزقة وأداة من أدوات العدوان السعودي الخليجي على اليمن.
إن المثقف اليوم مطالب أكثر من غيره بالانحياز لوطنه ومناهضة العدوان الخارجي وفضح أدواته في الداخل.