السقوط العربي الأخير !!
علي ناجي الرعوي
ما الذي يمكن قوله حيال ما يجري الآن على الساحة العربية ¿ وكيف لنا تفسير حالة الفوضى اللا معقولة التي تتمدد على هذه الساحة بشكل متسارع ومخيف وغير مسبوق في تاريخ المنطقة ¿ وكيف نقرأ أبعاد تلك التصدعات السياسية والمجتمعية والحروب الاستنزافية والمتنقلة التي تنمو وتتكاثر وتتوحش إلى درجة أنها من صارت تلتهم الأقطار العربية واحدا بعد الآخر وكذا الدولة القطرية أو الوطنية في تلك الأقطار على نحو مخيف ومفزع تجاوز كل حسابات وتوقعات المحللين في المنطقة وخارجها ¿
ربما أن ما جرى عقب موجة (الربيع العربي) في دول عربية كالعراق وسوريا وليبيا واليمن قبل أن تتدحرج كرة النار باتجاه جميع دول المنطقة قد شابته مفاجآت وغموض وضبابية تعذر فهمها أو تفسيرها في ذلك الوقت, لكن ما يجري اليوم وأصبح العرب على حواف شواطئه لم يعد سرا وإنما بات واضحا ومكشوفا للملأ بعد أن ظهرت على السطح أهم عناوينه وسربت تفاصيله في وسائل الإعلام وجرى الإفصاح عن خفاياه من قبل قادة وسياسيين غربيين كان آخرهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تحدث صراحة في المقابلة التي أجراها معه الصحفي الشهير توماس فريدمان الأسبوع الماضي عن أن ما يجري في المنطقة العربية من حروب وصراعات مذهبية وطائفية هو مؤشر على أن الصيغة التي نشأ بموجبها الشرق الأوسط عام 1916م في إطار ما عرف بمبادرة سايكس_ بيكو هي صيغة تتفكك اليوم وتتلاشى تدريجيا وهو ما يجعل هذه المنطقة بحاجة إلى نهج جديد وبناء مختلف يستوعب معطيات الواقع الراهن بما هو واقع والانطلاق منه في البناء الجديد.
وإذا ما كان الرئيس أوباما قد حاول عدم الإفصاح كليا عن شكل هذا (البناء الجديد) فإن ما لم يقله أوباما سبق وأن أشار إليه تحديدا نائبه جو بايدن في أكثر من حديث ضمن ما اسماه بـ(إعادة هيكلة الشرق الأوسط) وهي العملية التي بدأت فعليا في العراق تحت إشراف بايدن نفسه العملية الجارية لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات الإقليم الكردي الموجود حاليا والإقليم السني في محافظة الانبار وجزء من محافظة صلاح الدين والإقليم الشيعي الذي سيتشكل من تسع محافظات شيعية على أن الحديث عن خارطة جديدة للشرق الأوسط ودوله لم يكن محصورا على الدوائر الأمريكية بل انه صار أمرا متداولا بقوة من قبل صناع القرار في الدول الأوروبية وهو ما أفشى عنه السفير البريطاني في بيروت توم فليتشر, والذي رأى أن الأوضاع في المنطقة تشي إلى أن سايكس_ بيكو جديدا يلوح في الأفق, ملوحا إلى أن أحداث (الربيع العربي) لم تكن سوى بداية لخريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة.
وحيال هذه الاحتمالات الكارثية التي تلوح في الأفق كما وصفها سفير الإمبراطورية العجوز التي كان لها الدور الأبرز في رسم خارطة اتفاق سايكس_ بيكو فقد بات من الواضح أن الأمريكيين يعدون لمنظومة جديدة على أنقاض تلك الخارطة وقد بدأ تدشين هذا المسار بالتفاهم مع إيران والانفتاح عليها انطلاقا من التوقيع على الاتفاق النووي الذي طالما شبهته الولايات المتحدة بالصفقة التاريخية التي عقدتها قبل نصف قرن مع الصين وبالتأكيد فكما غيرت الصفقة الأولى وجه النظام السياسي الدولي فإن الصفقة الجديدة مع إيران في تصور الأمريكيين هي من ستغير وجه الشرق الأوسط بأكمله وعلى وجه الخصوص الكيان العربي الذي يظهر اليوم غارقا في صراعاته المدمرة وحروبه العبثية وتجاذباته التي تولد عنها حالة من عدم الإحساس لدى أبنائه بالمآل والمصير الذي ينتظرهم ويتهدد أوطانهم بالضياع.
هذا الواقع الصادم والمفزع لا يعكس فقط المؤامرة التي تتعرض لها الأمة العربية, بل إنه الذي يشي إلى أن هذه الأمة أصبحت هدفا مباشرا لمخططات التفتيت والتمزيق على شكل جماعات وكيانات قزمية تقوم على أساس التصنيف المذهبي والطائفي وبما هو أخطر وأكبر بكثير من أي محنة أو مأساة مر بها الوطن العربي على مدى العقود الخمسة الماضية , إذ أن التداعيات الأفقية والعمودية التي يموج بها الواقع العربي هي من تكمل وتغذي بعضها البعض في ظل ما تراكم من خطايا جوهرية فتحت الطريق أمام تلك المشاريع التي لاشك وأنها من ستحول الشعوب والكيانات العربية إلى مجرد أشباح لماض تجاوزته الأحداث وعفى عليه الزمن.
البعض مع الأسف يراهن على أن الحفاظ على الوضع الراهن ومن دون أي تقلبات دراماتيكية مازال ممكنا ومتاحا وأن العرب لم يفقدوا مقومات المواجهة لأية محاولة تسعى إلى القفز على المصالح العربية العليا, ولذلك فهذا الطرف لا يلتفت لكل ما يقال أو يشاع بشأن مستقبل الوطن العربي على اعتبار أن أي تقسيم ناعم للمنطقة إنما هو الذي ستعترضه عوائق كثيرة , إلا أن هذا الطرف هو من يغفل بقصد أو بدون قصد حقيقة أن الترتيبات الإقليمية والدولية لخريطة المنطقة أصبحت هي العنصر الجامع الذي يرتكز عليه حراك المحاور والأحلاف الدولية التي صارت تتفق إلى حد كبير على أن المنطقة العربية تراجعت إلى دون الدولاتية بعد أن أضحت العديد من بلدانها تتكئ على روا