من حقائق هستيريا العدوان
د. أحمد صالح النهمي
منذ اللحظة التي وطأت فيها قدما المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ الأراضي اليمنية تصاعدت غارات العدوان السعودي على طول الخارطة اليمنية وعرضها وازدادت مجازرها الوحشية ضراوة فركزت قصفها بشكل أساس على الأسواق الشعبية بوصفها مساحات جغرافية تحتوي جنباتها أعدادا كبيرة من المواطنين مما يحقق قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين وهو ما حصل بالفعل في مجزرة سوق الفيوش للمواشي بلحج أو في مجزرة سوق جوب في محافظة عمران التي راح ضحيتهما مئات اليمنيين بين شهيد وجريح ..وفي غيرهما.
إن إقدام العدوان السعودي على هكذا جرائم في ظل وجود المبعوث الأممي لا يكشف فحسب عن إفلاس بنك العدوان الأخلاقي وعدم احترامه للهيئات الأممية وما صدر عنها من تشريعات لقوانين الحروب ومعاهدات متعارف عليها بين دول العالم تؤكد مضامينها على تجنيب المدنيين مخاطر الحروب وصيانة الممتلكات الخاصة ودور العلم ودور العبادة والمستشفيات من نيرانها ولكنه يكشف فيما يكشفه حقائق ثلات سنحاول إلقاء الضوء عليها بصورة موجزة تحتمها طبيعة المقال ومساحته .
أما أولى هذه الحقائق فهي أن القصف الهستيري الذي قام به العدوان السعودي في الأيام الماضية إنما يعكس حالته النفسية الانهزامية التي يعيشها فما يزال كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى فالغارات الجوية لم ولن تحقق شيئا من أهدافه المعلنة رغم مرور أكثر من مائة يوم على بدء العدوان في ظل العجز القائم عن إدارة معارك برية على الأراضي اليمنية من جهة ومن جهة أخرى فإن قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية ما زالت قادرة على الرد بصواريخ أسكود التي زعم العدوان أنه قد دمرها عدة مرات وما زال العدوان السعودي يشهد يوميا تساقط مواقعه الحدودية واحدا تلو الآخر وتدمير آلياته العسكرية وتزايد أعداد القتلى والأسرى في صفوف جنوده المرابطين على الحدود.
لقد كشف العدوان السعودي بإصراره على استهداف المواطنين وهم آمنون في منازلهم أو في أسواقهم الشعبية أن من يدير العدوان ليست دولة أو دولا لها أهداف استراتيجية تسعى إلى تحقيقها ولكنها مجرد عصابات بوليسية تحركها نوازع الأحقاد الشخصية والانتقامات الفردية.
الحقيقة الثانية التي تكشفها هستيريا العدوان السعودي هي أن الوطن بأكمله على امتداد مساحته الجغرافية هو هدف للعدوان فلا فرق بين المواطنين في أسواق لحج الجنوبية والمواطنين في أسواق عمران الشمالية ولا فرق في أهدافه العسكرية بين معسكر العبر في حضرموت الموالي لعبدربه منصور هادي وأي معسكر آخر يعتقد أنه يوالي صالح وأنصار الله فالعدوان لا يميز بين مدني وعسكري ولا يميز بين شمالي وجنوبي وبين موال لهذا أو موال لذاك لكنه يستهدف الجميع وغاراته الجوية تخلف مجازر وحشية بحق الجميع.
لقد استطاعت هذه الحقيقة أن توحد صفوف اليمنيين جميعا لإدانة هذا العدوان الهمجي ومقاومته بكل الإمكانيات المتاحة وأن تخرس الأصوات النشاز التي تزعم أن العدوان السعودي يستهدف فئات بعينها من اليمنيين.
الحقيقة الثالثة التي كشفتها الأيام الأخيرة من العدوان تتمثل في هشاشة الصورة الانتهازية التي تبدت فيها الهيئات الأممية والدول الكبرى والمنظمات الإنسانية فالأمم المتحدة التي أصدرت بيانا حادا تدين فيه وتستنكر قصف طائرات العدوان لمقرها في مدينة عدن وجرح حارس المقر تقف صامتة أما المجازر الوحشية بحق آلاف المدنيين اليمنيين في مفارقة يندى لها جبين الإنسانية ويهتز لها الضمير العالمي.والمنظمات الإنسانية توثق الجرائم السعودية بحق اليمنيين من أجل الابتزاز والضغط على المملكة لتحقيق كسب مادي والدول الكبرى صامتة حيال العدوان لاستغلال المنطقة كسوق رابح لبيع أسلحتها وترويج منتجاتها العسكرية الحديثة والمتطورة .
إن العالم مطالب اليوم بالخروج من دائرة الصمت عن الجرائم الوحشية التي اقترفها العدوان السعودي بحق المدنيين اليمنيين وإدانتها ومحاسبة مرتكبيها كمجرمي حرب ضد الإنسانية وأول المطالبين بذلك هو المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ الذي اقترفت بعضا من هذه الجرائم في ظل وجوده في صنعاء لأن استمرار الصمت ما هو إلا تعبير عن التواطؤ مع المعتدين وخيانة للضمير الإنساني وتشريع لجرائم قادمة.